الشاعرة صفاء البيلي:
قصيدتي تحترم رؤي العقل وتحمل فلسفة شاملة للكون والحياة

محمد الحمامصي: تنتمي الشاعرة صفاء البيلي إلي جيل الثمانينات في مصر والذي انقسم شعراؤه ما بين كتابة قصيدة التفعيلة وكتابة قصيدة النثر، وهي ممن اختار قصية النثر وقدم من خلالها ثلاثة دواوين تميزت بالاختلافوالجدة،كما أنها كتبت المسرح الشعري وأضافت من خلاله ثراء لتجربتها وللتجارب السابقة عليها.. من دواوينها (ما اكتشفته البنت الجميلة) و(أخاديد الماء) و(تانجو لامرأة وحيدة) ومن المسرح الشعري (نوبة رجوع) و(نبضات في الحب والموت) و(الخروج من اللوحة) و(احتفال خاص علي شرف المتنبي).

** ما هي رؤيتك لمشهد قصيدة النثر في مصر اليوم وأبرز ملامحها من وجهة نظرك؟
** قصيدة النثر في العالم العربي كله مرت بتجليات كثيرة، وتطورت عبر كثير من الشعراء علي رأسهم محمد الماغوط زمن تلاه أدونيس وسعدي يوسف، وقصيدة في مصر والتي بدأت في اعتقادي بأشعار حسين عفيف المبدعة والتي أخرجت القصيدة من الأطر التقليدية التي باتت لا تتلاءم مع كثير من المتغيرات والقناعات التي باتت تحاصر المبدع والمتلقي علي السواء، بدأت القصيدة تشق طوق التقليدية وأراها متجسدة بشدة في أشعار صلاح عبد الصبور خاصة في ديوانه (الناس في بلادي) الذي لامس فيه آلام الناس بلغة بسيطة، ثم في أشعار حجازي ومحمد عفيفي مطر الذي يزاوج ما بين الخروج علي مقتضيات القصيدة التقليدية ونحت اللغة والإتيان بها من مشاربها مقيما معها الكثير من آيات التواصل المجيد، ثم تأتي تجربة إضاءة 77 وتجربة أصوات حسن طلب، ورفعت سلام ومحمد آدم وحلمي سالم، وعلي الرغم من اختلافي مع بعضهم في طرحه الشعري إلا أنهم جميعا كانوا بمثابة كل منهم كان كمن يصنع نواة أو يكتب جملة شعرية في قصيدة النثر في مصر.. فبالرغم من بزوغ قصيدة النثر الآن في المغرب العربي وبخاصة في المغرب ثم سوريا إلا أن هنا في مصر تجد بعض الومضات التي تحاول أن تتصالح وتتجادل في محاولة منها لخلق حالة من حالات التواصل علي عدة مستويات : التواصل بين المبدع وقصيدته، المبدع والمبدع، المبدع والمتلقي، حيث بدأت أرضية الشعر (قصيدة النثر) تفقد كثيرا من جمهورها الذي لم يستطع حتى الآن التواصل معها متمسكا بجماليات القصيدة التقليدية، ثم إن هناك كثير من الشعراء لا يستطيعون التواصل مع ما يكتبون إلا إذا دار في فلك معين، فساد ما يسمى بقصيدة الجسد أو الاعترافات كما وجد ذلك في الرواية بشكل كبير، وأصبحت رقصة قصيدة النثر تتسع لتحوي كل ما هو يومي وعادي ومتاح، وفي اعتقادي أن هذا اليومي عيبا، ولكنه يكون سلاحا ذا حدين، إذ يتخذه البعض بمأخذ الاستسهال، فيتخيلون به عن أصول الكتابة ويصبح كل من لا يستطيع ضبط الإيقاع الشعري كما أقره به الخليل، يقول : إنه يتعاطي قصيدة النثر، وهذا يسئ إليها، الأمر الآخر هو أن يعتمد الشاعر علي جماليات الشعر فقط فاتحا السبيل علي مصراعيه لموضوعات فجة يعتقد أن قصيدة النثر إنما صنعت من أجلها، وفي النهاية أنا أؤمن بقوانين الطرد الطبيعية التي لا تبقي إلا الجيد.

** ماذا عن المراحل التي قطعتها تجربتك الشعرية حتى اللحظة الراهنة؟
** مررت بمراحل عدة، ففي منتصف الثمانينات كانت البداية حيث الارتباط بالقرية كمكان فطري أثر فيّ بكافة مفرداتها سواء كانت المفردات البشرية والتي تمثلت بداية من العريفة، أو الشيخة التي كانت تحفظني القرآن الكريم وكانت شديدة المراس، لكنها كانت حنونة لذا لم أستطع أن أتم مرحلة الحفظ معها، ثم جاءت مرحلة المدرسة وعلاقتي بالمدرسة والأناشيد، وفي المرحلة الإعدادية كتبت أول قصيدة، وكانت قصيدة حب ونشرت في جريدة الجمهورية، ثم المرحلة الجامعية وكانت من أخصب المراحل في حياتي،حيث نادي الأدب بجامعة المنصورة الذي ضم في ذلك الوقت زملاء أصبحوا فيما بعد علامات في الواقع الشعري المعاصر أتذكر منهم مثلا محمود الزيات وإيمان مرسال وأمل جمال وكريم عبد السلام وعماد أبو صالح، وكانت أولي تجاربي في النشر كان ديوان (ما اكتشفته البنت الجميلة) عام 1993 ثم ديوان (أخاديد الماء) 2003، ثم (تانجو لامرأة وحيدة)، ثم (رحلة افتراضية لملاك)، علاوة علي عدة مسرحيات شعرية حصلت عنها علي عدة جوائز مصرية وعربية.
في الكتابة مررت بمراحل عدة أيضا، كتبت الشعر التقليدي ثم تحررت قليلا قليلا إلي أن توغلت في قصيدة النثر لكنني لم أتخل عن شاعرية القصيدة.

** ماذا تقصدين بقولك (لم أتخل عن شاعرية القصيدة)؟
** أعني به الدفء الذي يتغلغل في القصيدة عن طريق تواطؤ عدة عناصر منها : اللغة والحفاظ علي فاعليتها، كما تعمل علي تعويض ما يمكن القول بافتقاده من موسيقي الشعر ليس عن طريق الفذلكة والجنوح إلي الافتعال، بل السباحة في عوالم البلاغة من خلال بناء لغوي محكم متفاعل ومتعاضد تحكمه العلاقات البلاغية ومن خلاله تبدو الثقافة واضحة جلية والشخصية من خلال الرؤية المكتملة أو المجتزءة للكون أو لجزء منه.

** إذن هذا الحرص علي العلاقات البلاغية في قصيدتك مرده إلي قناعة بدورها في القصيدة؟
** نعم.. فالقصيدة العربية منذ نشأتها تعتمد علي البلاغة، ونحن امتداد لهذه القصيدة بكل جمالياتها مهما تداخلت الأجناس الأدبية.

** في ضوء هذه الرؤية ما هو مفهومك لقصيدة النثر علي الأقل التي تكتبينها؟
** أكتب قصيدة النثر التي تحتفي بجماليات الشعر وفيوضات النثر، فتتسع لتحترم رؤي العقل وتحمل في طياتها فلسفة شاملة للكون والحياة ولا تنفصل بأي حال من الأحوال عن أبجديات الحداثة وجذور التراث.

** وماذا عما يكتبه أبناء جيلك من الثمانيين ومن تلاهم من الشعراء؟
** بعضهم يتوغل في النثر حتى لكأنك تشعر أنك إنما تقرأ قصة قصيرة أو خاطرة، ولا يمكنك أن تنفي عنها البلاغة لكنك في نفس الوقت لا يمكن أن تطلق عليها قصيدة، وآخرون يمعنون في الموسيقي حتى لتشعر أنه يزج بالوزن زجا ويدفع دفعا مقيتا مما يخرج من حالة الإبداع الجيد الذي يصل لقلوب المتلقيين إلي الصنعة، فكأننا نعود إلي عصور الصنعة المبتذلة التي تعمد.إلي زخرفة البناء علي حساب المضمون.
ولكنني علي الجانب الأخر أرى أن البعض جمع في جماليات قصيدته بين التفجيرات اللغوية وصناعة شكل أصبح مشهورا به بالإضافة إلي مناقشته لقضايا هامة لا تعمد إلي الخصوصية فقط بل تعبر عن الواقع المجتمعي للأفراد والجماعات وربما لتواريخ الأمم وثوابتها.