مضحك ومبكي هو حال الكثير من المحللين السياسيين والاقتصاديين والاستراتيجيين العرب، حيث أن جميع تحليلاتهم غالبا ما تكون عكسية فلقد جلس المحللون العرب يهللون ويهولون من شأن الجيش المصري وخططه العسكرية وقدراته الرادعة ومعنويات جنوده المرتفعة وكفاءة ضباطه العالية وقيادته السياسية والعسكرية الفذة ليفاجئوا بهزيمة نكراء لا يتعرض لمثلها إلا جيش مهزوم من الداخل

لا يعرف ألف باء الحروب قيادته السياسية والعسكرية لا تتحلى بادني مقاييس الكفاءة والوطنية وكلنا يعلم أن تلك القيادة ذات السطوة الإعلامية العرمرمية قد وصفت الملك فارق الأول و إدارته لحرب عام 1948 بأبشع الأوصاف حيث خونوه واتهموه بتزويد الجيش المصري بأسلحة فاسدة فإذا بها ترتكب جرما شنيعا بحق مصر التاريخ والحضارة وبحق المنطقة العربية بأسرها وبحق القضية الفلسطينية حتى أنها أهانت الزعيم التونسي الوطني الحبيب بورقيبة متهمة إياه بالعمالة للاستعمار الذي أفنى شبابه في محاربته عندما قال للعرب quot;اقبلوا بتقسيم فلسطين وإلا ستندمون فيما بعدquot; تلك القيادة ساهمت في تعطيل جميع الحلول التي لو قبلت لخففت الكثير من مآسي الشعب الفلسطيني المظلوم.


وقفزا على جميع مخيلاتهم وأحلامهم الوردية منذ عام 1967 بما في تلك الفترة من أحداث جسام أثبتت الوقائع كالعادة أن غالبية توقعاتهم وتحليلاتهم وتنبؤاتهم حدثت ولكن بالعكس quot;كالعادةquot; إلا أن أحداث عام 2003م كانت بامتياز سنة التوقعات الخاسرة حيث تحدثوا عن مقاومة شرسة بدأت للوهلة الأولى لدخول الجيش الأميركي جنوب العراق بدليل أن الأميركان لم يدخلوا مدن الجنوب بل التفوا عليها خوفا من استنزافهم واتضح فيما بعد بان خطتهم منذ البداية كانت قائمة على الالتفاف على جميع المدن المؤدية إلى بغداد والاتجاه نحو العاصمة بغداد وتلقائيا ستسقط جميع المدن والمحافظات بعد سقوط بغداد وهو ما حدث تماما كما خططوا.


وعند دخولهم بغداد كانت إحدى الفضائيات العربية الشهيرة تستضيف اثنين من المحللين العسكريين كانوا يجمعون على أن مجزرة رهيبة تنتظر الجيش الأميركي في معركة بغداد وتحدث احدهم ساخرا من الأميركان قائلا quot;إن الجيش الأميركي لم يتمكن من عبور احد الأنهار فكيف سيتمكن من دخول بغداد فانا أقول للأميركان إن كنتم لا تعرفون طريقة العبور فلتأتوا لنا فسوف نعلمكم كيف تعبرون الأنهار والبحارquot; وإذا ببغداد تسقط بعد اقل من ثلاث أسابيع من الغزو وكانت تلك أسرع غزوة في تاريخ العراق حيث أن جميع الغزاة عانوا الأمرين حتى وصولوا إلى بغداد وكان آخرهم الانجليز الذين وصلوا بغداد بعد ثلاث سنوات من الحصار والمقاومة الشرسة.

وتكررت تلك المشاهد مع اندلاع موجة العنف التي استهدفت في المقام الأول أبناء الشعب العراقي حيث هللت الفضائيات العربية بمحلليها الأشاوس الفطاحل المبشرين بقرب هزيمة الجيش الأميركي على يد أبطال المقاومة العراقية البطلة متناسية أن تلك المقاومة تقتل العراقيين أطفال وشيوخ ونساء ليس إلا، وإذا بأبناء الشعب العراقي قاطبة ينتفضون على المقاومين الأشاوس ويرفعون السلاح ليس في وجه المحتل وإنما في وجه المقاومين وإذا بالحكومة العراقية تبسط نفوذها ودولة القانون على جميع المحافظات وبدعم وترحيب بل ومناشدة أهالي تلك المحافظات.

جانب كبير من مآسينا كعرب يتحمل تبعاتها أمثال هؤلاء المحللون حيث أنهم أوهموا بعض من حكامنا الذين ادخلوا بلدانهم في حروب عبثية وأغرقوها في سياسات خاطئة أوهموهم أنهم ماضون في الطريق الصحيح كما أنهم ماضون في الطريق الصحيح فمشكلة بعض المحللين العرب بأنهم يفسرون الأمور وفق ما تشتهيه أنفسهم و وفق ما تشتهيه نفسية من يدفعون لهم أو أن بعضهم يفسرها وفق نظرية أن quot;الجمهور عاوز كيدةquot; وفي كل تلك الأحوال ليس للعقل أو المنطق مكان في تحليلاتهم، ومن كل ما سبق نتمنى من شعوبنا الطيبة أن تتعلم من دروس الماضي وان لا تصغي لأمثال هؤلاء وكما قال رسول الله (ص) quot; لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين quot; ونحن لدغنا من هؤلاء السياسيين مرات عدة فلنتعظ من دروس الماضي ولنتعلم بان الأمور لا تقرءا بالعواطف وإنما بالحقائق.

منصور المحروس