ذكر في ويكيبيديا : ( الموسوعة الحرة ) أن { العلم بالمفهوم الشامل للكلمة هو كل نوع من المعارف أو التطبيقات وهو مجموع مسائل وأصول كلية تدور حول موضوع أوظاهرة محددة تعالج بمنهج معين وينتهي إلى النظريات والقوانين، ويعرف أيضاً بأنه الإعتقاد الجازم المطابق للواقع وحصول صورة الشيء في العقل، وعندما نقول أن العلم هو مبدأ المعرفة وعكسه الجهل أو إدراك الشيء على ماهو عليه إدراكاً جازماً، يشمل هذا المصطلح في إستعماله العام أو التأريخي مجالات متنوعة للمعرفة، ذات مناهج مختلفة مثل الدين ( علوم الدين ) والموسيقى ( علم الموسيقى ) والفلك ( علم الفلك ) والنحو ( علم النحو ).. } إنتهى ومن أراد المزيد فالباب كبير في الموسوعة الحرة.إذاً فالعلم موضوع كبير لا يمكن حصره في مقال واحد مهما كان حجم ذلك المقال ولكن الذي يهمنا ونريد أن نسلط الضوء عليه هو العلم الذي يؤدي بصاحبه إلى خدمة البشرية ومصالحهم العامة لذا فمن الحكمة والصواب أن يتخذ الإنسان مسلكاً لطلب العلم وإغتنام الوقت والإستفادة من كل ماهو نافع وفي هذه المناسبة يحضرني قول لأنشتاين : يقول إن الإفراط في القراءة يسلب قوة الإبتكار من العقل بعد بلوغ سن معينة فمن أفرط في القراءة وقلل الإعتماد على الفكر فلابد أن يصاب بالخمول الفكري. إنتهى بتصرف. وعند تأملنا لهذا القول يظهر لنا أن الحياة على قصرها المتمثل بقصر عمر الإنسان فيها لابد أن يعلم أن المنفعة العامة التي تستخلص من العلم لابد أن يوجهها الإنسان ضمن إختصاص معين دون تشتيت الأفكار هنا وهناك وكثرة القراءة التي تجعل الفكر يتقلب بكل النواحي دون الإستقرار على ما يطمح له الإنسان من إستحواذه على المفيد بأقصر وقت وبأقرب الطرق المتوفرة لديه ومن ثم الأهم فالأهم.

وإلا إن كان هم الإنسان أن يحصل على كل الإختصاصات وجميع محاور العلم وفروعه فهذا غير ممكن وإذا كان هذا ممكناً لقلة من الناس فلا يمكن أن يحصل للجميع لأن العلم أكبر من كل الثروات التي ممكن أن يحصل عليها الإنسان وبمختلف الطرق التي يجتهد لسلكها وقد تختلف مهارات الناس حسب إتجاهاتهم ومقاصدهم إلا أن التفاضل بينهم لا بد أن يكون موسوماً بما يمتلكه هؤلاء من إتجاه علمي سواء كان نظرياً متمثل بعلم الكلام أوتجريبياً أما العلوم الضارة والتي تفتك بالإنسان كالسحر والشعوذة والتنجيم وما شابه ذلك فلا تؤدي بصاحبها إلا إلى التهلكة وعلى النقيض من ذلك فإن محاربة الشعوذة والسحر والتنجيم وغيرها فهو بحد ذاته لابد أن يكون بعلم يفوق ما يمتلكه هؤلاء.
علماً أن الفرق بين الفريقين يكمن في الإختيار فلربما يكون الإنسان مكرهاً على عمل الخير لكنه يفعل ذلك لعلمه أن هذا مطابق لما يرتضيه الله تعالى وتقبله الإنسانية.

فمن هذا المنطلق يتمكن الإنسان من الإنتصار على النفس ويجعلها منقادة لما يفرضه عليها وليس العكس وبهذا يتخلص من العقد التي تأخذ به إلى الإنحراف الذي يكون في غالب الأحيان خارج إرادته بسبب إستقرار ملكاته على ما يفكر فيه بالإتجاه السلبي.

وهناك إنسان آخر رغم إمتلاكه العلم إلا أنه لا يحرك به ساكناً، أوربما يتجه به نحو حب الذات والظهور أو المكسب المادي فهو في هذه الحالة يكون حبيس تلك الإتجاهات لكن ليس عن جهل وإنما عن علم وعمد ومنهم من شفع علمه بالصفات الحميدة كالحكمة واللين والخلق الحسن فهذا الصنف هو الذي يأخذ بيد الآخرين إلى بر الأمان وتكون الإنسانية في مأمن منه وقد حذر تعالى من كتمان العلم وأمر بتبليغه للبشرية حسب الطاقة لأن مايمتلكه الإنسان من علم وإن كان قليلاً وجب عليه توصيله للآخرين عبر قنواته الشرعية وكما قيل فإن الميسور لا يسقط بالمعسور. لأن أعلم الناس من عمل بما علم ولهذا يقول أحد الشعراء..

إذا العلم لم تعمل به كان حجة *** عليك ولم تعذر بما أنت جاهله

فإن كنت قد أوتيت علماً فإنما *** يصدق قول المرء ما هو فاعله

ومن هنا ندرك أن العلم لا يمكن أن يصدق صاحبه إلا إذا كان مقروناً بالعمل الذي يخدم الإنسانية ويكون ذلك العمل مبنياً على الإخلاص ومحبة الناس. ومهما تفاخر الإنسان بأصله وحسبه فليس هناك أرفع من تفاخره بالعلم، وبالعلم يرفع الوضيع وبالجهل يخفض العظيم كما قال الشاعر :

العلم يرفع بيوتاً لا عماد لها *** والجهل يهدم بيوت العز والكرم

ولذلك فإن الحوار الذي كان بينه تعالى وبين إبليس عندما أمره أن يسجد لآدم قوبل بالرفض بسبب تفاخر إبليس بأصله بإعتباره خلق من نار ولا يمكن أن تسجد النار للطين على حد إعتراضه. كما يتظاهر بعض الناس بأنه من القبيلة التي تدعى بكذا إسم أو بلد كذا، وكأن كل واحد منا أفضل الخلق، أو من شعب الله المختار. لذلك فإن ماحدث من أمر إبليس وتفاخره بالنار كان أشبه بكلمة حق يراد بها باطل، كما قال تعالى نقلاًعنه :
( خلقتني من نار وخلقته من طين ) ص 76. لذلك فإن الله تعالى لم يكذبه في هذا الموقف لأن النار أفضل من الطين فعلاً بقياس أصحاب الميول المادية أما قياساته تعالى فإنها تتمثل بالعلم.

وقد بين ذلك تعالى ذلك في موضع آخر من القرآن الكريم عندما أعلن العلم البشري إنتصاره على الجان الذين خلقوا من نار، وذلك في الحوار الذي تم بين سليمان وملئه عندما قال : ( أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين ) النمل 38. وفي هذا الموقف ( قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوي أمين ) النمل 39. وكانت هذه المدة طويلة جداً بالنسبة لسليمان، لكن صاحب العلم وهو إنسان وقيل هو وصيه آصف بن برخيا قد تعهد بنقل العرش الخاص ببلقيس بأقل من إرتداد طرف العين كما قال تعالى : ( قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك ) النمل 40.

وبهذا يسجل العلم أول إنتصارات الإنسان المخلوق من طين على الجان الذين خلقوا من نار. لأن النصر لا يتمثل بالصرعة والجسد وإنما بالعلم الذي يوضع في موضعه.
لكن للأسف فإن كثيراً من الذين يمتلكون العلم نراهم يعملون على إستغلال الجماهير التي أولتهم الثقة، وقد قيل قديماً.. أن أحد العلماء كان في رحلة بحرية مع مجموعة من الناس وقد أصابتهم عاصفة هوجاء كادت تغرق السفينة فما كان من هذا العالم إلا أن فتح القرآن لغرض الإستخارة ثم قال لهم لقد علمت من القرآن أننا سننجوا والسفينة لن تغرق فقال له أحد أصدقائه المقربين الذين يعرفون ألاعيبه جيداً، على قاعدة [ على هامان يافرعون ] قال له كيف تكذب على الناس وماذا تقول لهم في حالة غرق السفينة فقال له العالم.. يا مجنون إذا غرقت السفينة لم أجد من يكذبني. وعلى طريقة رجل الدين هذا نجد الكثير في عصرنا ولا أقصد الشرفاء منهم بل الذين باعوا شعوباً بأكملها من أجل نزوات فانية ومصالح خاصة بهم وإنتصارات فارغة لا تنطلي على ذوي العقول الراجحة ولكنهم يخدعون بها ضعاف الناس.كما يحدث اليوم في العراق ولبنان وغيرها من البلاد العربية التي يسيطر عليها ما يسمى برجال الدين، ونحن لا نملك إلا الكلمة التي نستطيع أن نلقي بها الحجة على أتباعهم ولكن للأسف فإن بعض الناس لا تريد أن تعي الحقيقة بسبب الإستفادة من تلك التبعية أو الفهم الساذج. وعندها يكون خطابنا لهم
كقول عنترة بن شداد :

لو كان يدري ما المحاورة إشتكى *** ولكان لو علم الكلام مكلمي

وقيل الفصاحة بدل المحاورة.

عبدالله بدر إسكندر المالكي
[email protected]