محمد موسى-إيلاف:تحدث علي أبو شادي رئيس الرقابة المصرية مؤخرا، بأن الجمهور في مصر اصبح اكثر تشددا من أجهزة الرقابة نفسها. وخاصة في مواضيع الجنس والحديث عنه او تقديمه على الشاشة.رئيس الرقابة المصرية كان يعلق على الضجة التي اعقبت عرض فيلم المخرج المصري خالد يوسف quot;الريس عمر حربquot;، وقيل ان يحتوي مشاهد جنسية اثارت غضب بعض الجمهور المصري الذي حضر العروض الاولى للفيلم. المصرين الذين صرخوا في الصالات السينمائية التي كانت تعرض الفيلم، تحدثوا ايضا الى صحف ومواقع عربية الكترونية.ووصل صوتهم في النهاية الى الكثيرين ومنهم المخرج نفسه، والذي دافع بأن الجنس في فيلمه الاخير له quot;ضرورة فنيةquot; ترتبط بالقصة التي قدمها الفيلم، وأهمية ان يكون الفيلم منسجما مع الظروف الاجتماعية والواقعية للشخصيات.
غضب الحمهور المصري الاخير،لا يرتبط كثيرا بمزاج شعبي او اجتماعي مؤقت.هو ياخذ منذ سنوات شكل الاتجاه الفكري العام الغالب، والذي يهمين في مصر وفي معظم الدول العربية.لم يعد تصنيف الاتجاه المحافظ quot;بالظاهرةquot;، تصنيف منصف ومعقول.بل تحول اي اتجاه آخر يخالف الاتجاه quot;المحافظquot;، الى ظاهرة جديدة تعاني التخلخل والعزلة.

من فيلم الريس عمر حرب
يتجنب الكثير من السينمائين العرب الحديث عن هذا التغيير في بنية الجمهور المصري او العربي، واتجاه الاخير الى المحافظة والتشدد، وكما وصفه السيد علي ابو شادي بعبارة بليغة.يخشى الكثيرين منهم ان يفسر حديثهم عن هذا التغيير،بأنه هجوم على التيار المحافظ الذي يسيطر على الحياة الاجتماعية العربية منذ اكثر من عقدين.لكن العالم العربي تغير والجمهور السينمائي العربي تغير ايضا، لم يعد الجمهور نفسه الذي كان يدخل الصالات السينمائية في الخمسينات الى الثمانينات من القرن الفائت ويخرج منها دون quot;آثامquot; او quot;موبقاتquot;، او احكام نهائية حادة.البعض من جمهور اليوم، يريد سينما عربية، يشارك هو نفسه في تحديد الحدود لها. سينما لا تكون بعيدة عن معتقداته وطرق حياته. هذا التشدد من هذه المجموعة من الجمهور، يبدو انه يقتصر على السينما العربية فقط، لانه لا يمانع ان يشاهد افلام غير عربية تتخطى quot;محرماتهquot;.حتى يبدو ان الجمهور هنا معني بتدين الممثلين العرب او ايمانهم، وبانهم جزء من الفئة التي يجب ان تتوجه اليه quot;هدايتهquot;.
القضية بالحقيقة لا ترتبط بالجنس وحده، رغم ان الجنس مازال quot;التابوquot; الاكبر والظاهر، والذي يسهل الأستدلال عليه، او استخدامه في صراعات على اسس إجتماعية و دينية.فالجمهور الذي اغضبته المشاهد الجنسية في فيلم المخرج خالد يوسف،سيثور ايضا على quot;كشفquot; من نوع آخر، فكري او اجتماعي مختلف،يتحدى منظومة الأفكار التي يؤمن بها.
ويعيدا قليلا عن صرخات الجمهور المصري،هناك غضب واشياء اخرى شديدة الجدية، ينشرها عرب عاديين على الانترنيت كل يوم.في الماضي،وقبل عصر الانترنيت، كانت اراء وتعليقات المشاهدين والقراء على السينما والفنون عامه، لا تنشر في الصحف والمجلات بدون إعادة تحرير ايدولوجي،سياسي،اجتماعي، وديني. مع بداية الانترنيت وأنتشار منتديات الحوار، والمواقع التي تمنح القراء الفرصة للتعليق على موادها، بدات مرحلة جديدة من علاقة الفنون العربية وصانعيها مع الجمهور العربي. يكفي تصفح التعليقات لاي موضوع فني في اي موقع عربي شعبي على الانترنيت،للاطلاع على جزء بسيط من هذه الظاهرة. وبعيدا عن الانتقادات ذات الطبيعة الجارحة والتي لا تربط باي اتجاه فكري والتركيز على دعاوي التكفير او الاصلاح الديني في هذه التعليقات.يتبين ان هناك انتقادات وهجوم منتظم ودوري على موضوعه quot;الفنانةquot; وquot;الفنانquot; العربي.الهجوم الذي يتركز على الفنانات بالعادة، بدا يتجه مؤخرا الى الفنانين العرب ايضا.
التعليقات تتدرج بالعادة على الموضوع الواحد الدرجات التالية، الهداية البسيطة، وفيها يطلب المعلق الهداية المتسامحة للفنان، الهداية ترتبط هنا بالتوقف عن الفن، والحجاب للفنانه. النوعية الاخرى من التعليقات، تتجه الى التهديد من عذاب الآخره، ولا تترك اي فرصة لدعاوي متسامحة. المجموعة الثالثة من التعليقات، تستعمل quot;اللغةquot; الدينية، لتوجيه اهانات شديدة التجريح للفنانين والمخرجين العرب.
ولان استعمال الانترنيت في العالم العربي، مازال يرتبط بالغالب بالطبقة المتعلمة والطبقة المتوسطة،فهذا يعني، ان الكثيرين من هذه الطبقات والتي كانت الجمهور التقليدي الاهم للفن والسينما ، قد ادار ظهره لهما ، وانها لم تعد مؤمنة بالدور التي تقدمه السينما مثلا، في الهام المتفرج،او تشجيعه على التفكير غير التقليدي، او حتى الترويح عنه.
المفارقة، ان التلفزيون مثلا ما يزال المصدر الاول للترفيه والحصول على المعلومات عند معظم العرب. وعلى الرغم من ان اهتمام المتفرج التلفزيوني العربي صار يتوزع منذ سنوات بين محطات دينية واخبارية ورياضية، تبقى المسلسلات والافلام العربية، تحافظ على شعبية جدا، هذا يعني ان الجمهور العربي quot;المحافظquot; لم يترك متابعة الافلام والمسلسلات ابدا، لكنه يبدو ، ان البعض منه وبعد ان ينتهي من مشاهدة مسلسل او فيلم ما، يتفرغ للهجوم عليه ومطالبه أصحابه بالاعتزال.دون التفكير باحتمالية ، ان يلبى الجميع دعوات الاعتزال ويتوقفوا،فمن سيصنع المسلسلات العربية الجديدة اذن ؟ وهل الجمهور هذا ، مستعد في الوقت الحاضر ،لابدال التلفزيون كوسيلة ترفيه طاغية، بكتاب او الذهاب الى متحف؟

[email protected]