الجزء الخامس و الأخير


بعد أن أعلن رئيس الوفد العراقي المفاوض الدكتور فاضل البراك صراحة عن حاجة العراق لمنفذ بحري دائم يحقق ستراتيجية الهيمنة الإقليمية إستوقفه رامسفيلد ليسأله عن المقاصد النهائية للعراق، فقال البراك:

يا سيد رامسفيلد إننا سندخل حرب نيابة عن أميركا أولا لأن المصالح الأميركية الإقتصادية و الستراتيجية هي المهددة الأولى من سلوكيات النظام الإيراني في منطقة الخليج و تشكل كما يلي 60 إلى 65% من واردات البترول الأميركية تأتي من الخليج كما أن صادرات أميركا لدول الخليج تشكل ما نسبته 35%، إذا للولايات المتحدة مصالح ذات أهمية قصوى في المنطقة لا تعادلها أية مصالح لدول أخرى في العالم، هذا من الناحية الأميركية أما من ناحية حلفاء الولايات المتحدة كأوروبا الغربية و اليابان أو إستراليا و غيرها لها مصالح أنا متأكد إن هنالك في العالم مصالح مباشرة و مصالح غير مباشرة في دورة الحياة على كوكبنا، إذا المستفيد من هذه الحرب إن وقعت هو الولايات المتحدة، أما العراق إذا خرج من هذه الحرب منتصرا فهو خسران، و إذا خسر الحرب فهو الخاسر الأكبر لأننا سندفع دماء أبنائنا في هذه الحرب و لا شيء يعوض عن الدم، و كذلك هناك أمور أخرى سوف نخسرها في منشآتنا الصناعية و الإقتصادية و في إقتصادنا و في أمور كثيرة أخرى و كما تعلمون إننا دولة نامية نعتمد في إقتصادنا على البترول فقط أنا مؤمن بإن كل يوم يمر على العراق و هو في حالة حرب يعني تأخر سنة كاملة في كل مفاصل التنمية و تخلف في الحياة و أنا قلت لكم إننا نعاني من ظلم وقع على العراق في رسم حدوده خلال الإحتلال البريطاني.. هل تعلم ياسيدي إن الكويت كانت تابعة لولاية البصرة خلال الحكم العثماني؟؟؟ بل أن حدود العراق كانت تمتد إلى المنطقة الشرقية من السعودية أي الأحساء و حتى الدمام وما تشمله، بحوزتي خارطة تثبت ذلك و بالدليل القاطع !!! لكن سامح الله البريطانيين على ما فعلوه بنا، إننا لا نطالب بأن نستعيد المنطقة الشرقية من السعودية، إن الكويت عراقية و بكل الوثائق التي سبقت الإحتلال البريطاني وهذه مرجعنا نحن الدول التي كانت تحت الإحتلال العثماني، أنا شخصيا حصلت عليها من ملفات الإدارة العثمانية عند زيارتي لإسطنبول في عام 1978، و إنكم تعرفون إن مرجعنا في الوثائق التي تسبق الإحتلال البريطاني للعراق هي تركيا و إن الكثير من نزاعات الإرث و ملابساتها كان العراقيون و إلى زمن قريب يعتمدون على السجلات العثمانية فهي المرجع في ذلك سيدي إن عراق كبير و قوي يضم الكويت هو أفضل للولايات المتحدة كما أنه لن يتغير أي شيء بالنسبة لمصالحكم في الكويت إن عادت للعراق!!!، لا تقلقون بل العكس هو الصحيح فإن عادت الكويت للعراق ستكون مصالحكم أكبر في العراق و أوسع كثيرا..؟؟
فرد رامسفيلد : إنها مسألة منطقية إتركوا لي الفرصة ليوم غد فأنا لا أستطيع أن أقرر نيابة عن حكومتي !.
فرد الدكتور البراك قائلا : ولكن لك وجهة نظر و رأي يؤخذ به، إننا هنا لعقد صفقة شراكة و صداقة دائمة مبنية على أسس التفاهم و التعاون و لكن يا سيدي لا تنسى أن العراق سوف يقدم في هذه الحرب دماء أبنائه و هذا لا يعوضها شيء، كما أن هنالك خسائر منظورة و غير منظورة سوف تلحق بالعراق في حال دخوله الحرب، سيدي أنا و إخوتي في الوفد بإنتظار ردكم غدا.
بعد الإنتهاء من الإجتماع طلب سبعاوي إبراهيم من الجميع الإنتقال لغرفة الطعام لتناول الغذاء، و بعد تناول الشاي و القهوة غادر الوفدان الأميركي و العراقي فيلا سبعاوي التكريتي في إنتظار لقاء الغد في نفس المكان.
وفي اليوم التالي حضر في تمام الساعة التاسعة و النصف صباحا الوفد الأميركي و عقد الإجتماع الختامي الذي قال فيه رامسفيلد ما يلي :
أنا أهنئكم، لقد أبدى كل من الرئيس المنتهية ولايته جيمي كارتر و كذلك مرشح الحزب الجمهوري رونالد ريغان تأييدهما المطلق لمطلبكم في الكويت و لكن يجب أن يتم ذلك الأمر بهدوء و تعقل و روية أي يتم بعد إنتهاء الحرب بعام أو عامين و أن يبقى هذا الموضوع طي الكتمان بيننا و بينكم و لا يأخذ طريقه أبدا لوسائل الإعلام أو للتداول العلني، كما أن الولايات المتحدة تعدكم بأنها سوف تضع إمكاناتها الفنية و التقنية ووسائل الإستطلاع تحت تصرفكم، سوف نزودكم بكل شيء و عن أي شيء نصل إليه في إيران من تحركات الجيش للطيران للأسطول البحري الإيراني، سنكون معكم بكل ثانية عن ما يجري في إيران، كما إننا سنحث أصدقائنا في الخليج أن يسهموا إسهام مباشر في تكاليف الحرب كذلك الأردن و مصر و المغرب و تونس و اليمن و في بقية دول العالم سنكون موجودين بجانبكم و لكن من تحت الستار!!
في نهاية اللقاء وعد الدكتور البراك بأن يرد على ما جاء في طرح رامسفيلد في أقرب فرصة بعد العودة لبغداد، ثم غادر الوفد الأميركي الفيلا، و غادر الوفد العراقي مدريد في يوم 23 تموز / يوليو 1980 عن طريق أثينا....
ودارت الأيام ليعلن الرئيس العراقي السابق صدام حسين في يوم 17 أيلول/ سبتمبر تمزيق إتفاق الجزائر الحدودي مع إيران لعام 1975، ثم يعلن العراق الحرب رسميا على إيران يوم السبت 22 / أيلول/ سبتمبر / 1980 و هي الحرب الماراثونية الطويلة التي تجاوزت الأسبوع المقرر لها لتمتد لحوالي ثمانية أعوام و التي حملت إسم ( قادسية صدام ) التي بعد نهايتها عام 1988 بعامين تماما غزا صدام دولة الكويت في الثاني من أغسطس / آب 1990 ليفتح المشهد الإقليمي على واحد من أكثر المآسي بشاعة في القرن الماضي وحيث لم تزل آثار تلك الحرب شاخصة حتى اللحظة... إنها لعبة الأمم الشرسة التي لا تعرف الرحمة... و التي وقودها البشر و الأوطان...

الجزء الرابع

داود البصري

[email protected]