عبداللّطيف الوراري من المغرب:تشْهد العديد من القاعات السّينمائية المغربيّة ،في هذه الْأيّام، الْعروض الرّسمية الأولى لفيلم quot;أركانةquot; لمخرجه حسن غنجة،الّذي يعدّ واحِداً من الأفلام الجديدة الّتي تعكس تملْمُلاً واضِحاً في الوعي السّينمائيّ المغربيّ من حيْث التّيمات،ومنظور السّرد الفيلميّ ،وتبئير الشّخصيات المرجعيّة،ومنْحى المُقاربات النّوعيّة لطرائق العرْض والتّصْوير.
يحكي الفيلم quot;أركانةquot; قصّة امْرأة إسْمُها تامغارت(تلعب دوْرها ثريا جبران)تُعاني ظُروفاً سيّئة في قرْية أولوز النّائية من المغرب،وتُواجِه حمُّو(يلعب دوْره حميدو بنمسعود) الّذي يُمثّل سُلْطة الْمَال والْجَاه غيْر عابِئةٍ بجبروتِه،ولاسيّما أنّه يهدّدها،ويُهدّد حياةَ ابنها الوحيد،وميراثَ زوْجِها البطل الشّهيد.لذلك يحرّكها سِلاحان: بندقيّة قديمةٌ ورثتْها من أيّام الْمُقاومة،وحِقْدٌ دَفينٌ على رجُل السُّلْطة الذي تعتبره quot;اسْتِعماراًquot; ثانياً،أخْفى وأخْطر.
في خضمّ الْقِصّة،نتعرّف إلى شخْصيّة رشيد (يلعب دوْره محمد المروازي) الشابّ الطّمُوح ذي الْعقد الثّالث، الّذي يعود إلى قريته بعْد سنواتِ التّحصيل والدّراسة في quot;بلاد برّةquot;.ولأنّه خبيرٌ في علم النّبات رأى منْ واجِبه أنْ يحْمي أرْكانة الشّجرة النّادِرة المعمّرة الّتي تنْتصِب وسط الْقرية في شُموخ الأرْض والطّبيعة، وعَمِل على استخْلاص زُيوتِها ذات الْمَزايا الصحّية، لكنّ مشْروعه النّاجِح سوْف يفجّر صِراعاً علنيّاً بينه وبيْن حمّو رئيس الجماعة القرويّة،بعدما أقْدم هذا الأخير على إبْرام صفْقةٍ بمُوجبِها يتِمّ شقّ طريق يخترق وسط القرية،وهو ما سيؤدّي إلى إتْلاف الآلاف من أشْجار الأركانة النّادرة الوُجود.وبِما أنّ السكّان اعتقدوا الأمْر خيْراً في أنْ تفكّ الطّريق عنْ قرْيتِهم عُزْلتَها عن العالم الخارجيّ،لنْ يجِد رشيد أحداً ممّن يؤازِره إلّا امْرأةً مسنّة إسْمُها تامغارت في مُواجهة الجرّافة الضّخمة والبارِدة الّتي تسْحق أرْكانة،رمْز صُمود القرية وآخر قلاعِها.

ثريا جبران من الفيلم
قصّة الفيلم بسيطةٌ،لكنّ رهاناتِها قويّة وراهِنة تشير بأصابِع الاتّهام إلى منْ يُفرِّطون في الأرْض،ويستسلِمون للعقار المديني زاحِفاً يُجْهِز على بكاراتِها. مِنْ هُنا، يُصوّر الفيلم الصّراع بين الخيْر في حبّ الأرض، والشّر في التّفريط بها.وإذا كان الأوّل يتمثّل في الحِفاظ على الأرض وثروتِها الطّبيعية،يُحرّك الثّاني شهْوة امْتِلاك الأرْض واسْتِغلالِها عبْر وسيط الْجَاه والسُّلْطة.
وللتّعبير عن فكْرة التعلّق بالأرْض وجاذبيّتها،يسْثتمِر المُخْرج حسن غنجة ثقافة الصّورة الّتي خبرها في وثائقيّاتِه وهو يخْتار فضاءات قرية أولوز الْجَميلة بنواحي (تالوين) على امتداد جبال الأطلس لتصوير مشاهد الفيلم،وينْقل عبْر ذلك طقوس الْعَيْش بها،وأنْماط ألْبِستها وغِنائِها المشْبع بالحنين والحُبّ ،جاعِلاً مِنْها قِوى دالّة،وإنْ كانَ البُعْد الوثائقيّ لا يُبئّر لحظات الفيلم اللّافِتة مثْل لحْظة اقتلاع الأرْكانة ،وبالنّتيجة يؤثّرفي الحسّ الدراميّ للأحْداث الّتي سارت بالإيقاع نفْسه الّذي يغلُب عليْه التوتّر العاطفي المشْدود بيْن طرفي الصّراع.

وقدْ سبق للفيلم ،الّذي تستغرق أحداثه ساعة و45 دقيقة،أنْ عُرِض في سنة 2007 بِعددٍ من المهرجات،وهو يمثّل الظّهور الْأَخير للفنّانة ثريا جبران في دوْر المرأة تامغارت الّتي نالتْ به جائزة أحسن دوْر في مهرجان طنجة السينمائي الأخير،قبْل أنْ تحْمل حقيبة الثقافة في الحكومة المغربيّة.

شجرة الأركان
وللْإِشارة فإنّ شجرة الأركان ـ بالجيم المعطّشة Arganeـ،الّتي يحمل الفيلم عنْوانها، من الصّنف ذاتيّ الإنْبات ونادِرة لا تُوجد إلّا في بلاد المغرب،ويرجع تاريخُها إلى العصر الجيولوجي الثالث، وقد ورَد وصْفها في كتاب ابْن البيطار وبعْده في كتب بحّاثة غربيّين في أزمنة خلتْ تقُول إنّها تعمّر زهاء قرنيْن ونصف،وتحْتوي على عناصر غذائيّة وصحيّة وطبيّة مهمّة كانتْ تستفيد منْها قبائل الأمازيغ،وتنتشر على ضفّتيْ وادي سُوس من مدينة آسفي مروراً بمدينتي تارودانت وأغادير إلى الجنوب على مساحة آلاف الهكتارات.ونظراً إلى دوْر هذه الشّجرة المهمّ للْغاية في الحِفاظ على التنوّع البيولوجي والإيكولوجي،والتّوازن البِيئيّ فقدْ صنّفتها منظّمة اليونسكو في عام 1999ضمن التراث العالميّ.
إنّ الأمّ تامغارت في الفيلم تتماهى مع الشّجرة في تعلّقها بالأرْض،وهي مثْلها تواجِه ،بلا رحمةٍ،قدر الاِقْتلاع.بهذا المعنى،يكفي الفيلم هذه الرّسالة:أوْقفوا زحْف الجرّافات،إنّكم لنْ تجِدُوني بعْد ذلك.!