محمود عبد الرحيم من القاهرة:quot;العنف والسخريةquot; آخر أفلام المخرجة المصرية أسماء البكري، المأخوذ عن رواية ألبير قصيري، جرى عرضه قبل أيام بنقابة الصحافيين المصريين، بمناسبة رحيل الروائي الفرنسي من أصل مصري، وذلك وسط حضور ضعيف من الجمهور، بل من النقاد والصحافيين أنفسهم. وعلى الرغم من أن الفيلم إنتاج مصري فرنسي مشترك، شاركت فيه المنظمة الفرانكفونية، إلا انه بدا هزيلاً من حيث الشكل والمضمون، على نحو أحبط توقعات كثيرين، انتظروا من مخرجة بخبرة البكري، وسنوات عمرها الطويل في العمل السينمائي، أن تخرج بعمل أكثر جاذبية وحرفية، وليس بتجربة اقرب إلى تجارب المبتدئين، بها كثير من الأخطاء، سواء ما يخص الحوار التي بدت لغته غير مستساغة، واقرب إلى الترجمة، منها إلى لغة تنسجم مع طبيعية الشخصيات والبيئة المحلية، أو ما يتعلق بالأداء التمثيلي السيئ لمعظم الممثلين، الأقرب إلى ترديد جمل محفوظة، دون إحساس بإيقاعها والشحنات العاطفية التي تحملها، بالإضافة إلى الإخراج الذي لم ينجح بشكل كبير، في نقل فكرة لها بريقها عن الصراع بين الحاكم والمحكومين، وأي الوسائل أكثر ملاءمة للتغيير هل العنف أم السخرية ؟ وإتباع أسلوب تقليدي، يخلو من الجاذبية أو يحقق الإثارة الفكرية والفنية، بحيث وجدنا أنفسنا أمام عمل يبعث على السأم، وأشبه بوصلات خطابية، فيها كثير من الافتعال والتعسف في وضع خطاب مباشر، في أحيان كثيرة، لا يتلاءم مع السياق العام، من قبيل الحديث عن النظام العالمي الجديد والعولمة، أو خطاب لا يتلاءم مع الخلفية الاجتماعية للشخصيات مثل حديث مدرس في حي شعبي عن التسامح وقبول الآخر وقراءة أشعار لابن عربي، لها الفحوى نفسها لطلبة بؤساء في مدرسة فقيرة مثلهم، أو الحديث أن العنف لا يولد إلا عنفا والتغيير به مرفوض وسط عوالم الشحاذين و البسطاء، في نبرة مباشرة توحي بمغازلة الغرب وخطابه المعلن في السنوات الاخيرة، منذ احداث الحادي عشر من سبتمبر، خاصة وان المنتج المشارك فرنسي، حتى لو كان ذلك على حساب البناء الفني والاتساق الذي يجب أن يتمتع به خطابه.
ربما كان يمكن أن نتقبل هذه الأفكار، وان اختلفنا معها، إلا أن الذي لا يمكن القبول به هو السطحية في عرض تلك الأفكار والمباشرة الفجة، والتعامل مع الجمهور كما لو كان تلميذًا، على أن ألقنه الدرس بهذه الطريقة السخيفة، دون اعتبار أن الفن إمتاع في الأساس، وان كان من رسالة، فيجب ألا تكون مباشرة وبنبرة مهموسة، تتناسب مع الخلفية الحضارية للمجتمع، ما يجعل التأثير اكبر.

ملصق الفيلم
ثم إن الصورة لم تكن على المستوى المقبول، ربما لمشاكل في الإضاءة، فضلا عن حركة الكاميرا البطيئة ونمطية الكادرات، وافتقاد الإيقاع، ما جعل مدة العرض التي تقترب، بقليل، من الساعتين، ذات عبء ثقيل على المشاهد، وثمة رغبة بعد اقل من نصف ساعة في الانتهاء سريعا، في ظل غياب عناصر التشويق
المتعارف عليها في الدراما، وكثرة الشخصيات غير المبررة التي جعلت المتفرج يتوه بينها، علاوة على غياب رؤية خاصة بالمخرجة وتصرف في السيناريو والحوار، بحجة الالتزام بالنص الروائي، في حين أن الوسائط مختلفة، وثمة رخصة للسيناريست أو المخرج في الإضافة أو الحذف، من اجل معالجة فنية أكثر نضجا وجاذبية، لان العمل يحمل اسمه، سواء كان مأخوذا عن عمل لروائي كبير أو صغير، أو حتى مكتوب مباشرة للسينما وهو كاتبه.
أتصور أن هذا الفيلم كان يمكن أن يخرج بصورة أفضل بكثير، لو استعانت المخرجة بسيناريست محترف، يستطيع أن يصيغ المشاهد برؤية أكثر نضجا، ويضع حوارا يتلاءم مع الشخصيات وطبيعة البيئة التي يعيشون فيها، دون تحميلهم بخطاب يفوق مستواهم الفكري والاجتماعي، ويعبر عن البيئة المصرية وخصوصيتها، وليس عن المجتمع الفرنسي، فضلا عن الاستعانة بممثلين ذوي خبرة، وان كان ثمة إصرار على التعاطي مع الوجوه الجديدة، فيجب تدريبهم، أولا، بشكل جيد، قبل وقوفهم أمام الشاشة، إلى جانب ضرورة الاستعانة بمدير تصوير لديه ذائقة فنية، ومونتير يضبط الإيقاع، ويخلص الفيلم من الترهلات الواضحة.
وربما كان العنصر الوحيد الجدير بالثناء في مثل هذا العمل الفقير في كل شيء، هو الموسيقى التي وضعها الموسيقار العراقي الشهير نصير شمه.
وليت المخرجة وفقت في اختيار العناصر الأخرى، مثلما وفقت في اختيار الموسيقى، ولم تحبطنا بعمل ضعيف للغاية، يسخر من الجمهور ويتعامل معهم بعنف سينمائيا.

[email protected]