أسامة مهدي من لندن:تم في لندن ضمن مهرجان الفيلم الفلسطيني عرض فيلم quot;عائد إلى حيفاquot; للمخرج العراقي قاسم حول في صالة سينما باربيكان.وقد تم عرض هذا الفيلم ضمن مهرجان الفيلم الفلسطيني الذي بدأت عروضه مطلع الاسبوع الحالي في صالة سينما SOAS في جامعة لندن حيث إفتتح المهرجان بفيلمين الأول شهادات من أرشيف النكبة من إخراج ديانا علان ومحمود زيدان Diana Allan amp; Mahmoud Zeidan وفيلم شهادات نساء النكبة من أخراج رانين جريسRaneer Geries .
وتعتبر هذه التظاهرة السينمائية هي الأكبر في العالم في ذكرى النكبة حيث يعرض أكثر من خمسة وثلاثين فيلما بين الوثائقي القصير والمتوسط الطول والطويل والروائي القصير والمتوسط الطول والطويل. وهذه الأفلام تقدم بمجموعها صورة بانورامية عن الواقع الفلسطيني أبان النكبة وما بعدها. تشكل هذه الأفلام تأريخا يمتد بين يوم النكبة عام 1948 وتأريخ إنعقاد المهرجان السينمائي. جمهور كبير عربي وبريطاني كان يحضر الأفلام التي تنوعت في مستوياتها الفنية والجمالية وبصيغ سينمائية متطورة.

من فيلم عائد الى حيفا
ويأتي عرض فيلم عائد إلى حيفا في بريطانيا للمرة الثانية حيث عرض بعد إنتاجه عام 1982 في صالة جامعة لندن حضره جمع من الصحفيين والنقاد إضافة إلى جمهور الجامعة. واليوم يعاد عرضه في ذكرى النكبة.
الفيلم مأخوذ عن رواية الكاتب الفلسطيني الكبير غسان كنفاني الذي إغتيل في بيروت عام 1973 وأخرجه العراقي قاسم حول في ظروف ما بعد الحرب الأهلية في لبنان ومثل فيه الممثلة اللبنانية حنان الحاج علي والممثل اللبناني بول مطر، كما لعبت الممثلة الألمانية الشهيرة كرستينا شورن دور المرأة اليهودية ولعب الممثل السوري جمال سليمان دور دوف الذي تركته عائلته عند ولادته أبان النكبة وكان يحمل إسم خلدون ولم تتمكن عائلته تحت ظروف التهجير من أخذه من المنزل بعد أن أحاط البريطانيون بالمنطقة ومنعوا الناس من العودة إلى منازلهم.
الموسيقى قدمت هدية من الموسيقار الكبير زياد رحباني وتم تصوير الفيلم في مدينة طرابس في لبنان وفي منطقة زغرتا وكان ذلك بدعم من رئيس الوزراء السابق رشيد كرامي ومن رئيس الجمهورية السابق سليمان فرنجية حيث قدما المنطقة لتحويلها إلى ميناء حيفا وجهز البحر بالزوارق البريطانية والشخاتير التي حملة المواطنين تبرع بها صيادو السمك في طرابلس كما قدم أهالي زغرتا الدعم الكامل في حجز المنطقة والشوارع لتمتلئ بممثلي شخصيات الجنود الإسرائيليين الذين يتعرضون لعمليات تفجير في النقاط الحدودية.
ويقول المخرج قاسم حول .. لم يكن معي في يداية العمل سوى عشرين ألف دولار فطلبت أولا من الممثلة الألمانية أن تمثل معنا بدون أجور وقد وافقت على هذا العرض لكننا وبعد أن حصلنا على دعم من محبي فلسطين بمبلغ ثمانين ألف دولار أنقذتني من كافة ألإحراجات مع أن الميزانية غير كافية ولكن شجاعة أهالي مخيم النهر البارد ومخيم البداوي الذين لبسوا ملابسهم القديمة كما في عام 1948 وأخضعتهم لمحاضرات وتدريبات على مديى شهرين لتصوير مشهد الهجرة من مدينة حيفا. وتم تصوير المشهد في الساعة الخامسة صباحا وقمنا بتصوير بعض اللقطات من الجو. وصراحة كان المشهد محفوفا بالمخاطر حيث كانت الطلعات الجوية الإسرائيلية تكاد تكون يومية وكنت أنفذ المشاهد مع ثلاثة آلاف شخص والزوارق التي تحمل الأعلام البريطانية والجنود البريطانيين .. كنت خائفا من كارثة ولذلك عملت بنظام دقيق ويقظة دقيقة من أجل أنهاء تصوير المشاهد خلال ساعتين فقط ولكن التدريبات والمحاضرات إستغرقت شهرين لتصوير هذا المشهد الذي صورته بطريقة تقترب من الوثائقية ولا أظن من السهولة توثيق مثل هذا المشهد ثانية حيث تغيرت الأوضاع السياسية ويحتاج توثيق مثل هذا المشهد بأبعاده التأريخية والإنسانية إلى ظروف إستثنائية وإمكانات مادية لتصويره.
ويضيف انه بالنسبة للممثل جمال سليمان هو اليوم نجم الشاشة العربية وبتفوق وأنا سعيد في قدراته وكانت تلك تجربته الأولى في السينما وكان مبعدا حقا. ولعب بجدارة أمام ممثلة ألمانية محترفة وذات خبرة ولكن حضوره على الشاشة كان واضحا ومؤثرا. كل الممثلين حنان الحاج علي وبول مطر ومنذر حلمي وعلي فوزي وحسين لوباني عملوا بقدرة عالية وكانت طبيعة العمل وبإمكاناتنا المحدودة قد خلقت إلفة جميلة. وبعد إنتهاء التصوير قدمنا مبلغا رمزيا للممثلة الألمانية ونسج لها صبايا المخيم ثوبا فلسطينيا جميلا .. كان هذا كما قالت أعلى اجر تقاضته في حياتها السينمائية. بعد أن إكتمل الفيلم تعرضت شورن في برلين إلى حادث حيث ضربت بعمود من حديد على رأسها ولم تعرف حتى الآن أسباب هذا الإعتداء لكنني أظن أن له علاقة بدعمها للفيلم الفلسطيني وكادت أن تفقد حياتها بسبب هذا الحادث وبقيت فترة في المستشفى حتى تماثلت للشفاء.
كنت أتمنى لو أتيحت لي فرصة حقيقية لتنفيذ الفيلم لكن مائة ألف دولار لا تكفي أجورا لممثلة مثل كرستينا شورن حيث لا يمكن تنفيذ مشهد واحد مثل مشهد الهجرة القسرية من حيفا مع الزوراق البريطانية ومئات الزوراق الصغيرة والملابس القديمة وتغيير معالم ميناء طرابس ليكون شبيها بميناء حيفا. لو توفرت إمكانات مالية لتمكنا من تحقيق مشاهد زيارة الأسرة الفلسطينية إلى بيتهم الذي تسكنه عائلة يهودية لإرتفع المستوى الفني للفيلم إلى درجة مختلفة عما هو عليه ولكن حاولنا أن نستنفذ حدود الممكن.ويؤكد حول قائلا أنا سعيد بعرض الفيلم في لندن ثانية ليعرض حقيقة ما جرى للشعب الفلسطيني، وأتمنى أن يعيش العالم بسلام.