منير بولعيش من طنجة: منذ أربع سنوات وبالتحديد في مثل هذا اليوم (15 نوفمبر) غاب عن دنيا الإبداع والأدب الكاتب المغربي الذي ملأ اسمه الدنيا وشغل الناس: محمد شكري، أربع سنوات نظنها الآن كافية كي نقوم بسؤال بعض أصدقائه وأصفيائه عما فضل من ذكرياتهم المشتركة مع الكاتب الكبير و أيضا للإستفسار عما تبقى من مجد الرجل و إرثه الأدبي بعض رحيله و ذلك كمحاولة منا لاسترجاع بعض ملامح محمد شكري الغامضة وأيضا لخض الذاكرة الثقافية المغربية بالخصوص ونفض غبار النسيان عن إسم وأدب كاتب إشكالي في قيمة الراحل.


أحمد الكباشي (الروبيو)، صديق عُمُْر محمد شكري: هل يستحق كاتب في حجم محمد شكري أن يعامل بهذا الشكل...!!
- ماذا يمكن أن أقول بعد أربع سنوات على رحيل محمد شكري الذي جمعتني به صداقة ثلاثين سنة، ماذا يمكن أن يقول الإنسان في غياب أصدقائه، فيما يتعلق بذكرياتي مع محمد شكري فأنا لا أستطيع حصرها حتى في كتاب كامل، شكري أتذكره كل يوم حتى أنه يزورني في أحلامي، هذه ليست مبالغة إنه رجل عشت معه أجمل أيام العمر... في العامين المواليين لرحيل محمد شكري، كثر الحديث عنه في كل المنابر الإعلامية الوطنية و العالمية، لكن بعد ذلك طوى النسيان ذكراه حتى أنني أتفاجأ الآن بوجودك لتسألني عما تبقى من مجده بعد أربع سنوات على رحيله، في الواقع لم يبق شيء، حتى تركته و مقتنياته كومت في الكراتين ورميت في كاراج، هل يستحق كاتب في حجم محمد شكري أن يعامل بهذا الشكل، يؤسفني أن أقول أنه لم يبق الآن أي شيء من ذكرى هذا الرجل، سوى التفاتة بعض المختصين والمهتمين بأدبه على قلتهم.

إدريس كريمي(عمي ادريس) ـ ممثل مسرحي: لم يبق من محمد شكري سوى الذكريات...
- قبل أن أبدأ الحديث عن الراحل محمد شكري، أرى أنه من الواجب علي أن أذكر أن لقائي الأول به يعود إلى سنة 1967 بمقهى باريس حيث نجلس الآن، أنا لم أقرأ له أي كتاب و هو لم يشاهد لي أي عرض مسرحي لي، كانت صداقتنا لوجه الصداقة لا من أجل شيء آخر، لذا تبقى الذكريات المشتركة التي تجمعني بمحمد شكري هي الأكثر حضورا بالنسبة لي، أذكر في احد المرات أنه كان يصور حوارا مع قناة تلفزية ألمانية في مقهى بطنجة وعندما دخلت ناداني و طلب مني الجلوس معه كي نتغذى سوية، لكن عندما حضر الأكل بدأ الكل يأكل ماعدا شكري فسألته محاورته الألمانية (لماذا لا تأكل أستاذ محمد شكري؟) فقال لها (سيدتي عندما كنت صغيرا كنت أبحث في القمامة عن بقايا الطعام فلا أجده، الآن عندما بدأ الأكل الوفير يحضر غابت العافية) في الواقع هناك الكثير من الذكريات المشتركة بيننا... لكن فيما يتعلق بما تبقى من هذا الرجل بعد أربع سنوات على غيابه، فلم يبق للأسف سوى الذكريات، عندما كان حيا كانت كل الجرائد الوطنية و العربية و العالمية تسعى إليه لكن بعدها انتهى كل شيء برحيله، و لم يعد يذكره سوى بعض أصدقائه المقربين... فعندما ألتقي مع بعض أصدقاءنا المشتركين كالجيلالي الفرحاتي والزبير بن بوشتى و بوجمعة بن عمر والبشير السكيرج... لا بد أن نستحضره في جلساتنا الخاصة، تصور أننا نستحضره أكثر مما تستحضره الصحافة الوطنية!!

الزبير بن بوشتى ـ كاتب مسرحي: غياب محمد شكري لا يمكن تعويضه...
- أنا بالنسبة لي محمد شكري ظل دائما حاضرا معي لأنني أمتلك الكثير من الذكريات الجميلة معه على المستويين الإنساني والأدبي، طبعا غيابه لا يمكن تعويضه، غياب كبير وفجوة كبيرة، هو كما يسميه الجميع كاتبا ظاهرة، رغم انه كان يرفض هذا بشدة وكان يحب أن يعامل ليس باعتباره ظاهرة بل ككاتب ومبدع له كلمته في هذا المجال و رغم ذلك كان يصر دائما عن غير قصد أن يكرس تلك النظرة عن الكاتب/ الظاهرة و غيابه عن طنجة على المستوى اليومي و الحياتي غياب قد أثر على إيقاعي اليومي وعلاقاتي كذلك، لأن من خلال محمد شكري أتيحت لي الكثير من الفرص لمجالسة مثقفين كبار... أدباء كبار... مغاربة وأجانب، لأن أي واحد كان يطأ أرض طنجة كان يسأل مباشرة عن محمد شكري، بعد الشرطي الذي يؤشر على جواز السفر يكون محمد شكري هو الرقم الثاني، كانت هذه الفرص متاحة لي، أنا الآن أتأسف لأنني لم اعد أستمتع بجلسات مع محمد بنيس... المهدي أخريف... عبد اللطيف اللعبي... عبد اللطيف بن يحيى رغم أننا نعيش في نفس المدينة إلا أننا لم نعد نلتقي في جلسات حميمة فيها نقاش وشغب، محمد شكري كان يشكل بؤرة من الضوء... رجل مشاغب بالمعنى الإيجابي لكلمة شغب... رجل يعرف كيف يستفزك من أجل توسيع آفاقك في القراءة والكتابة والتذوق الفني كان رجلا يحب الموسيقى يحب الفن و وسائل التعبير بصفة عامة وأنا كنت واحدا من الذين استفادوا من قيمة محمد شكري وطبعا هذه المسألة تنقصني الآن لذلك أنا قليل الظهور في المدينة، لست غائبا لكني أفتقد الجو الذي كنت أعيشه مع محمد شكري وجلساته كانت بمثابة ندوة، هذا من جانب أما من جانب آخر فمحمد شكري كان يحب أن يكون مسوقا على المستوى الإعلامي كان يقتنص الفرص لتسويق نفسه إعلاميا هو كان يبحث عن هذا و دائما ما يكون سعيدا بهذا الأمر، لأنه كان يعتبر أن ما قام به هو انتصار، انتصار على الحياة في حد ذاتها لأنه كان في مواجهة يومية معها، و من اجل أن يحقق ذاته كان يبحث عن هذا الإرضاء الذاتي على المستوى الإعلامي، طبعا إسم محمد شكري استُغلّ إعلاميا بشكل فظيع رغم انه كان واعيا بهذه العملية لذلك كان دائما ما يطلب تعويضا من أجل استجواب و أحيانا حتى من أجل أخذ صورة لماذا؟ لأنه كان يعي أنه صورة تجارية و أن اسمه اسما تجاريا أولا و قبل كل شيء، هو كان يبحث عن هذا حتى أن الأمر أصبح في وقت من الأوقات موردا ماليا بالنسبة له رغم أنه كان وكما تعرف يساعد الصحفيين المبتدئين و يتعاطف معهم ويستدعيهم إلى الغذاء أو العشاء أو على كأس... بكل حب وتشجيع، أما فيما يتعلق بالإنحسار الإعلامي عن محمد شكري بعد وفاته أنا لا أقول لك أنه مسألة طبيعية ذلك أنني أعتقد انه على مستوى المواكبة النقدية محمد شكري لازال حاضرا غير أن الإعلام في المغرب وخاصة المكتوب توجه الآن نحو الإثارة و أصبحت المساحة المخصصة للثقافة و الأدب مساحة ضيقة جدا إن لم أقل منعدمة فلم تعد هناك صفحات متخصصة في النقد لدرجة أنه لم يعد هناك فضاء مغربيا يهتم بالأدب إلا إذا استثنينا مجلة أو مجلتين، لكن مع ذلك يبقى الإهتمام بأدب محمد شكري موجودا من طرف مجلات وأكاديميين ومختصين وطلبة في الجامعات، هناك من يستحضره في كتاباته و هناك من يهدي له كتبه... حسن نجمي مثلا أهداه ديوانا... صديقي الشاعر الإسباني (ترينو كروث) أهداه أيضا ديوانا وكتب قصيدة جميلة عنوانها (محمد شكري)، هناك أصدقاء عرب و مشارقة يكتبون عن محمد شكري... يزورون قبره عندما يأتون طنجة، مثلا هناك الكاتب جمعة اللامي الذي كتب ثلاث مقالات عن محمد شكري، أظن أن الإهتمام بهذا الكاتب الكبير لازال قائما لكن فضاء الكتابة هو الذي اندثر.

العربي اليعقوبي ـ ممثل مسرحي و مصمم أزياء: لم يبق من محمد شكري سوى تلك الوعود...
- بالنسبة لي لم يبق من محمد شكري وأدبه سوى تلك الوعود التي ظلت مؤجلة إلى أجل غير معروف، وعود بإنشاء مكتبة تحمل اسمه في مدينة أصيلة و التي لم نرى منها لحد الساعة شيئا وأيضا في الحفاظ على مقتنياته و ممتلكاته التي لم نعد نرى منها شيئا هي الأخرى، أما بالنسبة لذكرياتي الشخصية معه فهي راسخة في ذهني وفي نفسي لا تبرحني ولو مرة واحدة في اليوم، وفي الواقع لقد تكلمت عنها كثيرا و الآن يضنيني أن أفوه بها بعد أن تكلمت في هذا الأمر مرات عديدة، لكن تبقى أصعب ذكرياتي معه تلك التي قضيتها معه في آخر عمره، حيث كنت ألاحظ و نحن نحتسي بعض كؤوس النبيذ سقوط بعض شعيرات رأسه في كأسه بفعل العلاج الكيماوي لمرض السرطان الذي كان يعاني منه وهو ما جعلني في الأخير أتجنب لقاءه، آمر صعب أن تعيش لحظات رحيل رفيق العمر.