نظموا الشعر أبياتا،، بحثوا عن العشق أزمانا،، وبالنَظْمِ خُلِّدوا دهرا وأياما. على مر العصور،، وباختلاف العهود،، وبتداول الدول،، بقي العرب بأمور القلب أخبر، وبعلله أعلم. فاسأل عنترة وقيس ومجنون ليلى ليقولوا لك عن حسرة القلب تارة وألم الفؤاد تارة ونبض الصدر تارة أخرى. ومن منا لم يقرأ في معلقة امرؤ القيس:
وأنك قسّمت الفؤاد، فنصفهقتيل، ونصف بالحديد مكبل

أو في مذهبة زهير بن أبي سلمى:
لسان الفتى نصف، ونصف فؤاده فلم يبق إلا صورة اللحم والدم

بحث جميعهم على مر العصور،، ومعهم من العشاق حشد،، عن مداوي لذلك الفؤاد الموجوع، ولكنهم لم يجدوا فمايكل دبغي لم يكن قد ولد بعد. فالدكتور مايكل دبغي هو ذلك الطبيب المداوي، حكيم القلوب، مرمم الأفئدة وإن لم تكن تلك القلوب مريضة باعتصار الحب أو بأوجاع العشق، بل تلك القلوب العليلة بأمراض عضال. فقد قدم طبيب القلب دبغي الأمريكي من أصول عربية ما لم يقدمه من سبقه ممن كانوا بأمور القلب أعلم.

عندما أتى المهاجرون العرب إلى الدنيا الجديدة تأقلموا،،، أما أبناؤهم فاندمجوا مثلما فعل مايكل الذي جس نبض البيئة وأدرك متطلبات الوضع،، أدرك أن عصر الشعر والشعراء قد أثرانا ولكن هذا العصر يستجيب للعلم والاختراع بشكل أفضل. فبقي صادقا لتراثه العربي على مدى 99 عاما بنبض عربي وروح أمريكية.

لقد قدم والد مايكل مهاجرا من جبال لبنان إلى الدنيا الجديدة مع إطلالة القرن العشرين الماضي ليشتغل في الصيدلة. وفي تلك الصيدلية في ولاية لويزيانا ألهم حب الطب خيال مايكل الصغير وربما تسارع نبض قلبه حالما بأن يصبح طبيبا، وبالفعل تخرج كطبيب واختص في جراحة القلب وأطلق عليه لقب quot;أب جراحة القلب العصريةquot;. وقد ولد مايكل في سبتمبر من عام 1908 في ليك تشارلز في ولاية لويزيانا Lake Charles، LA وأنهى تخصصه الطبي عام 1932 وباشر المداواة في زمن لم يكن لدى الأطباء ما يقدمونه لمرضى القلب سوى الشفقة والمواساة. ولكن الدكتور دبغي كانت روحه مغامرة ونظرته كاشفة قدم لجراحة القلب العديد من الإنجازات والمبادرات.

لقد أثنى على والديه وخص بالذكر والدته التي علمته الحياكة والتي كانت الأساس الذي طور عليه التكنيك الذي قدمه لجراحة الأوعية الدموية والمستخدمة في رَأْب الأوردة المسدودة. وفي المقابل اعترفت أمريكا بأفضاله عندما كرمته مؤخرا بوسام الكونغرس الذهبي الذي هو أرفع تكريم يقدم للمدنيين في الولايات المتحدة.

لقد كان الدكتور مايكل دبغي رائدا في جراحة القلب واختراع الأجهزة والأدوات الطبية اللازمة لإنجاح تلك العمليات. ومن ضمن ما قدمه الدكتور عملية القلب المفتوح Bypass Surgery وجهاز لضخ الدم لمرضى القلب كما طور الوحدات الطبية العسكرية المتنقلة. وقد باشر بإجراء عمليات جراحة القلب على شخصيات معروفة كرؤساء أمريكيين والشخصيات العالمية بالإضافة إلى العامة من الناس بعدد فاق ستين ألف عملية. ولم يكن الفضل للدكتور دبغي على هؤلاء الذين أجرى لهم العمليات الجراحية شخصيا بل الفضل يعود إليه في إنقاذ أرواح عدد لا يحصى ممن خضعوا لعمليات قلبية قام هو بتقديمها كأساس لجراحة القلب والتي تستخدم بشكل روتيني كل يوم لإنقاذ أرواح مرضى القلب.

لقد رحل عنا مايكل دبغي قبل بضعة أيام، وتقبلت مدينة هيوستن بولاية تكساس العزاء لأول مرة العزاء لأحد سكانها في مقر حكم المدينة تقديرا لأفضاله الكبيرة. وقد كان مايكل مخلصا للتراث العربي في حبه لأمور القلب وحالاته، فالأجداد وصفوا آلامه وتحدثوا عن أوجاعه أما هو فقد كشف عن أسراره وداوى اختلالاته.

وليد جواد
فريق التواصل الإلكتروني
وزارة الخارجية الأميركية
[email protected]
http://usinfo.state.gov/ar
http://walidjawad.maktoobblog.com