السيد جلال الطالباني

لعلي أذكرك ببداية تعارفنا ولقائنا على الصعيدين السياسي والشخصي حيث كان ذلك بالتحديد في دمشق البعث في ربيع 1988، حينما رجعت الى الشام بعد غيبتك عنها لأكثر من خمس سنوات متواصله حيث غادرتها أيام الحرب العراقية الإيرانية العام 1981 الى شمال الوطن تحت شعار القيام بثورة عراقية ضد نظام صدام حسين من كردستان العراق، وتدحرج موقفك السياسي لتصبح ببغداد مفاوضا النظام وطالبا مساعدته المالية والتي كانت بحدود 12 مليون دولار (وتلك قصة أخرى )، ومن ثم فشلت مفاوضاتك مع بغداد فأنقلبت من جديد الى طهران والتي سعت بجد لعودتك الى دمشق ومهدت لك اللقاء مع الرئيس الراحل حافظ الأسد..


ولربما تعرف أو قد قرأت رسائلي الأربع التي وجهتها وبشكل علني وبإسمي الصريح الى الرئيس الراحل صدام حسين، كانت إثنتان منهما في العام 1991 نشرت في صحيفة (بغداد) التي كانت تصدر في لندن، الأولى في آذار والثانية في آب /1991 أما الثالثة فكانت في آيار 1994 ونشرتها بصحيفة (الحياة) التي تصدر بلندن، والأخيرة كانت في أيلول/2002 حيث نشرتها صحيفة (الزمان) التي كانت تصدر في لندن فقط آنذاك..


وكان فحوى تلك الرسائل بالمجمل هو معارضة أساليب صدام حسين ونهجه في حكم العراق،وكذلك مصادرته لأي رأي قد لا يوافق عليه أو لا ينسجم مع تصوراته في إدارة شؤون الحكم والعراق،ولم يكن هذا الموقف لي بغريب فأنا من الجيل البعثي الذي كان يطلق عليه (بعثيو اليسار) منذ العام 1964 وتطور الأسم بعد أن أستولى ثنائي البكر- صدام على السلطة في العراق في تموز 1968 تحت لافتة حزب البعث أي قبل أربعين سنة من أيامنا هذه فأصبحنا نعرف بأجهزتهم وسجلاتهم وإعلامهم بإسم (المنشقين ) وبالتالي ( جماعة سوريا)..


اليوم أوجه لك هذه الرسالة العلنية،وأنت في موقعك الرسمي، لكنك بالتأكيد تدرك الفرق البين النوعي بينك وبين الرئيس الراحل،صدام حسين قاد دولة وعمل ما أجتهد فيه لتعزيز قوتها واستقلالها وعزتها،وأنت قفزت الى المنصب ذاته من خلال سقوط العراق المستقل والموحد تحت قبضة الإحتلال الأمريكي وما أفرزه من معادلات ورموز ومآسي أكملت بل وفاقت في بعض جوانبها المآسي التي شهدها العراق في فترة الخمس والثلاثين سنة من عمر النظام السابق، ولربما أنتبهت قبل الآن لم أردد دائما في لقاءآتي التلفزيونية وكتاباتي الصحفية، صفة (الوضع الراهن) على هذا الموجود ببغداد بقضه وقضيضه،ذلك لأني واثق بأنه محكوم عليه بالفشل ومصيره الى زوال مهما طال الوقت فالشعب العراقي العظيم هو من سيكنس هذه النفايات الحاكمة بنضاله ومقاومته الإحتلال بوجوهه الثلاث الأمريكي،الإيراني والإسرائيلي ورموزهم من خونة العراق..


ولربما تتذكر لقاءنا أنت وأنا لآخر مرة هنا في لندن وكان ذلك في 10/5/2007 وبحضور السفير العراقي بلندن آنذاك الدكتور صلاح الشيخلي وما جرى بيننا من حديث قصير ذي معنى ودلالة ثبتها للتاريخ بمقالة مفصلة فيما بعد تحت عنوان (هكذا الوعد الرئاسي وإلا فلا!!..) ونشرتها صحيفة (إيلاف) الألكترونية في 25/12/2007، حيث تعمدت الإنتظار طيلة تلك الشهور،على أمل أن يكون وعدك صادقا حول مسألة جلاء المحتلين من القصر الجمهوري العراقي التي كانت محور لقائي آنف الذكرمعك،وأثبتت الأيام التي تلت وللأسف كذب ذلك الوعد الذي ألزمت نفسك به!!.


اليوم أجدني مضطرا لأن أكتب لك هذه الرسالة العلنية المفتوحة بعد أن ألتقيت مصافحا وبحرارة (أيهود باراك ) وزير الدفاع للعدو الإسرائيلي في مؤتمر الإشتراكية الدولية الذي عقد في اليونان مؤخرا واظهرت الأخبار صورك معه وبينكما محمود عباس رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية،ولتبرير تلك الفعلة القبيحة من جانبك أوعزت الى الموظفين فيما يسمى برئاسة الجمهورية إصدار بيان يقول أن ذلك اللقاء قد تم بينك وبين (باراك) على أساس حزبي وليس على المستوى الرسمي (محاولة غبية للتضليل لا تصلح حتى لمغفل أن يلهو بهاا!!) ومع ذلك دعنا نذهب مع الكذاب حتى الباب كما يقول المثل الشائع ونسأل وبنقاط محددة :-
1-على هدي التبرير الذي صدر من مكتبك الرئاسي ببغداد بعد هذا اللقاء،أنت حزبيا رئيسا لمنظمة اسمها (الإتحاد الوطني الكردستاني) حيث ظللت في موقعك هذا منذ العام 1975 عندما أعلن عن تشكيل هذا التنظيم في سوريا وبدعم صريح ومباشر من قبل البعثيين في قيادة قطر العراق وفي مقدمتهم آنذاك الرفيق الشهيد أحمد العزاوي الذي أغتيل في مثل هذه الأيام بدمشق في 10/7/1976 وكنت يومها بدمشق وعبرت عن حزنك بالقول (اليوم أنكسر ظهري!!)، فهل ما أقدمت عليه باللقاء مع (باراك) هذه الأيام قد جاء تنفيذا لتوجه حزبي أقرته قيادة الإتحاد الوطني الكردستاني ؟؟ وهل هذا التوجه هو إشارة تحرك بهذا الإتجاه نحو (إسرائيل) لبقية حلفائك من عراقيي الإحتلال (عربا وكردا وتركمانا وأقليات أخرى!!..)؟؟.


ونقطة أخرى جديرة بالعناية في هذا المجال، إذا كان إدعاؤك حول ذلك اللقاء بأنه كان على الصعيد الحزبي صحيحا،لم إذن أوعزت لجهاز رئاسة الجمهورية وهي موقع رسمي في الدولة العراقية بأن يصدر هذا البيان!! أما كان من المنطقي والصحيح بأن يصدر البيان بإسم قيادة حزبك (الإتحاد الوطني الكردستاني) أم أنك والآخرين من أدوات الإحتلال قد أستمرأتم تسخير وإهانة كل ما بقي في هذه الدولة المنكوبة بالأجنبي المحتل وبوجودكم على رأس قيادتها؟!


2-على صعيد خلفيتك التعليمية حيث المعروف عنك بأنك خريج كلية الحقوق العراقية في الخمسينات من القرن الماضي بمعنى أنك تدرك الأبعاد القانونية والدستورية لما أقدمت عليه في هذا اللقاء وأنت تحت القسم الرئاسي بالحفاظ على الدستور العراقي والحفاظ على مصالح العراق الذي تتصدر الرئاسة في نظامه الراهن،وهذه النقطة الحيوية والخطيرة نسلط الضوء عليها بسبب أن دولة العراق لازالت في حرب رسمية مع دولة العدو الإسرائيلي في فلسطين،حيث أن العراق لم يشترك في محادثات هدنة (رودس) العام 1951 بعد قيام (إسرائيل) والحرب العربية الإسرائيلية العام 1948 والتي كان العراق عضوا فاعلا ونشطا في تلك الحرب الى جانب الدول العربية الأخرى ولم يوقع على إتفاق الهدنة فيما بعد،ونعيد الى الذاكرة العراقية والعربية ما أقدمت عليه (إسرائيل) في يوم 7/6/1981،عندما أغارت بطائراتها على المفاعل النووي العراقي في جنوبي بغداد ودمرته، وقتها وقف (مناحيم بيغن) رئيس وزراء العدو الإسرائيلي في الكنيست ليعلن ذلك ويؤكد حالة استمرار الحرب بين العراق وبين كيانه مما يبرر فعلته تلك،أكثر من ذلك هو حينما وجه العراق صواريخه الى (إسرائيل) في حرب الخليج الثانية العام 1991 فإن هذا الإجراء العراقي كان له مايبرره بموجب نفس المنطق لحالة استمرار الحرب تلك،(فما عدا مما بدا ياترى؟) فهل تغيرت الحالة القانونية لذلك الوضع المعادي وأصبح الإتصال والتلاقي بين مسؤولي( تل أبيب )ومسؤولي عملاء الإحتلال ببغداد ممكنا وجائزا أفليس من حق الشعب العراقي أن يعرف الحقيقة كما هي؟؟،وأشير هنا الى ما أعتمدته (إسرائيل) الأسبوع الماضي من قانون يحرم الإتصال بالعدوويوقع مواطنيها تحت طائلة العقاب..


3-حينما وزعت قبل حوالي السنتين وعن طريق (الإنترنيت) صورا للعسكريين الأمريكان من اليهود وهم يقيمون احتفالهم الديني وبوقاحة وتحد في القصر الجمهوري العراقي، سبب لي ذلك ألما كبيرا أختزنته للحظة لقائنا التي أشرت إليها في بداية رسالتي هذه وسألتك عن المدى الزمني لبقاء الأمريكان في القصر الجمهوري حيث زعمت وبسخف قبلها بأنهم جالسون هناك (بالإيجار!!) وكان جوابك لي قاطعا بأن ذلك سينتهي مع نهاية السنة الحالية أي 2007،وللأسف لم تكن صادقا أبدا كما في حالات سياسية أخرى يشهد عليها كل العاملين في الحقل السياسي العراقي على مدى نصف القرن الماضي ممن حكمت الظروف بأن يتعاملوا معك عن قرب..


4- وبحكم موقعك في رئاسة الدولة في العراق،فإن لأي عراقي الحق في أن يسألك عما حققته من مصلحة للعراق في لقائك مع وزير دفاع العدو الإسرائيلي،ألا يفترض فيك ومن خلال المنصب الذي تحتله بأن تكون خطاك محسوبة وبدقة لخدمة العراق أم أن الموضوع في كل ذلك لا يتعدى حساباتك الذاتية لخدمة شخصك أولا ولخدمة غرائزك ومطامعك على اختلاف أنواعها ؟؟


5-وبمناسبة الحديث عن الحسابات،والمالية منها على وجه الخصوص،فلا يعرف ما آلت إليه الضجة الصحفية التي أثيرت قبل أشهر هنا في لندن من قبل عقيلتك السيدة (هيرو إبراهيم أحمد) حينما طالبت بنقل أرصدتك المالية -كما تردد- من اسمك الى اسمها ولخدمة الحزب !! وقيل في وقتها بأن تلك الأرصدة هي بحدود (أربعة بليون باون إسترليني) فمن أين يا ترى جمعت هذا الجبل المالي ؟؟ وما الذي قدمته للمنطقة الكردية الواقعة تحت حكمك ونفوذك منذ حوالي العقد ونصف من الزمن،ذلك ما يمكن أن يجيب عليه المواطنون العراقيون الأكراد أنفسهم، وأيضا على قاعدة (الأقربون أولى بالمعروف) فما الذي قدمته للعناصر المنضوية تحت قيادتك في الإتحاد الوطني الكردستاني من أموال (قارون) هذه؟!..


السيد جلال الطالباني..
لقد بلغت من العمر عتيا، وطال عليك المسير وأرتكبت من الأخطاء والخطايا الكثير، لذا فإني أشير إليك مخلصا وبصراحة قد لا تسرك أو ترضيك بأن تقدم استقالتك من منصبك كرئيس للجمهورية فإن هذه الظروف التي نعيش وعلى ما فيها من إنحراف وسقوط للقيم والأخلاق وإعوجاج في المفاهيم تجعل هذا الموقع النبيل لرئاسة دولة العراق بحاجة ماسة وحقيقية لعراقي وطني يحتله،رمزا وطنيا وقدوة يحتذى بها..والسلام على من أتبع الهدى..

اسماعيل القادري
سياسي عراقي مقيم في بريطانيا
E-mail:-
[email protected]