منذ زمن والى يومنا هذا حاول بعض المفكرين في المنطقة العربية وصف ثقافات الشعوب الغربية بأنها { فاسدة أو غير اخلاقية } في حين نرى ان ما تحقق من تقدم علمي وازدهار اقتصادي ليس لمجتمعاتهم فحسب انما للبشرية باجمعها يعود لتلك الثقافة ومنظريها، ومهما يكن فان هؤلاء المفكرون ما زالوا يعتبرون الثقافة العربية والإسلامية هي فقط الثقافة المناسبة للحياة المعاصرة.

ولا أقصد بكتابة هذا المقال نقد هؤلاء المفكرين، ولا نقد القيادات والرموز الفاعلة في الساحة العربية المسؤولون عن ترويج ذلك الرأي، ولا ابغي كذلك التقليل من اهميتهم في الحياة الإنسانية، انما أقول ان هؤلاء المفكرون استندوا في اعتبار ان ثقافتهم هي الأصلح للحياة على جملة مفاهيم دينية وقومية تقوقعت في عقول بعضهم فبقوا حبيسي ذلك يراوحون حولها، في حين نرى ان الشعوب التي استطاعت الخروج من دائرة تلك المفاهيم القديمة والجامدة ووضعت لها { حدا فاصلاً } بينها وبينهم، أخذت تتقدم وتتطور وتزدهر في بناء دولها ورفاهية شعوبها مع استمرارها في احترام الثقافات الدينية والدنيوية للشعوب الأخرى.

ولكن وبالرغم من ان الشعوب الغربية تقدمت علميا وثقافيا واقتصاديا بمئات السنين عن بقية شعوب العالم الثالث وبضمنهم شعوب المنطقة العربية، فاني ارى بانه حتى لو قامت البعض من هذه الشعوب باعلان الثورة على الجهل والتخلف والإيمان بفكرة الديمقراطية والتطور، فاني اعتقد بانها ستحتاج لاحقا الى خبرات من سبقها في ذلك من الشعوب الغربية، ولكن ليس بمعنى الإحتلال والخضوع، انما بمعنى التفاعل وتبادل الخبرات، لقد حاول الغربيون القدامى كالإنكليز والفرنسيين والطليان غزو منطقتنا بحجة القضاء على تخلف شعوبها والإرتقاء بهم نحو التحظر والديمقراطية.


لكن الذي حدث ان شعوبنا رفضت الخضوع وقاومت هذا الغزو بحجة الحفاظ على مفاهيمها ومقدساتها من الخطر الوهمي للثقافة الغربية على وجودهم، ولذلك بقيت متأخرة quot; زمنيا ًquot; عن الغربيين ولا زالت، اما الغربيون الجدد والذين باتوا يمتلكون quot; القوة والمال quot; فانهم اليوم يحاولون دفع شعوبنا للإلتحاق بعالمهم المتحظر الديمقراطي بالقوة، ولكنهم ايضا فشلوا، وسيبقون يفشلون ما لم يقدموا على دراسة واقع الثقافات التي تنتمي اليها تلك المجتمعات التي يبغون تطويرها، لان تحديث المجتمعات او تطويرها ليس برنامجا تلفزيزنيا يُعد لملهات الناس، انما هو ضرب من ضروب التقدم وله مكوناته الموضوعية والمستمدة من العلم والثقافة والمجتمع والتاريخ ولا يختلف عليه اثنان من منظري الحداثة اليوم، فان كان تطوير المجتمعات بالشكل الذي نفذته اميركا في العراق، فان ذلك لا يعني تطويرا انما يعني تخريباً لثقافات تلك المجتمعات!

في اتصال مع احد الأصدقاء ذكر لي ان هناك الكثير من ابناء شعوبنا مندفعين إلى قبول أو تبني مظاهر الثقافة الغربية ويعتبرونها هدفا لخلاصهم وانها الحياة الآمنة والسعيدة، ولكني اجبته محترما لرأيه ان ذلك ليس صحيحا، فالثقافة الغربية فيها جوانب سلبية كثيرة بالإضافة إلى جوانبها الإيجابية، وإن ما يناسب الشخص الغربي ثقافيا قد لا يناسب بالضرورة الشخص الشرقي ممن في منطقتنا العربية لأن خلفيته تختلف جذريا عنه من حيث ثقافة العادات والتقاليد والعقائد الدينية والقومية، ففي مجتمعنا المتنوع الأديان والقوميات وخصوصا بين الشباب والشابات من
الذين يعانون في اوطانهم من ظلم وحصار على تطلعاتهم الإنسانية والقومية المشروعة، فاننا نرى عدم احترامهم لتاريخ وثقافة وتراث مجتمعهم، فيلجؤون بقبول الثقافة الغربية بكل سلبياتها معتبرينها انها الأصلح لهم.


في العراق وكما هو ظاهر تواجد اجنبي ملفت للنظر، فهناك قوات التحالف بقيادة اميركا وهناك التواجد الإيراني، ولا يخفى على احد ما تشكله ثقافة هاتين الدولتين من خطورة على ثبات ثقافة العراقيين والتي تمتد الى الاف السنين.
ولكني وفي مقالي هذا سأستثني ما يوصف بخطر الثقافة الغربية بقيادة اميركا والتي اعتقد انها لا تشكل خطرا دائما على مستقبل العراقيين كما يتصوره البعض، حيث ان احتلالها للعراق لن يدوم طويلا، كما انها تملك من القوة العلمية والعسكرية والإقتصادية ما يؤهلها ان تحتل الصدارة بين الدول التي تستفاد منها الإنسانية.


ساشير فقط الى خطر ثقافة ايران حيث لا يخفى على احد ان التعايش العربي الفارسي اوالعلاقة بينهما لم تكن جيدة عبر التأريخ، ففي العراق وخاصة بعد العدوان عليه في عام 2003 تواجدت قوى حزبية وسياسية عديدة عراقية وغير عراقية اعتمدت إعتماداً كاملاً على التعليمات الايرانية الى جانب تعليمات قوات الإحتلال والتي في مجملها تتطلب استمرار الفوضى والفلتان الأمني والفساد الإقتصادي، لتتمكن من تنفيذ برامجها، وحسب تقديراتي اقول انه يجب على كل عراقي شريف ان يعي ان الدمار والخراب الذي حصل في العراق لا يمكن ان يتصدى له الشعب بأحزابه وساسته الحاليين.


فالشعب العراقي ومنذ زمن بعيد فشل في قيادة نفسه لا بل سعى دوما الى تدمير ذاته بنفسه، فتصرفات شعب العراق مع حكوماته منذ عام 1921 ما زالت احزانها ومآسيها في ذاكرتنا، ولذلك اقول، على العراقيين الشرفاء السعي بقوة الى اقامة علاقة متوازنة وبحسن نية مع اميركا، فصداقة اقوى واغنى دولة في العالم هي أمنية لكل شعب مشتت ومقسم كالعراق حيث تلعب فيه قوى طائفية وعنصرية شريرة غايتها السرقة والجريمة مستغلين في ذلك ضعف الوعي الديني والوطني لدى غالبية العراقيين، ان الذي يريد بناء وطنه علميا واقتصاديا وثقافيا عليه ان يفكر الف مرة حين يختار الدولة التي يسعى للصداقة معها، وكما قلت سابقا بان الخطر الإيراني يهدد ليس المنطقة فقط انما كل العالم، وبما ان اميركا متواجدة في العراق الى زمن غير محدد، وانها وكما يبدو تسعى لإيقاف تمدد هذا الخطر، فلماذا لا يستثمر العراقيون هذا الوجود لصالح وطنهم وشعبهم الذي يمر في اتعس حال، نقول للإدارة الأمريكية صاحبة الشأن في العراق ان تعمل على، اعادة تقييم العملية السياسية التي بنتها على اساس المحاصصة الطائفية والتي ادت الى عرقلة بناء الدولة الديمقراطية، كما عليها دعم توجهات العراقيين الوطنيين المطالبين بحل الحكومة وبايقاف العمل بالدستور وما تبعه من اجراءات، وحل البرلمان الحالي، ثم تشكيل حكومة انقاذ وطني واعادة { ضباط الجيش والشرطة من المستقلين فقط } حكومة حازمة مستقلة تستخدم الصرامة والقوة مع كل من لا يتجاوب معها من العراقيين دون استثناء، ان الذين تسببوا في مقتل المرحوم الملك فيصل وسحل نوري السعيد وقتل عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف وشنق صدام حسين وقتل غالبية من حكم معه والذين قاموا بتدمير وحرق المؤسسات الحكومية العسكرية والمدنية وسرقة ممتلكاتها والتي هي بالنهاية ملكهم، كل هؤلاء هم انفسهم ابناء الشعب العراقي الذي صفق لجميع حكوماته ولرؤوساءه وقادته وهو نفسه من قتلهم وسحلهم وشنقهم، لا ادري لماذا يحب هذا الشعب الإنتحار، ولا ادري من اين استقى هذا الشعب ثقافته العنفية هذه، هل لأنه شعب قبلي مهاجر من الجزيرة العربية والقوقاز حيث إعتاد على رؤية الدم من خلال ذبح الدجاج والغنم ليأكل؟ ام انه قد سمع من العرافين الكذابين ومن اخوانهم المشعوذين بان الطريق المضمون الى الجنة هو الإنتحار، وان الإستيلاء على مال الحكومة حلال !، وإلاّ لماذا يهوى قتل قادته وسرقة ماله وتدمير داره واماكن عبادته وتمزيق شعبه؟
الا تتفقون معي بان مثل هكذا شعب بحاجة الى اعادة تركيب وتكوين، وانه لايستحق المرونة والشفافية والديمقراطية والثقة؟ { بل ان مثل هذا الشعب يستحق...........!}


وقبل ان يُدك رأسه بالعصا، علينا اولا اعادة كتابة مناهجنا وكتبنا التعليمية، انها الحل الأوحد للبدء بتنشأت اطفالنا على ثقافة الديمقراطية وحب الإنسانية، عندها من الممكن اعتبار انثقافتنا هي فقط الثقافة المناسبة للحياة المعاصرة.

ادورد ميرزا
اكاديمي مستقل