عندما خططت الولايات المتحدة لغزو العراق كان عليها أن تستميل إيران حتى لا تفتح جبهتين في آن واحد. فعمدت إلى التحالفت مع الاطراف السياسية العراقية المتعاونة مع إيران، وهاجمت بالمقابل الجهات الأخر المعادية لها، وأدرجت نتيجة ذلك منظمة quot;مجاهدي خلقquot; في لائحة الارهاب. هذا مع العلم أن هذه المنظمة كانت تشكل حركة مناهضة لنظام الشاه الملكي الديكتاتوري، وبقيت على نهجها في معارضة نظام الملالي الشمولي الذي خلفه. وفي أثناء الغزو قامت القوات الاميركية بقصف متعمد لكل مواقع quot;مجاهدي خلقquot; في العراق، وبالأخص مدينة quot;أشرفquot; في العراق حيث يوجد تجمع لهذه المقاومة، لا يتعدى عديد أفرادها في الواقع الثلاثة ألآف وخمس مئة، جميعهم من المثقفين العاملين في المجالات الفكرية والتقنية والعلمية.


وقد لا يشكل هؤلاء ومن منظور أي مراقب خارجي، أي خطر على النظام الايراني، ولا حتى على الدولة العراقية المستضيفة لهم، كونهم محاصرين ومجردين من الاسلحة، كما وأيضاً نظراً لقليل عديدهم، ولتشبثهم بمبادئهم السلمية الثقافية وغير القتالية. وفي هذا السياق يؤكد المسؤولون عنهم على الطابع السلمي للمنظمة، ويصرون على حصر مقاومتهم بمناهضة النظام القائم في إيران دون سواه من الانظمة أوالحركات المناهضة، مبعدين احتمال تدخلهم بأي صراعات أخرى يعتبرونها جانبية أو حتى سلبية بالنسبة لهم، حتى quot;لا تتشعب القضيةquot; كما يقولون، وحتى لا يتحولوا لورقة ضغط إقليمية في يد من يهمه الأمر. وهم في الواقع ما زالوا حالياً على لائحة الارهاب الاميركية، بالرغم من رفع إسمهم عن لائحة الارهاب في بريطانيا بقرار من مجلسي النواب واللوردات البريطانيين بتاريخ 23 حزيران، يونيو، من الشهر الماضي.


وتعتبر بعض التنظيرات أن يكون تواجدهم على لائحة الارهاب الاميركية مرحلي، إذ ترى أن الولايات المتحدة مثلما اضطرت أثناء الغزو إلى قصف مقرات تجمعهم،إرضاءً لإيران، سوف تضطر في المرحلة المقبلة على التعاون معهم لأن خيارات المجتمع الدولي عامة وليس فقط الولايات المتحدة باتت محدودة بالنسبة للملف النووي الإيراني. ولكن هناك نظريات أخرى تقول أنه لن يتم رفعهم عن لائحة الارهاب الاميركية، كونهم يطرحون موقفاً مضاداً للعمل العسكري ضد إيران ويعلنون إنهم لن يكونوا طرفاً فيه. وفي وقت تنفي مصادر هذه المنظمة أية علاقة مباشرة مع الولايات المتحدة، إلا أن الواقع يشير إلى عدم استبعاد تواجد خيوط غير منظورة لتعاون محتمل معها حالياً، وإلا لكانت الجهات المرتبطة بإيران في العراق عملت بقدر المستطاع على الاجهاز عليهم نهائياً.


ومن المحتمل أيضاً أن تكون هذه الفرضية في التعاون الغير منظور مع الولايات المتحدة، من أحد أسباب عدائية النظام الإيران المعلن تجاههم، ووراء قصفهه لهم بصواريخ quot;غرادquot; من وقت لآخر، وانطلاقاً من الاراضي العراقية بالذات، هذا مع العلم أن أفراد محمية quot;مجاهدي خلقquot; ينسحب عليهم القانون الدولي وشرعة حقوق الانسان (جنيف الرابعة). ولقد تجدد قصف المدينة مرتين في الاشهر القليلة المنصرمة، كما عمدت بمبادرة غير انسانية قوات الحرس الايراني المتواجدة في العراق على قطع مياه الشفة والوقود عن منطقتهم وعلى فترات طويلة.


أما من ناحية الموقف العربي تجاه هذه المنظمة فمن الملاحظ أنه بدأ يأخذ منحاً مغايراً للذي كان قائماً في السابق، أي في عهد صدام حسين، وذلك تماشياً مع الموقف الموحد لعموم الانظمة العربية، والشاجب لإصرار إيران على مضيها في مشروعها لتخصيب اليورانيم، والتعامل بالتالي مع مواد نووية قد تشكل احتمالات تجييرها لاغراض عسكرية خطراً مباشراً على كافة الاقطار العربية المجاورة، وعلى منطقة الخليج بشكل خاص. ولعل من المفارقات المهمة في وجود عناصر quot;مجاهدي خلقquot; داخل العراق أنهم خرجوا سالمين من محنة الحرب الطائفية التي كانت تهدد الكيان العراقي كما الاقطار المجاورة. وإذا كان من المفترض أن توجه ضدهم أعمال العرب السنة في العراق كونهم شيعة، وأن توجه ضدهم أعمال الشيعة لأنهم يقاومون النظام الايراني، إلا أن هذا الافتراض انقلب عكساً من ناحية أنهم تمكنوا وعلى قلة عديدهم من استقطاب أكثر من ثلاثة ملايين عراقي من الطائفتين الشيعية والسنية ضمن مهرجان تضامن وتأييد عارم حصل في مدينة أشرف في العراق، خلال شهر يونيو الماضي. لذا يمكن اعتبارهم عامل جمع بين العراقيين المنتمين لأطراف ومذاهب مختلفة، وهو دور أقل ما يقال فيه أنه يتلاقي والموقف العربي بشكل عام،الشاجب لأي نزاع مذهبي داخل الاسلام.وضمن هذا التوجه ينفي المسؤولون داخل هذه المدينة وجود أية علاقة لهم بفصائل الارهاب ذات الطابع الطائفي في العراق، ويؤكدون على حسن العلاقة مع الجميع ولا يسألون من يأتيهم إلى أية جهة أو طائفة ينتمي. هذا مع العلم أن العديد من مواطني منطقة ديالا التي ينتمون جعرافياً إليها، يشيرون إلى أن مدينة quot;أشرفquot; هي محمية من المقاومة الاهلية العراقية، أي المقاومة الشعبية لكافة أنواع العنف في العراق والمتمثلة حالياً بما يسمى بquot;الصحواتquot;، والتي تضم غالبية العشائر والعائلات العراقية السنية والشيعية على حد سواء، والتي تعمل جاهدة ليلاً ونهار على مقاومة الارهاب المذهبي المزروع في العراق على يد أيادي غريبة ومغرضة.

مهى عون