تبدأ غداً الأربعاء الموافق 16 تموز/يوليو في العاصمة الأسبانية مدريد فعاليات المؤتمر الذي تنظمه رابطة العالم الإسلامي ويرعاه العاهل السعودي عبدالله بن عبد العزيز والذي أطلق عليه quot;المؤتمر العالمي للحوارquot; ويضم عدداً من أتباع الديانات والحضارات والثقافات. يجيء المؤتمر في وقت ينشغل فيه العالم بالعديد من المواجهات والصراعات والنزاعات التي تأخذ بعضها مناحي دينية أو حضارية أو ثقافية. ففي حين يركز العالم الغربي جل جهوده لمحاربة الإرهاب الديني الذي ألصقه البعض في السنوات الأخيرة بالعرب والإسلام لأسباب وأهداف لست بصدد الخوض فيها في هذا المقال، نجد أن العالمين العربي والإسلامي يتهمان الغرب بشن حرب عشواء ضد الإسلام والمسلمين. وقد حذر الكثيرون من مخاطر نشوب صراع بين الحضارات بسبب الانقسامات التي يشهدها العالم في مواجهة قضايا مصيرية ياتي على رأسها قضية التطرف الديني. ونظراً للحساسية التي تشكلها قضية المؤتمر فقد تباينت ردود الأفعال عربياً وإسلامياً ودولياً على دعوة الملك السعودي للحوار بين مختلف الأطراف، فكان هناك من رحب بقوة بالمؤتمر، وبنفس مقدار القوة كان هناك من اعترض عليه، وبين المرحب والمعترض كان هناك الكثيرون من المتحفظين على المؤتمر.

لا شك في أن دعوة الملك عبدالله بن عبد العزيز لعقد مؤتمر حوار مع المنتمين لعقائد دينية أو حضارات أو ثقافات مختلفة تشكل انفتاحاً غير مسبوق من قبل المملكة العربية السعودية التي اكتفت في الماضي بالانكفاء على الذات من منطلق دفاعي احترازي بحت تارة ومن منطلق نرجسي شوفيني مطلق تارة أخرى. وإذا كانت دعوة الملك عبدالله بن عبد العزيز لشخصيات دينية مسيحية ويهودية بغرض الحوار حول المشترك الإخلاقي الذي يمكن أن يجمع بين أتباع الديانات الإبراهيمية الثلاث تعتبر حدثاً يسترعي الانتباه نظراً للتشدد الكبير الذي يتسم به الإسلام الوهابي السعودي تجاه المسيحية واليهودية، فإن دعوة العاهل السعودي لرموز ثقافية ودينية من ديانات غير توحيدية ربما تشكل نقلة كبيرة في الموقف الوهابي الرسمي الذي يسم غير الموحدين بالكفر والشرك. ورغم الإشادة التي تستحقها كل مؤتمرات الحوار التي تبغى نشر ثقافة السلام والتسامح والتعايش المشترك بما فيها مؤتمر مدريد، إلا أنني أرى أن هناك ثلاث نقاط يجب مناقشتها بشأن المؤتمر السعودي للحوار.

تتعلق النقطة الأولى بشأن اختيار العاصمة الأسبانية مدريد لعقد المؤتمر. فقد ثارت تساؤلات كثيرة بشأن عقد مؤتمر سعودي تنظمه رابطة العالم الإسلامي التي تتخذ من مكة مقراً دائماً لها ويرعاه العاهل السعودي عبدالله بن عبدالعزيز في عاصمة دولة أخرى. وقد أثير تساؤل بشأن مغزى قبول السعودية قبل أسابيع قليلة استضافتها لمؤتمر إسلامي للحوار بين السنة والشيعة وعدم قبولها استضافة مؤتمر الحوار بين الأديان. هناك سببان واضحان لهذه النقطة. السبب الأول هو عدم رغبة المملكة في استضافة رجال دين غير مسلمين على أرض المملكة. المعروف أن السعودية لا تصرح مطلقاً ببناء دور عبادة لأتباع الديانات الأخرى ولا تسمح أبداً لغير المسلمين بأداء صلواتهم الدينية. أما السبب الثاني فهو عدم رغبة المملكة في استضافة إسرائيليين تمت دعوتهم لحضور المؤتمر، لأن السعودية لا تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل. وقد جاء قرار المملكة عدم استضافة المؤتمر ليتعارض تماماً مع رسالة التسماح التي ينبغي للمؤتمر أن يتبناها. المثير أن الأصوات التي ترتفع دفاعاً عن موقف المملكة بادعاء خصوصية موقفها وحساسيته تجاه استضافة دور عبادة لغير المسلمين تنكر تناقض دفاعهم عن المملكة مع مباديء التسامح. والغريب أن هذه الأصوات لا تكف عن الصراخ مشتكية من اضطهاد مزوعم من قبل الغرب للإسلام والمسلمين.

النقطة الثانية ترتبط بالمشاركين في المؤتمر. فقد لفت انتباهي الصبغة السياسية للمؤتمر باعتبار أن معظم الكلمات الملقاة في المؤتمر ستكون لشخصيات سياسية مثل الأمين العام رابطة العالم الإسلامي، والأمين العام لقمة السلام الألفية لزعماء الأديان التابعة للأمم المتحدة، ووزير الثقافة اللبناني، ورئيس مجلس الشورى السعودي، ومستشار رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة. وفضلاً عن عدم توازن التمثيل الطائفي والديني في المؤتمر، فقد بدا التمثيل الدولي في المؤتمر متواضعاً ومثيراً للجدل، إذ لم يتمكن العديد من قادة العالم كالأمين العام للأمم المتحدة من الحضور، وقد ألقى البعض باللوم في هذا الصدد على الإعداد السريع للمؤتمر. ولعل إضفاء الصبغة السياسية على المؤتمر يضعف، برأيي، من أهميته على اعتبار أن مصدر مشكلة غياب التسامح هو رجال الدين المتطرفين وليس السياسيين. وربما يعود اهتمام المملكة العربية السعودية بدعوة العديد من السياسيين، وبخاصة الغربيين منهم، إلى المؤتمر يعود إلى ثلاثة أسباب؛ الأول هو رغبة المملكة في تبرئة ساحتها على الساحة الدولية من تهمة الإرهاب التي ارتبطت بها بعد مشاركة نحو ستة عشر سعودياً في أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر، والثاني هو رغبة المملكة في تبرئة الإسلام من تهمة الإرهاب التي ألصقت به بعد الأحداث الإرهابية الكثيرة التي نفذتها جهات إسلامية متطرفة، والثالث هو رغبة المملكة في الضغط على الغرب لوقف انتقاداته التي تطول الإسلام ورموزه.

النقطة الثالثة تتعلق بممارسة التسامح عملاً قبل أن التلفظ به قولاً من خلال الكلمات والمؤتمرات. لست أدري كيف سيروج السعوديون في مؤتمر الحوار لمباديء التسامحوالتعايش المشترك في الوقت الذي تتهم فيه مملكتهم من قبل منظمات حقوق الإنسان بغياب هذه المباديء. لاشك في أن أنها مهمة عسيرة. فالمملكة الدولة الراعية للمؤتمر تتهم بانتهاج سياسات محلية وإقليمية ودولية لا تتفق مطلقاً مع ما يهدف إليه المؤتمر من زرع بذور التسامح والسلام وقبول الأخر. وربما كانت السعودية بحق بحاجة ملحة لإعادة النظر في الفتاوى التكفيرية الكثيرة التي تصدر عن مشايخها بحق غير المسلمين. ولعل السعودية بحاجة شديدة أيضاً للتسامح مع أتباع الطوائف والديانات الاخرى كالشيعة والبهائيين والمسيحيين واليهود والبوذيين والهندوسيين الذين يعيشون أو يعملون بالمملكة. كما أن السعودية بحاجة ماسة إلى إعادة تقييم مناهجها التعليمية التي تحرض على كراهية الأخر. ولقد كانت الإدانة الأخيرة التي أصدرها تقرير اللجنة الامريكية المختصة بشئون حرية الأديان الدولية دليلاً واضحاً على المدى الذي تتوجه إليه الاتهامات بغياب مباديء التسامح عن مناهج التعليم السعودي على سبيل المثال.

من المؤكد أن حجراً صغيراً قد ألقي مؤخراً فحرك المياه الراكدة بعض الشيء في بحيرة الاعتدال بالمملكة العربية السعودية، بعد سنوات طويلة توقفت فيها المملكة تماماً عن التواصل مع العالم والحضارات والثقافات المختلفة، وكان من نتيجتها انتشار التطرف والإرهاب الديني في السعودية وخارجها. ولعل مبادرات الملك عبدالله عبد العزيز الأخيرة التي بدأت قبل شهور بلقاء عقده مع البابا بندكت السادس عشر في الفاتيكان، ثم تبنيه المؤتمر الإسلامي للحوار، وأخيراً رعايته لمؤتمر الحوار العالمي في مدريد هي دليل على أن القيادة السعودية ربما تكون قد بدأت في إدراك مدى التحديات التي تمثلها ظاهرتا التطرف والإرهاب ليس للعالم الغربي فقط، وإنما للعالمين العربي والإسلامي أيضاً. و إذا كان للملك عبد الله أن يقود تيار الإصلاح في السعودية فإن طريق الإصلاح سيكون طويلاً ستتخلله معارك شرسة مع الأصوليين والمحافظين المتشددين بالسعودية. ولذا فإنه قبل أن نهلل للمؤتمر ونعقد عليه الآمال من المفيد التنبيه على أن المقررات التي يمكن أن يخرج بها المؤتمر ستبقى حبراً على ورق ما لم تكن هناك خطوات عملية تلحق به؛ وهي خطوات تنقي النفوس من الحقد والغل والكراهية وتغرس بدلاً منهم مباديء التسامح والإخاء والسلام. ولا يغفى على أحد الدور الكبير الذي يمكن أن تلعبه السعودية في إنهاء المشاكل المتعلقة بالتطرف والإرهاب إقليمياً وعالمياً. فهل تخطو السعودية خطوات واسعة نحو الإصلاح الديني؟ لعل هذا ما نأمل حدوثه قريباً حتى يعرف العالم بيهوده ومسيحييه ومسلميه وبوذييه وملحديه وغيرهم طريق السلام والتسامح والتعايش المشترك.

جوزيف بشارة
[email protected]