عندما كان صدام حسين يسخر جزءا كبيرا من موارد الدولة لأغراض الدعاية الإعلامية الديماغوجية بهدف تضليل جماهير الشعب، كان أسلوبه في بناء أسس حكمه الدكتاتوري الذي إستند عليه نظامه الإستبدادي يشفع له الى حد كبير بتكريس الإعلام الحكومي لخدمة أغراضه في تضليل الجماهير، ففي ظل الأنظمة الشمولية تغدو مثل هذه الأمور طبيعيا، وأن تسخر الدولة إعلامها لخدع الجماهير وكسبها بترويج شعارات زائفة وكاذبة.. وقد نجح الإعلام الصدامي في كثير من الأحيان خلال سنوات حكمه الممتد عبر 35 سنة في التأثير على الأوساط الشعبية بإستخدام تلك الأساليب الخبيثة الى جانب إستخدام وسائل القمع الأخرى التي دعمت تلك التوجهات الدكتاتورية. فلو أخذنا تصوير إعلام ذلك النظام الدكتاتوري لمسألة غزو أراضي الكويت بإعتبارها منطلقا نحو تحرير القدس،وكيف أن الكثيرين من القومجية العرب إنخدعوا في البداية بهذا الطرح والإدعاء الزائف تحت تأثير الإعلام العراقي،ومن بينهم البعض من أولئك القومجية الذين ما زالوا يحلمون بوهم تحقيق الوحدة العربية،وإزالة الحدود الوهمية التي إصطنعها الإستعمار للوطن العربي، وقد تجد مثل هؤلاء اليوم في الكثير من القنوات الإعلامية العربية وهم لا يخجلون من الظهور فيها مترحمين على الدكتاتور المعدوم، بطل التحرير القومي وحامي البوابة الشرقية؟!.

ولعل حكومة إقليم كردستان قد إصطفت اليوم الى جانب تلك الأنظمة الشمولية التي تستغل الإعلام الحزبي الذي مازال موجودا بقوة في الساحة الكردستانية، رغم زوال مثل هذا الإعلام السيء الصيت في العديد من دول العالم لخدع جماهيرها، وتسويق الشعارات الزائفة للتأثير عليها.


فحكومة الإقليم الذي تستخدم الإعلام الحزبي والحكومي المدفوعي الأجر، تستن بالسنة الصدامية في مجال تضليل الجماهير بالشعارات الكاذبة والزائفة.وهي مثل ذلك النظام المقبور تكرس أموالا طائلة من ميزانيتها لمثل هذا الإعلام المسخ، وتصرفها على شراء جوقة من المرتزقة الطبالين والزمارين من أصحاب الأقلام غير الشريفة التي تعرف قبل غيرها أن تلك الشعارات التي أكل الدهر منها وشرب حتى الثمالة لا تستميل حتى السذج من الجماهير في ظل الإخفاقات المتكررة لحكومة الإقليم من كسب أية قضية قومية، أو معالجة أية أزمة أو مشكلة من المشاكل الحياتية للفرد الكردستاني.، وتنسى هذه الحكومة ومعها جوقتها التطبيلية أن شعب كردستان لم يعد هو ذلك الشعب الذي كان الإعلام الحكومي يعميه عن رؤية الحقائق على الأرض، ويتستر على كشف المستور والمخفي وراء كواليس الحكومة، فالأجواء اليوم باتت مفتوحة والقنوات الفضائية تعمل، والأخبار تأتي بكبسة زر لتفضح كل ما خفي وستر.

منذ خمس سنوات تستغفل هذه الحكومة جماهيرها بقضية كركوك.. وهي قضية مصيرية وتاريخية لا شك فيها بالنسبة للشعب الكردي. ولكن القيادات الكردية التي تتشكل منها هذه الحكومة الإقليمية إستغلت هذه القضية المشروعة العادلة إستغلالا بشعا لأغراض الدعاية الإنتخابية والحزبية طيلة السنوات الخمس الماضية، وما زالت تتوهم أن بإمكانها أن تستغلها لمزيد من الأغراض الإنتخابية رغم فشلها الذريع في تحقيق أية مكاسب على الأرض لهذه القضية لصالح الشعب الكردي المغلوب على أمره.


فبعد أن كانت تستأسد وتتنمر على التركمان والعرب وترفض كل الحلول التوافقية الممكنة لمشكلة كركوك، متمسكة تارة بالمادة 58 من قانون إدارة الدولة العراقية، وتارة أخرى بالمادة الدستورية 140، وهما مادتان إنتهى مفعولهما بكل صراحة ووضوح، وإستمرت في نهجها بتضليل الجماهيرمن خلال العزف على الوتر القومي رافضة أي إستجابة لنداءات الآخرين بحل هذه المشكلة بالتراضي والتوافق، فإستكبرت وطغت حتى خرجت تلك المسألة من أيديها بفعل أخطائها السياسية القاتلة، لتسقط معها ورقة التوت التي كانت تستر عوراتها أمام الجماهير..


ففي آخر جولة من المفاوضات الجارية مع بغداد حول المادة 140 المتعلقة بتطبيع أوضاع كركوك والسعي الى ربطها بإقليم كردستان، رجع الوفد الكردي المستأسد الذي كان يطلق طوال خمس سنوات تصريحات نارية بعدم المساومة على قضية كركوك ( قدس كردستان)، عاد الى أربيل بخفي حنين، لتستسلم القيادة الكردية أخيرا الى القدر وتعلن عن موافقتها بالحلول التوافقية لمسألة كركوك، وهي الحلول التي طالما رفضتها منذ زمن، فلم يعد بيدها حتى هذه الورقة لتستغلها مرة أخرى لخدع وتضليل الجماهير في الجولات الإنتخابية؟!.

ومنذ الإعلان عن توحيد حكومة الإقليم المنقسمة الى إدارتين منفصلتين في كل من مدينتي السليمانية وأربيل،بقيت هناك ثلاث وزارات وهي ( المالية والداخلية والبيشمركة) لم يتم توحيدها ضمن إجراءات توحيد الحكومتين، وليس هناك أي مبرر لعدم توحيد تلك الوزارات، ولكن يبدو أن إنعدام الثقة الكاملة بين الحزبين الحاكمين في كردستان( الديمقراطي الكردستاني بزعامة السيد مسعود بارزاني والإتحاد الوطني الكردستاني بزعامة الرئيس جلال طالباني) على الرغم من توقيع إتفاق quot; إستراتيجيquot;!!! بينهما، يعكس رغبة كلا الحزبين بالإمساك بعناصر قوتهما الأساسية، عنصر ( المال) من خلال إبقاء وزارتين ماليتين مستقلتين بيد كل منهما، وعنصر (القوة العسكرية والأمنية) من خلال وزارتين للداخلية والبيشمركة خاضعتين لقيادة حزبيهما وليست خاضعة لسلطة رئيس الحكومة؟؟؟!!!.. هي إذن مسألة فقدان الثقة بين الحزبين على الرغم من وجود إتفاق إستراتيجي بينهما،ولكن يبدو أن ذلك الإتفاق كان لتوزيع خيرات الإقليم بينهما، وليس لتقاسم السلطة بين حزبين فائزين في الإنتخابات؟ّ!.


فقبل أيام أعلن رئيس حكومة الإقليم، أن هناك مقترحين بشأن توحيد الوزارات الثلاث، الأول يدعو الى تأجيل توحيدها الى حين إجراء الإنتخابات القادمة منتصف العام القادم، والثاني، الإسراع بإعلان توحيدهما، وقد إستشعرت أن الإحتمال الأول هو الأقوى، لأن هذه الحكومة لم ولن تكون موحدة في هذا الإقليم أبدا، فعلى الأرض لا يكاد المواطن الكردي يلمس أي إشارة مطمئنة على توحيد الحكومتين السابقتين، فما زالت السليمانية تختلف عن أربيل في كل النواحي بما فيها حتى فوارق تجهيزهما بالوقود والكهرباء من حكومة الإقليم؟!.

منذ سنتين تطلق القيادة الكردية تصريحات لاهبة حول مصير قوات البيشمركة التي أسبغوا عليها أقدس التسميات، رافضين حلها أو المساس بها بإعتبارها قوات حامية لحمى الوطن والسور المنيع لأرض كردستان (( المقدسة))؟!. ولكن تلك القوات لم تحرك ساكنا عندما إنتهكت بساطيل الجنود الأتراك حرمة الأراضي الكردستانية مؤخرا، وها هم اليوم يتنازلون عن (( قدسية )) هذه القوات أمام الحكومة العراقية، راضين مرضيين بتشكيل فرقتين عسكريتين تحت إسم ( حراس الإقليم ) وبحدود 30 ألف حارس للحدود، وتسريح البقية الباقية وهم أكثر من 90 ألف من البيشمركة المسومين؟!. لا بل يدعون شاكرين مشكورين الى ربط هاتين الفرقتين بوزارة الدفاع العراقية التي طبلوا وزمروا لحلها بعد سقوط صدام لأنها كانت بإعتقادهم رأس البلاء والمصائب بالنسبة للشعب الكردي، وأداة بيد صدام حسين لقمعهم وأنفلتهم؟!..

منذ سنة ووزارة الكهرباء تطلق تصريحات مبشرة بإنتهاء أزمة الكهرباء في كردستان. فلا يمر اسبوع، إلا ويخرج علينا وزير الكهرباء الذي سأسميه من الآن فصاعدا ( بوزير المولدات الأهلية، لأن في كردستان ليس هناك عمل أو مشروع للوزارة سوى تنظيم ساعات تجهيز تلك المولدات الأهلية للكهرباء لمواطني الإقليم)، أو أحد مدرائه العامين ليبشر الشعب السذج بإنتهاء أزمة الكهرباء، ويعدوننا بزيادة ساعات التجهيز الحكومي للكهرباء الى حدود 12 ساعة يوميا، ولكن في كل إسبوع بعد أن نسمع تلك التصريحات الرنانة الطنانة يسوء وضع الكهرباء أكثر فأكثر، كأني بهم كما يقول العراقيون ( يقشمروننا )، أي يستهزئون بنا؟!. ولا أدري كيف تسمح حكومة تحترم نفسها لوزارة تابعة لها أن تطلق كل هذه الوعود الكاذبة وتضحك من خلال وسائل الإعلام على ذقون أبناء الشعب الذين إنتخبوها؟؟!!.. وعلى الرغم من وجود محطة كهربائية بقدرة 500 ميغاواط إنشئتا حديثا بأموال أحد أغنياء مدينة أربيل وليس من ميزانية حكومة الإقليم، وعلى حد علمي فإن هاتان المحطتان تعملان حاليا لإنتاج الطاقة الكهربائية، ولكن المواطن في الإقليم لا يشعر بأي تحسن يذكر في وضع الكهرباء؟!. والغريب اللافت في هذه المشكلة، فأنه في الوقت الذي تعاني فيه أغلبية مواطني الإقليم من سوء الوضع مع الكهرباء خصوصا في هذا الفصل اللاهب في كردستان، فإن الأنوار تتلألأ في بيوت المسؤولين في الحكومة وأعضاء القيادات الحزبية نزولا الى بيت أصغر عضو في المنظمة الحزبية بأحياء المدينة، وتشتغل مكيفات الهواء على مدار 24 ساعة في تلك البيوت والمقرات؟!. ويبدو أن تأسيس تلك المحطتين اللتين لم تغيرا شيئا من وضع الكهرباء كان بالأساس هو لخدمة بيوت المسؤولين وبطانة الحكومة والحزبين الحاكمين وليس لمعالجة مشكلة الكهرباء المستفحلة؟!..
و يجب أن لا ننسى أيضا أن مواطني الإقليم يجهزون بأردأ أنواع البنزين في محطات التعبئة الحكومية، في حين أن أفضل النوعيات من تلك المادة ( سوبر ستار ) تعبأ بسيارات المسؤولين في محطات تعبئة (( خاصة )) بالمسؤولين؟؟؟!!.. وهذا ما كان صدام حسين يفعله أثناء حكمه فدق بذلك إسفينا بينه وبين شعبه؟!.
إن العشرات من التصريحات التي يخرج بها علينا مسؤولو الإقليم في كل يوم أو ساعة وهي تبشرنا بالخيرات العميمة التي ستنهال على رؤوسنا، ومئات الوعود التي تطلقها الحكومة بقرب إنفراج الأزمات المعيشية للمواطنين في إقليم كردستان، هي مجرد تصريحات جوفاء ووعود كاذبة تطلقها وسائل الإعلام الحكومية والحزبية الممسوخة والمدفوعة الأجر فقط للإستهلاك المحلي ولخدع الجماهير لأغراض إنتخابية، وأعتقد أن من يطلقون تلك التصريحات قد يظنون هذا الشعب أنه مجرد قطيع من الأغنام أو الأبقار، لا يقرأون ولا يكتبون، وإلا فإن تلك التصريحات والوعود الزائفة والمخادعة لم تعد تنطلي حتى على قوم يأجوج ومأجوج الذين لا يكادون يفقهون قولا؟

شيرزاد شيخاني

[email protected]