لا يوجد سبب او عامل واحد لارتفاع الأسعار لمستويات غير مسبوقة.
ولكن علينا ان نقول في البداية ان منظمة اوبك ليست بريئة تماما. المضاربون لعبو دورا في ارتفاع الأسعار وليس الدور الوحيد كما تحاول بعض وسائل الاعلام في العالم العربي أن تقنعنا.

الحقيقة تكمن في تواجد وتداخل وتفاعل عدد من العوامل في آن واحد خلقت الظروف لصعود الأسعار.

اولا: منظمة الدول المنتجة للنفط لم تستثمر بما فيه الكفاية من اجل توسيع طاقتها الانتاجية. ترى هذه الدول ان من مصلحتها ان يبقى النفط تحت الأرض ما دام هناك دخلا كافيا مغريا من الكميات التي يتم استخراجها وتصديرها حاليا. تنتج اوبك حاليا 30 مليون برميل يوميا وبامكانها ان ترفع ذلك الى 32 مليون برميل يوميا خلال شهور قليلة اذا ارادت ذلك.

ثانيا: الطاقة الانتاجية النفطية للدول المنتجة خارج اطار اوبك تتقلص وتتضاءل. وعلينا ان نتذكر ان 60 بالمائة من الانتاج العالمي الاجمالي البالغ 82 مليون برميل يوميا يأتي من خارج اوبك ومن دول مثل روسيا والمكسيك والنرويج وغيرها من الذين لم يلتحقوا بمنظومة اوبك. أي ان اكثر من 50 مليون برميل يوميا تأتي من مصادر لا علاقة لها بمنظمة اوبك.

ثالثا: منطقة الشرق الأوسط تتميز بكونها بؤرة توتر سياسي ومنطقة مشتعلة. العراق لا يزال يحترق. ملف ايران النووي لا يزال ينذر بحرب جديدة. رغم تراجع الارهاب الا ان خطر الارهاب لا يزال يطل رأسه من حين لآخر. والقبض على عدة مئات منهم في المملكة العربية السعودية يشير الى تواجد بقايا عناصر تستهدف المنشأت النفطية.

رابعا: الطلب القوي المتنامي في الصين والهند ودول الشرق الأوسط والذي يتزامن مع سقف انتاجي يلبي الطلب العالمي ولا يترك فائضا كبيرا. القلق يأتي من عدم تواجد طاقة انتاجية اضافية في حالة انقطاع الامدادات كنتيجة لحرب او عمل ارهابي. وهذا يأتي بنا للنقطة الخامسة وهي موضوع المضاربون.

خامسا: المخاوف المشار لها في الفقرة السابقة فتحت المجال للبنوك الاستثمارية وصناديق التحوط والمضاربون ان يوقعوا عقودا آجلة بأسعار اعلى مما هي عليه الآن توقعا لمشاكل في الامدادات. اي ان العوامل الجيوسياسية تسمح للمضاربين باستغلال الحالة المتوترة لجني ارباح اضافية ومن الطبيعي ان تستفيد الدول المصدرة العربية وغير العربية من أفعال وتصرفات وسلوك المضاربين وبنوك التحوط.

وأخيرا ضعف الدولار يلعب دورا في تحفيز المستثمرين للهروب واللجوء الى استثمارات اكثر ضمانا مثل السلع الاستراتيجية كالنفط.

الحرب الاعلامية القائمة بين الدول المستهلكة والدول المصدرة لا تفيد أحد ولا بد من تعاون جميع الاطراف للمحافظة على توازن يرعى مصالح الجميع.

يتعين على الدول المنتجة ان لا تساهم في خلق ركود اقتصادي في الغرب لأن ذلك سيؤدي الى انهيار في الطلب وستكون اوبك الخاسر الأكبر. والدول المستوردة تريد ضمانا في الامدادات لكي تحافظ على استمرار آلة الاقتصاد والرخاء.
على اوبك ان تتذكر ان الأسعار العالية تشجع على الاستثمار في طاقات بديلة وتشجع على استخراج النفط من المناطق الهامشية الصعبة مثل اعماق البحار والمناطق التي كانت محظورة سابقا لاسباب بيئية مثل آلاسكا وسيبيريا.
والتصريحات الاعلامية الغير مسؤولة مثل التي سمعناها امس من قبل مسؤول في اوبك ان السعر قد يصل الى 170 دولار لا تساعد في تهدئة واستقرار الاسعار ولا تخدم مصلحة اوبك بل تعطي المضاربين فرصة جديدة للاثراء الذاتي مما يساهم في رفع الأسعار.


نهاد اسماعيل

لندن