مضت بضعة أشهر على مؤتمر أنابوليس الواعد الذي عقد في نوفمبر 2007 ولا يجد العديد من المحللين شيئا يكتبونه سوى النقد ليخطوا به صفحات الجرائد والإنترنت. إن ذلك ليس بشيء سلبي لأن مثل ذلك الانتقاد يعني أن هؤلاء الكتاب يعتقدون بأن مجال إحراز التقدم كبير. فذلك النوع من النقد ما هو إلا انعكاس لمدى الضيق الذي نحسه جميعا من عدم الإعلان عن تحقيق انفراج في المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وأظن أن معظم هؤلاء الكتاب ينظرون إلى المسار السياسي الخاص بالمحادثات الثنائية بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي بمعزل عن أي من المسارات الأخرى فيحكمون على نتائج المؤتمر بالتعثر بسبب غياب النتائج المعلنة. إلا أن المسار السياسي والذي يعتمد بشكل أساسي على طرفي الصراع الفلسطيني والإسرائيلي يشهد حركة مستبشرة، أما المسار الاقتصادي فإنه يحرز تقدما كبيرا لصالح الفلسطينيين في ظل إحجام إعلامي.

لقد تعهدت الولايات المتحدة بمبلغ 555 مليون دولار لمساندة تطوير الاقتصاد الفلسطيني وبناء المقدرة المؤسساتية له في مؤتمر باريس للمانحين الذي أتبع مؤتمر أنابولس. وقد تم إيداع 218 مليون دولار منها حتى الآن شاملة 68 مليون دولار في شكل مساعدات لمشاريع من خلال الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية و 150 مليون في شكل مساندة مباشرة للميزانية، وبذلك تبقى الولايات المتحدة أكبر متبرع للسلطة الفلسطينية. هذا بالإضافة إلى 148 مليون دولار قدمناها هذا العام 2008 إلى وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (UNRWA)، منها 57 مليون دولار لحساب صندوق المساعدات الطارئة للضفة الغربية وقطاع غزة و91 مليون أخرى إلى الصندوق العام لمساعدة الفلسطينيين في المنطقة.

حتى تاريخه قدمت الولايات المتحدة هذا العام مبلغ 466 مليون دولار وسوف تدفع 337 مليون دولار إضافية لصالح الفلسطينيين. ذلك من جانب ومن جانب آخر شاركت الولايات المتحدة في مؤتمر الاستثمار الفلسطيني في بيت لحم الذي عقد الشهر قبل الماضي - شهر مايو ndash; للعام الحالي 2008 بهدف توفير البيئة الاقتصادية الملائمة للدولة الفلسطينية المرتقبة من خلال إظهار الفرص الاستثمارية المتوفرة والمشاريع الجاهزة للانطلاق وعرضها على المستثمرين. وقد نجح المؤتمر في جذب اهتمام شخصيات سياسية مهتمة مثل توني بلير كمبعوث للرباعية، ووزير الخارجية الفرنسي برنارد كوشنير، بالإضافة إلى ممثلين عن شركات كبرى مثل إنتل Intel وسيسكو Cisco وماريل لينش Merrill Lynch وغيرها. وقد عُقِدت صفقات خلال المؤتمر بحوالي 1.4 مليار دولار بين فلسطينيين وشركاء دوليين.

التركيز الأمريكي على الجانب الاقتصادي يعود إلى عاملين رئيسيين الأول هو أنه مسار يعتمد على قرارات وتنسيق مستقليْن وبعيديْن عن المسار السياسي للعملية السلمية. وذلك يسهل على المجتمع الدولي العمل لصالح الهدف النهائي والذي هو اتفاقية سلام مبنية على حل الدولتين كما تنص عليها خارطة الطريق من أجل تأسيس الدولة الفلسطينية المرتقبة لتعيش بجانب جارتها إسرائيل في سلام وأمان. أما العامل الثاني فيكمن في ضرورة تمتع الدولة الفلسطينية المرتقبة بمقومات الازدهار عند تأسيسها مما يتطلب توفير عوامل عدة ومن أهمها نظام اقتصادي فاعل.

فتأسيس بيئة اقتصادية فاعلة ليس في مصلحة الفلسطينيين فحسب بل يصب في المصلحة الوطنية للولايات المتحدة التي تتطلع إلى فائدة عظيمة لها وللمنطقة من وراء شرق أوسط أكثر استقرارا. يجب على أطراف الصراع والجهات ذات العلاقة إدراك أهمية هذه الفرصة التي توحَّدَت فيها مصلحة الولايات المتحدة الوطنية مع المصلحة الفلسطينية في ظل وجود عزم أمريكي والتزام تام بمساعدة طرفي الصراع على تخطي العقبات التي يمكن تذليلها. ولكن يبقى مفتاح حل الصراع مع الطرفين، فقرار استثمار هذه الفرصة أو إهدارها يبقى في يديهما.

وليد جواد
فريق التواصل الإلكتروني
وزارة الخارجية الأمريكية
[email protected]
http://usinfo.state.gov/ar
http://walidjawad.maktoobblog.com