ربما لم يتسن ّ إلا للقليل من القراء العرب من غير المغاربة مطالعة مجلة quot; نيشان quot; المغربية. ليس فقط لأنها محدودة الإنتشار في العالم العربي، وإنما أيضا ً لاعتمادها مزيجا ً من اللغة الصحافية العربية و اللهجة المغربية غير المفهومة بسهولة في البلدان العربية الأخرى، عوضا ً عن العربية الفصحى، في كتابة وإعداد مقالاتها وتحقيقاتها وأخبارها. المجلة، اشتبكت في كانون الأول ( ديسمبر ) العام 2006 في جدال مع الحكومة المغربية، عندما أوقفتها الحكومة، بعض الوقت، لنشرها مقالا ً يتناول بعض النكت المتداولة في المجتمع المغربي حول الدين والجنس والسياسة، تحت عنوان quot; النكت.. كيفاش المغاربة كيضحكو على الدين.. الجنس.. السياسة quot;.
سقت هذه المقدمة، للتعريف بـ quot; نيشان quot; التي ستكون مدخلا ً إلى موضوع آخر. وهو الموضوع الذي كان مثارا ً لجدال قصير آخر، بين المجلة وبين الصحيفة اليومية المغربية واسعة الانتشار quot; المساء quot;. و quot; المساء quot; هي الأخرى غنية عن التعريف. فهي الصحيفة المفضلة لدى قطاعات واسعة من قراء الصحف المغاربة، نظرا ً لتحررها وجرأتها ونقدها اللاذع.. لكن المنطقي والبنـّاء أيضا ً للأوضاع في المغرب والعالم العربي، وإن شابت رؤيتها للوضع العراقي ndash; كما غيرها من وسائل إعلام العرب ndash; بعض الغشاوات، الناشئة عن سيادة الشعارية والهتافية الأجواء الثقافية العربية. من هنا فليس غريبا ً أن يكون الزميل الفلسطيني عبد الباري عطوان رئيس تحرير جريدة quot; القدس quot; اللندنية أحد أبرز مستكتبيها.


شعار مجلة quot; نيشان quot; الذي يقع تحت quot; ترويستها quot; تماما ً هو quot; المغرب كما هو quot; ولهذا فهي لاتزوّق بضاعتها الصحفية والثقافية كثيرا ً، إلى درجة أن كلامها يأتي أحيانا ً خاليا ً من الذوق والأدب، ومغرقا ً في الصراحة التي تكاد تقترب من حدود الصلف!
إن سـُئلت عن رأيي ndash; وقـّلما أ ُسأل ndash; قلت إن quot; نيشان quot; تخدم مجتمعها أكثر من غيرها. فمصيبتنا نحن العرب تختبىء وراء تزويقاتنا اللغوية ولفـّنا ودوراننا، فنحن نسمي الأعمى بصيرا ً والأسود المتفحم أسمر والكلب الأجرب حاج كليب إذا كانت عندنا معه مصلحة!
في عددٍ لها، تناولت المجلة التحشيد الذي كان يمارسه في المغرب المواطن الإسرائيلي من أصل فلسطيني الشيخ رائد صلاح لحث ّ المغاربة على المطالبة بالأوقاف المغربية المصادرة إسرائيليا ً في القدس، فكتب محررها عز الدين الهادف قائلا ً ( العدد 145 ndash; 30 أيار / مايو ndash; 5 حزيران / يونيو الجاري - ص 39 ndash; زاوية : نيشان كي المنجل):
quot; بعض الدعاة المشارقة لايزالون يعتقدون أنهم يعيشون في القرون الوسطى. أيام quot; إحمل سيفك واتبعني quot;. آخر هؤلاء الشيوخ الذين ابتلينا بهم، كان الشيخ رائد صلاح. الداعية الفلسطيني وقف وسط جماهير احتشدت بإحدى ساحات المقر الإقليمي لحزب quot; العدالة والتنمية quot; بفاس ليصرخ بأعلى صوته، مناديا ً المغاربة للالتحاق بالأراضي المقدسة من أجل الجهاد : quot; سأقول للرجال والنساء والاطفال في فلسطين، استعدوا منذ الآن لاستقبال طلائع أهلنا الأحرار من بلد المغرب، الذين سيأتون عما قريب ينصرون القدس الشريف، وينصرون المسجد الاقصى المبارك مكبـّرين مهللين. جريدة quot; التجديد quot; خصصت له صدر الصفحة الأولى، وذهب قيادي كبير في الحزب، الناطقة باسمه ( يعني جريدة التجديد ) إلى حد الاستغراب من منع مهرجانه والترخيص لمغنـّيات تافهات. [ ويعلـّق عز الدين الهادف بالقول : ] هذا هو الفقيه اللي ترجـّينا ( رجونا ) براكتو ( بركته ). قد تكون ( المطربة ) ويتني هيوستن أو غيرها من الفنانات تافهات، لكن الأكيد هو أن لهن القدرة على إدخال الفرح إلى قلوب الآلاف من المغاربة، عكس قضية ليست قضيتهم ولم تجلب لهم سوى سنوات من الهم والضياع بين الشرق والغرب. قضية تركها أصحابها أنفسهم ليغرقوا في حمام دمهم من أجل السلطة. إن كان هناك من حل للقضية الفلسطينية، فهو ليس بالتأكيد الصداع والغوات ( الصراخ والزعيق كما يبدو ) في المهرجانات الخطابية. عدونا الحقيقي يكمن في طريقة تفكيرنا، وليس في العدو الصهيوني ومؤامراته المتربصة بنا، كما يروج الشيخ رائد وأصحابه من المغاربة quot;.


ثم تفجـّر quot; نيشان quot; قنبلتها بالقول:quot;على الشيخ وأصحابه أن يحملوا هموهم وأوهامهم عنا ويرحلوا ( يقصد ويرحلوا عنا ). أن يدعونا نبني أحلامنا ومشاريعنا في أمان. ماجنينا من الشرق سوى قرون من الظلام مازال يطل علينا بين الحين والآخر عبر أجساد ضحاياه المتفجرة في شوارع مدننا. كالك القضية كونو تحشمو شوية ( يبدو أنه يقصد قال قضية قال.. قليلا ً من الخجل! ) quot;
كلام الصحفي الشاب عز الدين الهادف فيه الكثير من الافتراء طبعا ً. فالمشرق حمل إلى المغرب خيرا ً كثيرا ً أيضا ً : نور المعرفة والحكمة والتراث المشرقي الزاخر بالغنى. هذا إلى أن المشارقة يعانون هم أولا ً من التطرف المغاربي، فمعظم الانتحاريين والإرهابيين في العراق مثلا ً هم من المتسللين المغاربة والجزائريين والتونسيين بالإضافة إلى المصريين الذين هم بمفهوم ٍما من شمال أفريقيا.


صحيفة quot; المساء quot; ردت على quot; نيشان quot; بالقول : ( العدد 530 ndash; 2 حزيران ( يونيو ) الحالي- ص 19 ndash; زاوية : نتا برگم وانا نفهم ( أي كما يبدو تكلـّم أو ثرثر وسأفهم أنا! ) quot; ونسي صاحبنا أن أعظم شيء جاء من الشرق إلى المغرب هو الإسلام الذي أتى به الفاتحون. عفوا ً، المستعمرون، كما يحلو للدغرني وتلامذته تسميتهم quot; ( الدغرني ربما كان صاحب المجلة الأصلي رغم ان اسمه لايوجد بين أسماء الصحفيين الشباب الذين يصدرونها ).


والحقيقة أن موضوع الفاتحين والفتح هذا هو نفسه الذي حدا بالأصوات الناقدة إلى التعالي والتصاعد مغربا ً ومشرقا ً أيضا ً. فإذا كان الفتح العسكري في زمن النبي محمد ( ص ) حلا ً اضطراريا ً يكاد يشبه الكي ّ كآخر دواء، فقد تحول في العهود التالية إلى وسيلة مفضلة أولى لاستعباد الشعوب وتأمـُّر العرب عليها، ماأورثها كراهية لنا لم تفلح القرون في التخفيف منها. فـبعد أن شاب هذا quot; الفتح quot; ماشابه من جرائم وتطهير عرقي واستعلاء وعنصرية، انتهى إلى سيطرة الولاة العرب على الأقطار والأمصار، بغض النظر عن تقواهم وصفائهم الروحي والاخلاقي، بل لمجرد كونهم من القومية الغالبة والمنتصرة. وقلما ولـّى الخلفاء أحدا ً من أبناء الأمصار على بلاده، اللهم إلا تولية عمر بن الخطاب سلمان الفارسي على المدائن، مع العلم بأن سلمان ليس أقل شأنا ً من عمر، فالإثنان من كبار الصحابة.


بين يدي ّ الآن كتاب معجمي، أستل منه أمثلة ً، تاركا ً الحكم للقارىء الواعي.
يصف محمد بن عبد المنعم الحميري في كتاب quot; الروض المعطار في خبر الأقطار quot; وهو معجم جغرافي كيفية فتح طنجة المغربية بالقول ( ص 395 و 396 ) ان طنجة تعرف بالبربرية quot; وليلي quot; وقد افتتحها عقبة بن نافع وقتل رجالها وسبى من فيها.
وفي ص 423 يتحدث الحميري عن فتح خالد بن الوليد عين التمر بكربلاء بالعراق فيقول ان خالد حمل على صفوف اهلها وهم من اخلاط العرب فانهزموا من غير قتال، واتبعهم quot; المسلمون quot; فأكثروا فيهم القتل والأسر! واقبل خالد فسألوه الأمان فأبى إلا على حكمه، فنزلوا، ولكنه ضرب أعناق أهل الحصن اجمعين وغنم مافيه!


هاهو الفتح الإسلامي، وهاهم حكامه وقضاته الأتقياء الورعون الذين يستحقون أن تلاحقهم شرطة الآداب ومنظمات حقوق الإنسان وقوانين مكافحة الإرهاب. فهل يـُلام كارهونا وكارهو اليوم الأسود الذي عرفونا فيه!

علاء الزيدي

[email protected]