تتخذ وتائر التدخلات الايرانية في مختلف الشؤون العراقية منحى تصاعديا مع مرور الايام سيما في خضم الصراع المباشر و غير المباشر بين طهران و واشنطن من أجل توطيد دعائم نفوذهما في العراق. ولئن کانت للولايات المتحدة الامريکية السيطرة و الغلبة و کانت کلمتها الاقوى و الاکثر نفوذا في هذا البلد الذي بات يئن من وطأة تفاقم المشاکل و الازمات، لکن يجب أيضا الاقرار بمهارة الدور الايراني و درجة تمرسه العالية في اللعب على الساحة العراقية بدءا من جنوبها الشيعي و مرورا بوسطها السني و إنتهاءا بشمالها الکوردي.

ويأتي الذکاء الايراني في إستغلال نقاط و مکامن الضعف و الخطأ و الإلتباس في عموم الخط الاساسي للسياسة الايرانية في العراق ناهيك عن أن هناك أيضا حقيقة مهمة جدا لابد من الاشارة إليها و هي الغباء الذي يطغي في الکثير من الاحيان على هذه السياسة و جنوحها نحو مسارات و سياقات لا تنتهي إلا بالمزيد من الفشل و الاحباط. وقد تکون واحدة من أهم تلك المسارات الاساسية التي أخفقت فيها السياسة الامريکية بشکل واضح في العراق، هو مراهنتها على قوى سياسية شيعية مسيرة من قبل طهران، ورغم کل الذي أشيع و يشاع عن نوع من حيادية أو إستقلالية بعض من هذه القوى، لکن کل ذلك قد لا يزيد عن مجرد إختلافاتquot;شکليةquot;متفق عليها مسبقا في حين أن التطابقquot;الضمنيquot; لاخلاف أو أي إشکال بصدده، خصوصا و أن الاتفاق على الاساس الاستراتيجي الذي يحکم الخط الفکري ـ السياسي لطهران و هذه القوى قائم و بقوة.


لقد وصل التدخل الايراني في العراق الى الحد الذي لم يعد فيه أي سر لا للقاصي و للداني، والجميع يعلمون أن الحکومة الحالية و التي قبلها أيضا مجرد واجهتين شکليتين لجمهورية ولاية الفقيه و ان بعض الساسة التابعين لتلك الاحزاب التي أشرنا إليها آنفا والمنخرطين في مفاصل الدولة العراقية يعملون بموجب quot;التکليف الشرعيquot;المحدد لهم من طهران وحتى أن الاقتراب أو الابتعاد من طهران ذاتها فيquot;اللعبة السياسيةquot;متفق عليه أيضا في ذلکم quot;التکليف الشرعيquot; الذي هو شکل خطير آخر من أشکال التلاعب بالمقدرات و المصالح العراقية خدمة لأهداف إيرانية مرهونة بمصالح محددة. والذي أطار صواب طهران و دفعها للإنفعال وإتخاذ خطوات تکاد تکون غير متوازنة في ممارستها quot;الامرquot;و ليس الضغط کما يسميه البعض، هو ذلك الدور الآخذ بالتصاعد قوة للمجلس الوطني للمقاومة الايرانية سيما قدرتها على النفوذ داخل مراکز القوى في الغرب و نجاحها في مخاطبة لا الساسة الغربيين فقط و إنما حتى المجتمعات الغربية، يشير بوضوح الى المستقبل السياسي الذي ينتظر هذه القوة الفتية وان تزايد الضغوط لإخراج المنظمة من قائمة المنظمات الارهابية والتي هي في الاساس لعبة امريکية تمت من أجل مغازلة طهران وکانت نتائجها معاکسة تماما للذي کانت تتوقعه الاوساط الامريکية مما دفع بمراکز القوى و الاوساط السياسية وحتى الاعلامية لا للتفکير فقط وإنما حتى العمل من أجل تغيير هذه المعادلة الخائبة و جعلها بالصورة الصحيحة حيث يتم خلاله وضع النظام الايراني نفسه داخل تلك القائمة وهو أمر يجري الان على قدم و ساق وبات يثير القلق و التوجس في طهران. وقطعا فإن الذي جرى في المؤتمر الرابع للتضامن مع الشعب العراقي والذي طالب في بيانه الختامي أکثر من ثلاثة ملايين عراقي شيعي بإخراج النظام الايراني من العراق و طرد سفيره و عملائه و جواسيسه من هناك، أثارت الکثير من الامتعاض و الحنق في طهران سيما بعد تلك التغطية الاعلامية العالـمية المميزة لها مما دفعت بطهران الى إصدار الاوامر لمکلفيها الشرعيين في بغداد بالتصدي لمنظمة مجاهدي خلق في مدينة أشرف والتي تتمتع بحماية دولية بشکل عام و أمريکية بشکل خاص. لقد کان بإمکان الحکومة العراقية لو کانت مستقلة فعلا عن طهران أن تمارس ضغطها السياسي على تلك المنظمة و عبر طرق سياسية و دبلوماسية متعارف عليها وليس القفز الفجائي على کل القيم و المعايير و إعتبار مافعلته المنظمة تدخلا في الشأن العراقي في حين أن دولة مجاورة أخرى للعراق تقوم بالکثير من التدخلات في الشأن العراقي و حتى إنها تعقد المؤتمرات السياسية المتعلقة بمستقبل العراق السياسي من دون أن تتحرك الحکومة العراقية ضد ذلك و الامر کما هو واضح معروف و يتعلق بالمصالح البعيدة المدى للسياسة الايرانية في المنطقة و تنسيقها مع تلك الدولة من أجلquot;تقاسمquot;محدد للنفوذ في العراق.

لقد صرح السيد علي الدباغ بما صرح ضد منظمة مجاهدي خلق الايرانية المعارضة، لکن تصريحه لم يکن إلا نسخة من ذلك الامر الذي صدر من دوائر خاصة في طهران و وصل الى بغداد بصيغةquot;سري و فوري للغايةquot; وهو لايعدو إلا حلقة أخرى من حلقات الصراع الايراني ـ الامريکي والذي سيتستمر طلما بقي هذا النظام الطفيلي باقيا و مستمرا في الحياة على أساس لعبة التوازنات الدولية التي يبدو انها قد وصلت الى وضع بات يخل بتلك التوازنات!

نزار جاف

[email protected]