قصة: غابريل غارسيا ماركيز
ترجمة: زعيم الطائي

هذه القصة:Death constant beyond Love
كتب ماركيز كما أورد في مذكراته عدداً من القصص التي نشرها في جريدتي الأسبكتاتور والهيرالدو في بوغوتا فترة الأربعينيات، كان أحياناً يكتبها من أجل عموده الأسبوعي (الزرافة) متأثراً بكتابات فوكنر وكافكا وجويس وخياليات الشعر الأسباني الشعبي، وقصائد الشعراء الرومانسيين الكولومبيين، دون أن يفكر بقيمتها الأدبية العالية لكاتب ذي موهبة عظيمة منذ حط رحاله فوق أرض الحكاية، لذا ضاع معظمها خلال حياته المضطربة الموزعة بين المنفى والأرتحالات العديدة. أخترت هذه القصة من كتاباته المتأخرة، نشرت لأول مرة عام 1970، بعد سنوات قليلة من نشر (مئة عام من العزلة) التي أنجزها في المكسيك عامي1965-1966، حيث يتمثل في هذه القصة عالم ماركيز الفاتن الأخاذ، قدرته القصصية الفائقة، وشخصياته الغريبة التي ترتفع الى مستوى سحر الأسطورة. المترجم


لم يبق للسناتور أونسيموسانشيز إلا ستة أشهر وأحد عشر يوماً كي يواجه موته المصيري، حينما عثر لأول مرة على أمرأة حياته، قابلها في روزال ديل فيري، قرية وهمية، تتخفى سفن المهربين في متاهات ليل رصيف مينائها، ويبدو وضح نهارها من جهة أخرى كشرخ زائد وسط صحراء قاحلة تواجه بحراً، نائية عن كل شيء وبلا أتجاهات، ليس من شك في أن من يعيشون فيها لن تتسنى لهم أبداً أمكانية تغيير مجرى أقدار حيواتهم، فحتى أسمها، كان نوعا من أنواع الدعابة، لأن الزهرة الوحيدة في تلك القرية قد تهرأت بين يدي السنتاتورأونسيمو سانشيز نفسه في عين تلك الظهيرة التي قابل فيها لورا فارينا.
لايمكن لأحد تجاوز حفلات الحملات الأنتخابية التي يقيمها مرة كل أربع سنوات دون التوقف عندها برهة. وصلت عربات الأحتفالات منذ الصباح، وقد جلبوا الهنود المستأجرين بالشاحنات حيث يحملونهم الى المدن عادة لتضخيم حجم الحشود في الأحتفالات العمومية.
قبل الحادية عشرة بوقت قصير، وبين صخب الموسيقى والمفرقعات النارية وسيارات الجيب التي خصصت لنقل الحاشية، وصلت العربة الوزارية، ذات اللون الأزبري المصطبغ بالصودا، كان السنتاتورأونسيمو سانشيز يجلس متمتعاً ًبجو العربة المكيف، لكنه ماأن فتح الباب حتى لفحته هبة نار فجائية تنقع لها قميصه الحريري الخالص برغوة حساء باهتة اللون أشعرته بالتقدم في العمر سنوات عديدة، وبعزلة لم يعهدها من قبل، لم يكن قد تجاوز في عمره الحقيقي الثانية والأربعين بعد، تخرج في غوتنغن أحدى جامعات ألمانيا، بشرف مهندس معادن، وهو قارئ نهم، رغم عدم حصوله على مكافآت ترجماته الرديئة للكلاسيكيات اللاتينينة،
تزوج من أمرأة ألمانية ألقة أعطته خمسة أطفال عاشوا بمنزلهم جميعاً في حبور، وكان أسعد الجميع حتى أن أخبروه قبل ثلاثة أشهر فقط أن سيعاجله الموت الى الأبد قبل حلول أعياد الميلاد القادمة.
قبل أن تتم الأستعدادات الكاملة لسباق حملته، قرر السيناتور أن ينفرد وحيداً في منزله، أبتعد االجميع عنه جانباً ليأخذ راحته، وقبل أستلقاءته وضع في كأس مائه تلك الزهرة التي أحتفظ بها حية عبر مفاوزالصحراء، تناول شيئا من حبوب السرّيل لريجيم أفطاره كي يتجنب الوجبات المقررة من الماعز المشوي الذي سينتظره خلال أطعمة ماتبقى من اليوم، مع عدد من الأقراص المسكنة قبل موعد الوصفة الطبية لأسكات آلامه مقدماً قبل أوانها، ثم قرب المروحة الكهربائية من أرجوحة نومه وتمدد عارياً لخمس عشرة دقيقة في ظل الوردة، باذلاً جهداً عظيماً لألهاء نفسه ذهنياً في محاولة للكف عن التفكير في الموت أثناء إغفاءته، فما عدا دكاترته، لاأحد له العلم أنه قد أتخذ أجراءات عدة لتغيير موعد أجله، لأنه كان يتحمل معاناة كل أسراره وحيدا، دون أن يغير ذلك شيئاً من مجرى حياته، ليس بسبب عزة نفسه فقط بل خوفاً من العار.
أحس بالزهو والسيطرة على كامل أرادته وقت ظهوره أمام الجموع عند الساعة الثالثة بعد الظهر، بان أكثر راحة وصفاءً، مرتديا ًبنطالاً من الكتان الخشن الفضفاض وقميصاً مزيناً برسوم أزهار، متكبداً داخل روحه أزعاج العقاقير المسكنة، على الرغم من التآكل الذي يسببه له شبح الموت الذي أضحى أشد أذى وخوفاً مما كان يعتقده. عندما خطى خطوته الأولى على الرصيف غامره شعور غريب بالأزدراء نحو أولئك الذين يتقاتلون من أجل نيل حظ مصافحته، ولم يحس كسابق عهده حينما كان يأسف لما تبديه من أجله جموع الهنود حفاة الأقدام، حيث يتحملون بالكاد حرارة أملاح المستنقعات الممحلة وسط الساحة الصغيرة، أسكت التصفيق بأشارة من يده في سورة غضب بادية، وأبتدأ الكلام دون أيماءات أو أشارات يدوية، وعيناه محدقتان في البحر، الذي كان يتأوه لشدة الحرارة، متخذاً أبعاد قياساته في الصوت العميق الذي يشبه هدأة مياهه، لكن حافظته وبديهته كانتا تخونانه في نقل الحقائق وفق طبيعتها في معظم الأحيان، بالأحرى خلافاً لتطبيقات الروماني(ماركوس أورليوس) الجبرية في كتابه الرابع(التأملات).
(نحن هنا من أجل قهر الطبيعة) بدأ مخالفاً لكل قناعاته، (لن نبقى دائماً لقطاء في موطننا، يتامى للرب في دنيا من العطش والمناخ السيئ، منفيين في أرضنا، سنكون أناساً مختلفين، سيداتي وسادتي، سنكون أناسا ً عظماء، فرحين.).
كانت هناك تشكيلة سيرك من خلفه، فبينما كان يتحدث عن أفكاره، أخذت ترمى عناقيد من الطيور الورقية في الهواء، سرعان مادبت فيها الحياة، فراحت تتطاير فوق ألواح الرصيف الخشبية، ثم أنسلت مغادرة صوب البحر، في الوقت نفسه، جمع رجال آخرون قوائم الأشجار والأوراق المتساقطة جنب العربة، راحوا يزرعونها في الرمال الملحية جنب الحشد، بعدها أنتهوا من أقامة بيوت كارتونية من القرميد والشبابيك الزجاجية ملئت بأشكال أكواخ صغيرة بائسة.
قام السيناتور بتمديد خطبته بأقتباسين من اللاتينية دون أن يدع مجالاً للسخرية، وعد بمكائن تستطيع أنزال المطر، مولدات سهلة النقل في اصطبلات الماشية، زيت السعادة الذي ينبت الخضار في الممالح وأجمات زهرة الثالوث في أصص النوافذ، وحينما رأى أنطلاقة عوالمه الخرافية، بدأ يشير الى (هكذا سيكون طريقنا أيها السيدات والسادة) صرخ بعدها (أنظروا فهذا الطريق سيكون لنا)أدار الجمع رؤوسهم ملتفتين فيما حولهم، فاذاالمحيط قد رسم خطاً ورقياً ملوناً يمر بجوار المباني متطاولا فوق أعلى البيوت في المدينة الخيالية، السيناتور وحده فقط قد لاحظه منذ بداية أنتشاره وارتفاعه ثم أنخفاضه حاملاًً من مكان الى آخر المدينة الكارتونية الهائلة المفروضة التي راحت تتآكل في الطقس الملعون كأكثر الناس الفقراء وسط أتربة روزال ديل فيري.
لأول مرة منذ أثنتي عشر عاماً، لم يتوجه نيلسون فارينا لتحية السيناتور، أصغى الى خطبته من أرجوحته في أواسط آثار قيلولته،
داخل البيت المبرد الواسع والذي ليس له مخطط واضح، بني بنفس يدي الصيدلي اللتين قاس وجهز بهما زوجته الأولى، جاء هارباً من جزيرة الشيطان، وظهر في روزال ديل فيري على متن سفينة محملة ببغاوات بريئة، مع أمرأة سوداء جميلة لامتدينة وجدها في باراماريبو ولدت له أبنة، وتوفيت لأسباب طبيعية بعد فترة قصيرة من مجيئها فلم تقاسي ماقدّر للآخرين، وتخصبت بأجزائها قطعة أرضه المزروعة بالكرنب، لكنها دفنت في المقبرة العمومية مع أسمها الجرماني، وورثت أبنتها لونها وشكلها وعيني والدها الصفراوتين المندهشتين، بذلك ملك الحق في الأعتقاد بانه قام بتربية أجمل أمرأة في العالم.
منذ لقائه المبكر بالسناتور أونيسمو سانشيزخلال حملته الأنتخابية الأولى، ترجى نيلسون فارينا مساعدته في تغيير بطاقة هويته المزورة أضافة الى لجوئه الى القانون فوق ذلك، رفض السيناتور في موقف صداقي ثابت، لكن نلسون فارينا لم يتخل عن بغيته، ولعدة سنوات، كان يجد دائماً الفرصة لأعادة عرض مطلبه، عامداًالأستعانة بطرق مختلفة، لكنه في هذا الوقت بقي في أرجوحته، متهما الحياة بالفساد وهو مازال في عرين القراصنة المحترق، عندما سمع التهاليل الأخيرة، رفع رأسه ناظراً عبر ألواح السياج، مشاهداً الوجه الخلفي للمهزلة، دعامات الأبنية، أطارات الأشجار المشكلة، الحواة المختبئين والذين يدفعون أمامهم خط المحيط الطولي، مما جعله يبصق بحقد: Merde,C`est le Blacaman de la politique
(اللعنة، أنه جوال سياسة!)
بعد خطابه، كعادته، تمشى السيناتور في شوارع المدينة، وسط أصوات الموسيقى الصادحة والمفرقعات، يحيطه المواطنون، الذين أخبروه مشكلاتهم، أستمع لهم السناتور جيدا ًبشكل طبيعي، حيث يجد دائماً بعض الطرق للتخلص من كل واحد منهم دون أن يجهد نفسه بإيجاد حل أو يؤدي فيه جميلاً صعباً. توقفت أمرأة عند سطح منزلها مع
أولادها الفتيان محاولة أن تسمعه صوتها بين الضجيج والألعاب النارية (أنا لاأسألك الكثير، ياسناتور..) قالت (فقط حماراً لسحب الماء من بئر الرجل المشنوق) لاحظ السيناتور أولادها الستة الناحلين، (ماذا يشتغل زوجك؟) سألها (ذهب ليجد فرصته في جزيرة أروبا) أجابت المرأة بتهكم، (حيث وجد له زوجةأجنبية بأسنان ماسية) أثار قولها عاصفة من الضحكات، (حسناً..) قرر السيناتور(ستحصلين على حمارك) تلت ذلك فترة قصيرة، وأذا بأحدمساعديه يقتاد حماراً قوي الظهر لبيت المرأة، كتبت على كفله شعارات الحملة الأنتخابية بطلاء لايمكن إزالته لكي لايمكن لأحد أن ينسى أنه هدية السيناتور.
خلال جولته الشارعية، أتت منه بعض التلويحات القصيرة كتحية، حتى انه قام بتقديم ملعقة دواء بيده لرجل مريض جلبوه عند بابه، فرأى بأم عينه بقية لحظات أحتضاره، وعند الزاوية الأخيرة، من خلل ألواح السياج لمح نلسون فارينا راقداً في أرجوحته، فحياه دون أن يظهر له مودة: مرحباً، كيف الحال؟
فألتفت نلسون فارينا وهو مازال في أرجوحته، رامياً عليه نظرات حزينة كالجمروأجابه بالفرنسية:moi,vous savez
(أنا؟ أنت تعرف).
خرجت أبنته الى الباحة عند سماعها التحية، مرتدية روباً رخيصا باهتاً من الجاجيرو الهندي، وقد زينت رأسها بأقواس ملونة، ووجهها ملطخ بأصباغ لكي تدرأ بها ضوء الشمس، لكنها حتى وهي في تلك الحالة الشنيعة كان من المستحيل أن لايصدق المرء انه أمام أكثر نساء العالم فتنة وجمالاً. لم يملك السيناتور عن حبس أنفاسه من هول المفاجأة، (تباً..)صرخ بعد أن أستعاد تنفسه (الرب وحده صنع هذا الخبل!).
تلك الليلة، ألبس نلسون فارينا أبنته أحسن ملابسها، وقام بإرسالها عند السناتور، أستقبلها أثنان من الحرس المسلحين بالبنادق أنحنيا لها في جو البيت الساخن المستأجر وأمراها أن تنتظر على الكرسي الوحيد عند المدخل، حيث كان السيناتور في الغرفة الملاصقة منشغلاً بمقابلة أناس مهمين من روزال ديل فيري، جمعهم مع بعضهم ليغني لهم الحقائق التي أغفلتها خطاباته، كانوا يبدون مثل كل الأشخاص الذين تقابلهم في المدن الصحراوية، فحتى السناتور نفسه بدى عليه القنوط والمرض من تلك الجلسة الليلية السرمدية، وقد تنقع قميصه بالعرق، فراح يحاول تجفيفه فوق جسده بنسمات المروحة الكهربائية الدافئة التي أخذت تمعن في أزيزها مثل حصان طائر في الهواء الثقيل الحار للغرفة (نحن ليس بمقدورنا بالطبع، أن نأكل طيوراً من الورق) قال (أنا وأنتم نعلم أن لولا ذلك اليوم، ومافعلناه هناك، تلك الشجيرات والزهور في كومة فضلات الصخول، ومحاولتنا تقليل الدفء ماوسعنا بخراطيم المياه، لولا ذلك اليوم لاأنا ولا أنتم في هذا المكان، هل كلامي واضح؟) لم يعترض أحد كلامه، فتناول صفحة من التقويم طبقها ولواها مكوناً شكل فراشة ورقية بين يديه، ثم قذفها بلاهدف محدد في تيار الهواء القادم من المروحة، فأستمرت الفراشة بالتحليق في فضاء الغرفة ثم أندفعت خارجة عبر الباب نصف الموارب، غير أن السيناتور مضى مسترسلاً في حديثه، ساعده تحكمه المستمر بعقدة موته الصعبة، (بناءً عليه،) قال (لست ملزماً بتكرار ماتعرفونه جيداً من قبل، في أن أعادة أنتخابي هي خير مهنة لديكم أكثر من نفعها لي، لأني تغذيت وشربت من المياه الراكدة وعرق الهنود، بينما كنتم أيها الناس، بعبارة أخرى، تتعيشون على ذلك).
شاهدت لورافارينا الفراشة الورقية خارجة، وأستمرت بالتطلع اليها، فقط لأن الحراس في البهو الخارجي قد غطوا في النوم أثناء تجوالهم، وهم يحتظنون بنادقهم. بعد عدة دورات، تفككت الفراشة الكبيرة المصورة بأكملها، مرتطمة بالجدار، حيث ظلت ملتصقة هناك، فحاولت لورا فلورينا أزاحتها بأظافرها، أنتبه أحد الحراس الذي أيقظه التصفيق الآتي من الغرفة المجاورة لمحاولتها غير المجدية:(لاتريد الذهاب)قال بصوت نعسان (فقد رسمت هناك).
عادت هي الى الجلوس ثانية بعد أن بدأ الرجال يغادرون غرفة الأجتماع، توقف السناتور عند باب الغرفة ويده على المزلاج، لكنه لم يلحظها إلا بعد أن فرغ الممر من الجميع، (مالذي تفعلينه هنا؟)أجابت:
C`est de la part de mon pe`re
(أنه من أجل والدي) فهم السناتور الأمر، تفحص بنظرة سريعة الحراس النائمين، ثم عاد يدقق النظر بلورا فارينا، وجمالها غير المعهود، الأكثر لعنة من كل آلامه، مماجعله يلقي بقراره نحو الموت الذي سيحدد وحده الحكم النهائي في المسألة.
(أدخلي..) قال لها، فتوقفت صامتة أمام باب الغرفة وكأنها أصيبت بالصمم، بينما راحت آلاف من الأوراق النقدية تسبح في الهواء، مرفرفة كما الفراشات، لكن السنتاتور أطفأ المروحة، تاركاً أقراصه وحبوبه بلا تهوية أو نور فوق أكوام الحاجيات.
(كما ترين) قال مبتسماً (حتى البراز يمكنه الطيران). أتخذت لها مجلساً على مقعد صغير يشبه مقاعدالمدرسة، كانت ناعمة ومتينة الجلد لها نفس اللون والكثافة الشمسية للزيت الخام، بشعر كلبدة مهرة في ريعان الشباب، وبرق شعاع عينيها الواسعتين يفوق الضوء المنبثق في لمعانه، تابع السناتور خط نظرها، فألفى أمامه الزهرة التي أذبل بريقها ماء الملح الصخري.
(أنها زهرة) قال..
(نعم..) أجابت ببقايا أرتباكها (درست عن الزهور التي تعيش في ريوهاشا) جلس السيناتور فوق سريره العسكري، متحدثاً عن الورد بينما كان يفتح أزرار قميصه، فتبدى وشم قرصان متمثلاً بسهم يخترق قلباً رسم على موضع القلب من صدره، رمى القميص المبقع بالعرق جانباً فوق الأرضية، وسألها أن تعاونه في خلع جزمته، فركعت جاثية بمواجهة السرير، والسيناتور مازال يدقق النظر فيها متفكراً، وبينما كانت تفك القيطان تساءل مع نفسه عمن سيكون منهما الأسوأ حظاً بعد نهاية اللقاء غير المتوقع هذا.
(أنك مازلت طفلة) قال..
(لن تصدق ذلك..) قالت (سأكون في التاسعة عشرة في أبريل)
أبدى السيناتور أهتماماً (في أي يوم؟)
(الحادي عشر منه..) أجابت.
أشعره ذلك بالمتعة (كلانا يكبر..) قال ثم أبتسم مضيفاً (أنها علامات العزلة..).
لم تهتم هي للأمر، وأنشغلت بالحذاء حائرة مالذي تفعله بشأنها، وكان السيناتور بدوره حائراً مالذي سيفعله بشأن لورا فارينا، لأنه لم يكن قد جرب حباً طارئاً كهذا من قبل، ومابين يديه الآن فتاة عتيدة في سخطها، تدارك نفسه برهة للتفكير، وراح يضمها بين ركبتيه بأحكام، ضاغطاً عليها من وسطها، أستلقى على ظهره فوق السرير، عندذاك عرف أنها عارية تحت ثوبها، وقد أخذ جسدها يبعث عطراً داكناً لحيوان الغابات، لكن الذعر ملأ قلبها، وتعكر جلدها بعرق شديد البرودة، حاولت لورا فارينا أن تقول شيئاً، لكن الهواء بالكاد كان يكفي لتنفسها، سحبها الى جواره بغية مساعدتها، مطفئاً النور، فأمست الغرفة فقط تحت الظل الذي خلفته الزهرة، تركت هي نفسها لرحمة قدرها، فبدأ السيناتور مداعبتها برفق، متلمساً أياها بيديه الباحثتين بمس خفيف، متوقعاً أن يجدها لكي يعثر عليها، فصادفت يده شيئا معدنياً في طريقها.
(مالذي لديك هنا؟).
(قفل..) قالت.
(بحق الجحيم!) قال السيناتور بحنق، مبدياً عدم دراية بتلك الأمور (أين المفتاح أذن؟) أخذت لورا فارينا نفساً لأراحة كيانها
(عند بابا..) أجابت (قال لي أن أخبرك بأن ترسل أحداً من رجالك ليتسلمه، مع تعهد خطي منك بحل مشكلته) صار السيناتور متوتراً
(ياللضفدع النغل..) تمتم ساخطاً، ثم أغلق عينيه لكي يريح أعصابه
برهة، فألفى نفسه في عتمة، تذكر، (أتى الى ذاكرته من التأملات)إما أنت أو أحد ما غيرك، يتمنى البقاء طويلاً قبل أن يدركه الموت، كما يتمنى لأسمه قبل أن يمحى ويزول.
أنتظر أنقضاء رجفته ليبلغها.
(أسألك عن شيء واحد) سألها بعد ذلك (مالذي سمعته عني؟)
(هل تريد بحق الرب، أن تعرف الحقيقة؟)
(الحقيقة، بحق الرب)
(حسن..) تجرأت لورا فارينا (يقولون أنك أسوأ من الآخرين لأنك مختلف عنهم) لم يبد السناتور أنزعاجاً، بل ظل صامتاً لوقت طويل
بعينين مغلقتين، ولما فتحهما من جديد بدى وكأنه عائد من ركام غرائز مختفية.
(أوه، أية لعنة) قرر (قولي لأبن العاهرة والدك أنني سأسوي أوضاعه).
(أن أردت، أقدر أن أجلب المفتاح بنفسي) قالت لورا فارينا. أمسك السيناتور ظهرها: (أنس أمر المفتاح) قال (ونامي حيناً الى جواري، هذا حسن للمرء حينما يكون وحيداً) وضعت رأسه عند كتفها، وعيناها تحدقان في الزهرة بثبات، والسيناتور يحتضن خصرها مغرقاً وجهه في أبطها ذي العبق الوحشي، مسلماً نفسه للهول الذي أكتنف روحه. بعد مضي ستة أشهر وأحد عشر يوماً
مات على نفس الوضع، ذاوياً، ومتنصلاً من كل مايتعلق بحياته من الوعود والفضائح المنتشرة لعلاقته بلورا فارينا، منتحباً بهياج لأنه ذهب الى الموت بدونها.

Ziam50@hotmail.com