الجزء الرابع

من الأخطاء التي وردت في كتب التفسير والتي تناقلها أجيال من المفسرين دون بحث وتمحيص بسبب ولائهم المذهبي الأعمى ذلك الخطأ الذي لن يجدوا له علاجاً إلى اليوم ألا وهو الشجرة التي لعنها القرآن الكريم وهذا الخطأ الفادح الذي ذهبوا به كل مذهب دون أن يصيبوا الحق في إجادة التفسير المناسب لتلك الشجرة والتي ذكرها تعالى في قوله : ( وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغياناً كبيراً ) الإسراء 60. وهذا اللفظ ممكن أن يكون على بابه بتقدير محذوف أي أن اللفظ يصبح [ والشجرة الملعونة في القرآن أيضاً أوكذلك ] أوممكن أن يكون فيها نوعاً من التقديم والـتأخير وعلى هذا التقدير يكون السياق [ وما جعلنا الرؤيا التي أريناك والشجرة الملعونة في القرآن إلا فتنة للناس ] وكلا الإحتمالين ممكن وبكلتا الحالتين يتبين لنا أن الشجرة معطوفة على الرؤيا وكلاهما فتنة للناس. إلا أن اللعن أصبح وصفاً آخر للشجرة وهذا الوصف لا يوجد في الرؤيا لذا وجب التفريق في نوعية الفتنة الحاصلة من الرؤيا وتلك التي ستكون في الشجرة، لذلك كان إختلافهم من هنا فذهب أكثرهم على أنها شجرة الزقوم التي ذكرت في بعض المواضع كقوله : ( إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم *** طلعها كأنه رؤوس الشياطين ) الصافات 64 ndash; 65. وقوله : ( لآكلون من شجر من زقوم ) الواقعة 52. وكذلك قوله تعالى : ( إن شجرة الزقوم *** طعام الأثيم ) الدخان 43 ndash; 44. والذي دعا هذا النوع من المفسرين أن يذهبوا إلى هذا الرأي هو ما ذكر في الخبر من أن أبا جهل قال [ زعم صاحبكم أن النار تحرق الحجر ] وكان هذا الإستهزاء بسبب نزول قوله تعالى : ( وقودها الناس والحجارة ) التحريم 6. وجمع هذا مع قوله [ إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم ]. فقال كيف النار لا تحرق الشجر وهذا نوع من التضليل كما هو الحال مع المضلين في زمننا هذا حين تحسينهم القبيح لأجل أن يضلوا به السذج من الناس بسهولة مما يضطرهم بتصديق الأباطيل المحسنة. وذهب صنف آخر من المفسرين إلى أن الشجرة الملعونة في القرآن هم بنو أمية يعني الحكم بن أبي العاص ومن لف لفه، ودليلهم أن النبي ( ص ) رأى في المنام أن ولد مروان يتداولون منبره فقص رؤياه على أبي بكر وعمر فلما تفرقوا سمع النبي الحكم يخبر برؤيا رسول الله فاشتد ذلك على النبي ( ص ) واتهم عمر في إفشاء سره. ونفى بعض المفسرين هذه القصة لأن ما حدث بهذا الشأن كان بالمدينة والسورة مكية إلا أن تكون هذه الآية مدنية والسورة مكية ولكن لم يقل أحد من المفسرين بهذا. وذهب آخرون إلى أن الشجرة الملعونة هم اليهود لقوله تعالى فيهم : ( لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داوود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ) المائدة 78. وهذا بعيد لنفس الأسباب التي ذكرت في الرأي السابق، وكما أسلفت فإن الإختلاف في نوعية الشجرة ناتج من الإتجاهات المذهبية والتي تجعل الخلف ملزم بآراء السلف ولو تحررنا من هذه التبعية لحصلنا على تفسير نظيف يخدم الإنسان في حاضره ومستقبله فما الفائدة لو أثبتنا أن الشجرة هي الزقوم أو بني أمي أو اليهود، ولكن التحليل المنطقي يثبت غير هذا حتى وإن كان اليهود أو بني أمية من المصاديق غير الظاهرة لتلك الشجرة. ولو حكمنا لغة القرآن الكريم لوجدنا الحل الأمثل لنوعية تلك الشجرة وما المقصود منها ولو عدنا كذلك إلى المعاجم العربية وبحثنا في أصل وجذر كلمة [ شجرة ] لوجدنا أن أصلها من الشجار الذي يعني التشابك والتداخل الذي يحدث بين الأشياء المتماثلة أو المتشابهة التي يربطها أصل واحد ولذلك فإن تسمية الشجرة أخذت من هذا الأصل بسبب تشابك أغصانها بعضها ببعض مع الإنتماء إلى أصل واحد يربط الجميع ولذلك كثيراً ما نسمع بشجرة العائلة أي الرابطة الأصلية واحدة والإختلافات الفرعية مرتبطة في الأصل الأول. ولو عدنا إلى الشجرة الملعونة في القرآن نجد الآراء التي ذهبت يميناً وشمالاً لن تفلح في تحديد مدلول تلك الشجرة لأن هذه الشجرة وصفت بأنها ملعونة واللعن لا يمكن أن يوصف به النبات أو الجماد لأن هذا الوصف لا يطلق إلا على العاقل، لأن معناه هو الطرد والبعد من رحمة الله تعالى. فما ذنب الشجرة حتى توصف بهذا الوصف، نعم وصفها تعالى بأن طلعها كأنه رؤوس الشياطين لتهويل أمرها مجازاً وأخرجته القرائن هناك أما هنا فإن القرينة تخرج الشجرة من أصل الشجر بإضافة اللعن لها، إذاً دلالة المعنى الحرفي للشجرة بمعناها الجذري المتمثل بالتداخل والتشابك لغة لا ينطبق إلا على كل من غضب الله عليهم بدليل لام الإستغراق الذي في القرآن الذي وصفت الشجرة بأنها لعنت فيه وهذا مفهوم عام لا يمكن تجميده على فئة دون أخرى فيكون أصحاب الضلال قد دخلوا في الأصل بكل مللهم ونحلهم وهناك طرق وسبل لا حصر لها كالكفر والإلحاد والنفاق والضلال وإتباع هوى النفس واللهو واللعب إلى غير ذلك من الصفات التي تطرق لها القرآن الكريم في مختلف مواضعه وهذا التطرق جعل الواقع المشار إليه كالمتشابك في أطرافه التي ترتبط بجذر واحد وهو معصية الله تعالى بختلف مصاديقها التي ذهبت كل مذهب كما قال تعالى : ( ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ) الأنعام 153. فالفساد جزء من أغصان تلك الشجرة وكذلك أكل أموال الناس بالباطل والرشوة والزنا والسرقة والإغتصاب والربا والتصوف والإرهاب والرهبانية المبتدعة التي ما أنزل الله بها من سلطان، والخلق السيء وعقوق الوالدين والخداع والمكر والرياء وحب الظهور والغرور كل هذا وأكثر أوراق وأغصان تابعة لتلك الشجرة التي لعنها الله تعالى في القرآن الكريم. فإن قيل : على تفسيرك تبقى آراء بعض المفسرين كما هي لأن أشرار بني أمي واليهود لا بد أن يدخلوا في هذه الشجرة ؟ أقول هذا صحيح لكني إستخرجت الحقيقة من القرآن نفسه دون التبعية الببغائية المتمثلة بالمذاهب الباطلة.

أخطاء في كتب التفسير

عبدالله بدر إسكندر المالكي
[email protected]