سواء ذهب الفنان فاروق حسني وزير الثقافة المصري إلى إسرائيل أو لم يذهب فعلينا أن نعترف بصراحة أن فرصة الرجل في الفوز بمنصب مدير عام منظمة اليونسكو الذي يخلو في أكتوبر عام 2009 ليست كبيرة.
كما أن الحديث الذي أدلى به لصحيفة quot;يديعوت أحرونوتquot; الإسرائيلية والذي أعرب فيه عن استعداده لزيارة إسرائيل لن يرفع أسهمه كثيرا في المعركة الدائرة حاليا حول رئاسة المنظمة العالمية للتربية والتعليم والثقافة.
فرئاسة اليونسكو تتطلب شروطا أكبر كثيرا من رضاء إسرائيل وأهمها أن يكون المرشح لهذا المنصب صاحب نشاط بارز في مجال إحلال السلام ودعم التعاون الدولي في مجالات التربية والتعليم والثقافة وسيادة القانون وحقوق الإنسان ومبادئ الحرية الأساسية وأن يحظى بتأييد غالبية ال 191 دولة الأعضاء في المنظمة الدولية.
والسؤال المطروح هل تتوافر هذه المعايير في شخص الفنان فاروق حسني وزير الثقافة المصري الذي شغل منصبه الوزاري لمدة 21 عاما متواصلة ويعتبر من أهم الرسامين التجريديين المصريين الذي تلقى لوحاته تقديرا كبيرا حول العالم؟!
وهل تكفي إنجازات الرجل على الصعيد الفني والثقافي والأثري لفوزه برئاسة منظمة اليونسكو التي لا تعنى بحماية التراث العالمي فقط وإنما يمتد نشاطها إلى قضايا التربية والتعليم والثقافة والعلوم الطبيعية والإنسانية والاجتماعية والاتصالات وحرية التعبير والإعلام؟!
والسؤال الأهم هل ينجح الوزير المصري في مواجهة منافسه دوارت رامالو أورتيجاو المندوب الدائم للبرتغال في اليونسكو والذي يحظى بتأييد واسع من الدول الناطقة بالبرتغالية ومعظم دول أمريكا اللاتينية وكذلك عزيزة بناني مندوبة المغرب الدائمة في اليونسكو والرئيسة السابقة للمجلس التنفيذي للمنظمة الدولية والتي كانت عميدة سابقة لكلية الآداب بجامعة الحسن الثاني ولها مؤلفات معروفة بالعربية والفرنسية والإسبانية؟!
القضية إذن ليست معركة بين الوزير فاروق حسني وإسرائيل كما تصورها وسائل الإعلام المصرية في محاولة من جانبها لتسويق الوزير كبطل قومي وتوفير حجة جاهزة لتبرير هزيمته في المعركة الدائرة على رئاسة اليونسكو وهي هزيمة لا يستبعدها هو شخصيا بدليل تصريحاته التي قال فيها إن خسارته الانتخابات بسبب إسرائيل شرف له!
والمؤكد أن إسرائيل ليست الباب الملكي للوصول إلى رئاسة اليونسكو والتي هي في الأصل منظمة دولية وليست يهودية كما أن كل من تولوا رئاستها بدءا من مديرها الأول الإنجليزي جوليان هكسلي و المكسيكي خايمي توريس بوديت والأمريكي لوثر إفانز والإيطالي فيتوريو فيرونيزي والفرنسي رينيه ماهيو والسنغالي أحمد مختار امبو والأسباني فيديريكو مايور وأخيرا الياباني كويشيرو ماتسورا لم يعرف عنهم أنهم كانوا صهاينة أو حتى موالين لإسرائيل!
صحيح أن للوزير فاروق حسني مشاكل مع إسرائيل بعد أن أوقف كافة أشكال التطبيع الثقافي معها طوال 21 عاما ومنع مشاركتها في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي ومعرض القاهرة الدولي للكتاب ومهرجان الموسيقى استجابة لضغوط غالبية المثقفين المصريين كما هدد مؤخرا أمام البرلمان المصري بحرق الكتب الإسرائيلية المتداولة في المكتبات المصرية.
وصحيح أيضا أن وسائل الإعلام الإسرائيلية اتهمت الرجل بالعنصرية ومعاداة السامية وهاجم شالوم كوهين سفير إسرائيل في القاهرة ترشحه لرئاسة اليونسكو مؤكدا أنه لن يفوز بهذا المنصب دون مباركة إسرائيل.
لكن معارضة الوزير فاروق حسني للتطبيع لم تمنعه من مقابلة مسئولين إسرائيليين ويهود في مناسبات عديدة من بينهم شالوميت ألون وزيرة الثقافة السابقة وشالوم كوهين سفير إسرائيل في القاهرة والحاخام اليهودي الأمريكي أندرو بيكر.
كما لم تمنعه من الإعلان مؤخرا عن استعداده لزيارة إسرائيل مما أغضب قطاعا واسعا من المثقفين المصريين الذين اتهموه بquot;محاولة إرضاء إسرائيل لتحقيق مصلحته الشخصيةquot; مؤكدين أن حواره مع يديعوت أحرونوت أهدر 21 عاما من المقاومة الشعبية وشبه الرسمية من المؤسسات الثقافية المصرية لمحاولات الاختراق الثقافي الإسرائيلي.
لكن من غير الوارد أن تنجح مغازلة فاروق حسني لإسرائيل في تشجيعها على تأييد ترشحه لرئاسة اليونسكو بل على العكس وكما قالت وسائل الإعلام الإسرائيلية فإن الدولة العبرية لن تكافئه على مواقفه المناهضة للتطبيع لمجرد أنه يحلم برئاسة اليونسكو.
المعركة الحقيقية على رئاسة اليونسكو تدور في باريس ndash;مقر المنظمة الدولية- وليس في تل أبيب، والتحدي الحقيقي أمام أي مرشح لرئاسة اليونسكو هو أن تتوافر فيه المعايير الواجب توافرها فيمن يستحق أن يشغل هذا المنصب الدولي وتجعله يحظى بتأييد غالبية ال 191 دولة الأعضاء في المنظمة الدولية.
ولا أظن أن مغازلة فاروق حسني لإسرائيل سوف تمنحه فرصة حقيقية للفوز بمنصب مدير عام منظمة اليونسكو لكنها ربما تفتح سوقا جديدة للوحاته الفنية!

عبد العزيز محمود

[email protected]