أكد أنه لا يؤمن بوجود أي توتر بين الثقافات في مسيرة الحياة الإنسانية
الناقد والمفكر السوري د.عبد النبي اصطيف:
الغرب يعتمد كتبا استشراقية محكومة بنظرة مشروخة للعالم

** أرفض الصدام مع الغرب وغير مقتنع بالحوار إلا بوصفه أداة لما سميته بالشراكة
** علينا أن نميز ما بين السياسي والثقافي، الثقافي مسألة تخص الاستراتيجية، والسياسة مسألة تتصل بالتكتيك
** لا أومن بوجود أي توتر بين الثقافات في مسيرة الحياة الإنسانية. التوتر يكون بين المصالح والسياسات والأنظمة السياسية والاقتصادية
** هنتنغتون مفكر سياسي ومتخصص بالعلاقات الدولية وأفكاره تتخذ اليوم مطية لتحقيق المصالح الأمريكية في المنطقة العربية والعالم
** هل يتقن شعراؤنا عملهم؟ هل يتقن نقادنا عملهم؟ هل يتقن أدباؤنا بشكل عام عملهم؟ أعتقد أنهم متعجلون.. متعجلون

حاوره محمد الحمامصي من القاهرة: يمثل الناقد والمفكر السوري د.عبد النبي اصطيف مدير الهيئة العامة السورية للكتاب، و أستاذ الأدب المقارن في جامعة دمشق ورئيس قسم اللغة العربية، أحد أبرز المثقفين السوريين الذين جمعوا بين العمل الأكاديميوالعمل الثقافي العام فهو أستاذ جامعي، وباحث، وناقد مقارن، ومقالي، ومترجم، تسنم مرتين منصب وكالة كلية الآداب والعلوم الإنسانية للشؤون العلمية(1993-1994، 1998-1999)، كان في أثنائهما عضواً في مجلس جامعة دمشق للشؤون العلمية، كما تولى رئاسة قسم اللغة العربية وآدابها بين عامي (2004-2006م).، و درّس في عدد من الجامعات العربية (جامعة صنعاء- اليمن، جامعة الملك سعود- المملكة العربية السعودية) والإنكليزية (جامعة أكسفورد- المملكة المتحدة) والأمريكية (نيو كوليج- أو الكلية الجديدة في جامعة جنوب فلوريدا في ولاية فلوريدا، وجامعة روجر ويليامز في ولاية رود آيلند، الولايات المتحدة الأمريكية)، والأوربية (جامعة خاومي الأولى في كاستيون- إسبانية)، والأسترالية (جامعة ديكين- ميلبورن)، فضلاً عن جامعة البعث والمعهد العالي للفنون المسرحية- قسم النقد والأدب المسرحي في دمشق، كما عمل خبيراً مشاركاً في قسم الآداب واللغات في الموسوعة العربية بين عامي 1987 و 1994، فاز في عام 1983 بجائزة أحسن مقالة عن العلاقات العربية الأدبية من quot;الجمعية البريطانية لدراسات الشرق الأوسطquot;، كما فاز في عامي 1996- 1997 بزمالة بحث وتدريس من quot;مركز أكسفورد للدراسات الإسلاميةquot;، أنهى خلالها كتابه باللغة الإنجليزية: quot;نحو استشراق جديد: شراكة المعرفة بين الشرق والغربquot; الذي سيصدر عن دار النشر كيرزون عام 1999 في لندن، وهو عضو الجمعية البريطانية لدراسات الشرق الأوسط، وquot;الرابطة الأوروبية لدراسات الشرق الأوسطquot;، فضلاً عن عضويته السابقة في quot;رابطة شمالي أمريكا لدراسات الشرق الأوسطquot;، وquot;رابطة الأدب المقارن الأمريكيةquot;، وquot;الرابطة الدولية للأدب المقارنquot;.
ولد عبد النبي اصطيف في دمشق عام 1952 تخرج في دار المعلمين العامة عام 1970، ونال إجازة في اللغة العربية وآدابها من جامعة دمشق عام 1973، ودبلوم الدراسات الأدبية العليا من الجامعة نفسها عام 1974؛ ودكتوراة فلسفة في النقد المقارن (العربي- الأوربي) عام 1983، من جامعة أكسفورد كلية سانت أنتوني، درّس في مدارس الدولة بين عامي 1970 و 1975، وفي جامعة دمشق منذ عام 1975- معيداً، فمدرساً، فأستاذاً مساعداً، فأستاذاً للأدب المقارن والنقد الحديث. من أبرز كتبه (في النقد الأدبي العربي الحديث ـ جزءان) و(نحن والغرب: من صدام الحضارات إلى الشراكة المعرفية) و(سوريا: مملكة الكتابة العريقة) و (نحن والغرب) و(نقد ثقافي أم نقد أدبي) بالاشتراك مع عبد الله الغذامي، و (نصوص من الأدب العربي المعاصر) بالاشتراك مع د.عبد اللطيف عمران، وبالإنجليزية له (نحو استشراق جديد)
التقينا د. عبد النبي اصطيف في القاهرة حيث شارك أخيرا في ملتقي الشعر العربي ببحث حول الهوية والشعر كما كان أحد أعضاء اللجنة التي منحت الشاعر العربي محمود درويش جائزة الملتقي، وفي هذا الحوار معه نتعرف علي رؤاه في الكثير من القضايا الحيوية والجوهرية علي الساحة الثقافية والفكرية العربية.

** تشهد العلاقة بين الثقافتين العربية والغربية توتراً ملحوظاً منذ أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر)، كيف تنظر إلى هذه العلاقة: حاضرها ومستقبلها في ضوء قراءاتك المتعددة لها؟
** أرجو أن تسمح لي باستدراك بسيط مفاده أنه ليس ثمة من توتر بين الثقافتين العربية والغربية، وأنا أساساً لا أومن بوجود أي توتر بين الثقافات في مسيرة الحياة الإنسانية. التوتر يكون بين المصالح والسياسات والأنظمة السياسية والاقتصادية، أما على المستوى الإنساني فأية ثقافة ينتجها الإنسان لابد أن تؤدي به إلى ثقافات الآخرين، ونحن هنا نتحدث عن الثقافة الحقيقية، أما الثقافة الموجهة نحو تحقيق أهداف أيديولوجية ودنيوية معينة، فهذه ليست ثقافة إنسانية- quot;الثقافة النازيةquot; ليست ثقافة إنسانية، وquot;الثقافة الفاشيةquot; ليست ثقافة إنسانية، وquot;الثقافة الصهيونيةquot; ليست ثقافة إنسانية، ولكن الثقافة العربية ثقافة إنسانية، والثقافة الغربية ثقافة إنسانية ولا يمكن أن يكون هناك توتر فيما بين الثقافتين. قد يكون هناك توتر يتصل بالمصالح السياسية لكل من الطرفين، وهذا طبيعي، هناك توتر في الرؤى السياسية و المصالح السياسية والاقتصادية، ولكن لا يمكن أن يكون هناك توتر على الصعيد الثقافي، هذا فيما يبدو لي، وأنا شخصيا عشت الثقافتين وخبرتهما على نحو مباشر، لقد أنهيت تأهيلي في سوريا في جامعة دمشق حيث حزت الدرجتين الجامعيتين الأولى والثانية، ثم ذهبت مباشرة إلى جامعة أكسفورد ولم أجد أي توتر على الإطلاق بين ما عهدته من ثقافة في وطني وبين الثقافة التي بتّ أنهل منها في أكسفورد وبريطانيا بشكل عام. وبالتالي لا أؤمن بالتوتر ما بين الثقافات، أنا أؤمن بالتفاعل والاغتناء المتبادل فيما بين الثقافات.

** قد يكون الأمر على نحو ما ذكرت من جانب الثقافة العربية، ولكن الثقافة الغربية تبنت شعارات صدام الحضارات وصراع الثقافات وكتب مفكروها في ذلك؟
** لعلك تشير إلى مقولة صموئيل هنتنغتون التي ظهرت بداية في مقالته التي نشرها عام 1993 في مجلة فورين أفّيرز Foreign Affairs والتي وسعها فيما بعد في كتابه الذي نشره عام 1996. إن هنتنغتون مفكر سياسي ومتخصص بالعلاقات الدولية، وأفكاره تتخذ اليوم مطية لتحقيق المصالح الأمريكية في المنطقة العربية والعالم، وبالتالي فإنه فيما أرى لا يمثل الثقافة الغربية، إنه يمثل فكر شريحة أو طبقة سياسية معينة في الولايات المتحدة، أما إن شئت الحديث عن الثقافة الأمريكية فإن الثقافة الأمريكية ثقافة تعددية يسهم فيها أناس من أجناس وديانات وأعراق ولغات وثقافات وحضارات مختلفة، ومعنى هذا أن هذه الثقافة لا يمكن أن تختزل بما يطرحه شخص مثل هنتنغتون، وبالمناسبة ماذا فعل هنتنغتون؟ لقد أراد أن يقدم خدمة للطبقة السياسية الحاكمة في الغرب تطيل من عمر أيديولوجيتها، ولاسيما أن العدو الماركسي السوفيتي قد اندحر. ومن ثم فإن كل القوى التي كانت معبأة من أجل دحر هذا العدو انتفت الحاجة إليها. ولكن المؤسسة العسكرية المرتبطة بها والتي ترتبط بدورها ببنية هائلة من الصناعات الحربية، غدت مشكلة بالنسبة لدعاة المواجهة والحرب الباردة وسباق التسلح الذي قاد في النهاية إلى إفلاس الاتحاد السوفييتي وانهياره. فماذا يمكن أن تفعل الولايات المتحدة بها؟ هل تفككها؟ وهل تغلق كل مصانع الأسلحة وتسرح الآلاف من عمالها وفنييها؟ لقد كان عليها أن تخلق عدواً جديداً، وكان هذا العدو هو الإسلام، والعالم الإسلامي، وبالتالي تم طرحه عدواً بديلاً للخطر الشيوعي. والإسلام لم يكن في أي وقت معادياً للثقافة الغربية، لقد قام الإسلام في الأصل على نوع من العولمة التي احتوت وتمثلت جميع الثقافات السالفة. ولكن حل مشكلة المؤسسة العسكرية الغربية الذي اقتلرحه هنتنغتون هو أن يتخذ من الإسلام والمسلمين عدوا للحضارة الغربية مادام لا يمثل تهديداً عسكريا جدياً للغرب، وأن تعبأ الطاقات الغربية ويستخدم المال العام من أجل تعزيز الترسانة العسكرية لمواجهة الخطر القادم الذي يحل محل الخطر الشيوعي، وبالتالي هنتنغتون قدم خدمة للغرب بتقديمه مظلة فكرية لما يمكن أن يقدم عليه لاحقاً من مغامرات.
ونحن لا يمكن أن نماهي ما بين سماحة الإسلام من جهة وسماحة الثقافة الغربية المزعومة، ولا تنس أن الثقافة الغربية هي ثقافات ولكن فيها من القيم الإنسانية والمثل ما يجعلها ترباً للثقافة العربية-الإسلامية. غير أن علينا أن نفرق مابين الإدارة السياسية الأمريكية و الشعب الأمريكي، وما بين الإدارة البريطانية والشعب البريطاني، لقد خبرت الأوروبيين والأمريكيين على مدى طويل، والبشر بشر أينما كانوا، وعندما تقنعهم وتقدم له الوقائع يميلون إلى الحق، ولكن الذي يحدث أن في الغرب مؤسسة سياسية ذات صلة وثيقة بأرباب الصناعات الحربية، وتدعمها مؤسسة إعلامية تحاول أن تظهر الأمور بغير ما هي عليه، وبالتالي نراها تعبئ الجماهير ضد المسلمين والعرب، تعبؤهم ضد هذا الخطر القادم، ضد ما تسميه بالإرهاب الإسلامي، إلى آخر ما هنالك. أما الشعب العادي فليس له ناقة ولا جمل في هذه الحرب لكن هو يعبأ ويساق إلى دعمها. ولكن ماذا نفعل نحن بالمقابل؟ إن علينا أن نقدم أنفسنا كما نحن حقاً، أمة تحب السلام وتحب العدل والحقيقة وترغب في التفاعل والتعاون مع الأمم الأخرى، هذه هي ثقافتنا لكنها تشوه لأغراض سياسية واستراتيجية بعيدة المدى تحاول من خلالها القوى الاستعمارية أن تضمن مصالحها بتعبئة قواها ضد هذا العالم الإسلامي، لأنها ترى أن هذه الطريقة هي الطريقة الوحيدة لاحتواء العالم. يعني ماذا تريد أمريكا؟ أمريكا تريد السوق المفتوحة لمنتجاتها، والأيدي العاملة الرخيصة، والمواد الأولية الرخيصة، والنظم والقوانينَ البيئية المرنة، حتى تفعل ما تشاء، إن مايهمها أن تثمر أموالها، والعولمة هي الطريق، والعولمة تكفل لها ذلك، وكل من يقف في هذا الطريق عليه أن يتراجع أو أن يصبح عدواً لها وبالتالي للمصالح الغربية.

** لكن هنتنغتون ليس وحده، هناك الكثير من المثقفين الغربيين الذين اتفقوا معه في الهجوم على الحضارة والثقافة الإسلامية والعربية، والسياسيون الغربيون تبنوا هذه الأفكار ومنهم بابا الفاتيكان؟
** أولا الإنسان عدو ما يجهل، وهم يجهلوننا حقاً، والسبب أنهم اعتمدوا على ما يسمى بالاستشراق التقليدي من أجل فهمنا، يعني أنت عندما تريد أن تقرأ عن الإسلام والمسلمين والعرب تذهب إلى أقرب كتاب في متناولك، من الذي كتب هذا الكتاب برنار لويس، فؤاد عجمي وأمثالهما، أنت تستسهل المعرفة عن الآخر فتقرأ هؤلاء وهذه كلها كتب استشراقية محكومة بنوع من النظرة المشروخة للعالم بقسمته إلى شرق وغرب، والتمييز بين نحن وهم، ونسبة كل ما هو إيجابي إلينا نحن الغربيين ونسبة كل ما هو سلبي إلى الشرقيين، وهذا نوع من الرؤية المشروخة للوجود، العالم لا يمكن أن ينقسم إلى شرق وغرب، شرق سيئ وغرب جيد، هذا النوع من النظرة المشروخة للوجود فنّدها إدوارد سعيد وبيّن خطرها، طبعاً أنت إذا كانت لديك مصالح وإذا كانت هذه النظرة تسوغ هذه المصالح فأنت تتبعها بل تروّج لها. على سبيل المثال أنت إذا كنت تنظر للشرقيين على أن حياتهم وموتهم لا تعنيك كثيراً، فإنك لا تهتم بكل هذه الأعداد الوفيرة التي تستشهد كل يوم في العراق، يعنيك فقط عدد الجنود الأمريكيين لأنهم أمريكيون، وهذه نظرة عنصرية. إن الحياة واحدة سواء كانت شرقية أم غربية، ولكن أنت بوصفك مستعمراً، بوصفك إمبريالياً مستغلا للشعوب، بوصفك تحمل رؤية عدوانية تجاه المنطقة، لا يهمك عدد الشهداء من العراقيين، يهمك جنودك. وهذا غير مقبول إنسانياً.

** في ضوء هذه الرؤية ما تقييمك للدورين العربي والغربي في دعم ومساندة الحوار على الجانبين؟
** لقد كتبت في هذا الموضوع في أكثر من مناسبة، وأنا مسرور بسؤالك هذا. أنا أرفض الصدام، وغير مقتنع بالحوار إلا بوصفه أداة لما سميته بالشراكة، ماذا يمكن أن يفيد الحوار؟ الحوار ليس من أجل الحوار، إن علينا أن نتحاور مع الثقافات الأخرى، لكن هذا الحوار لا ينبغي أن يكون هدفا في حد ذاته، لا يمكن إن يكون الحوار من أجل الحوار فقط. علينا أن نحاور من أجل أن نصل إلى هدف. ما هو هذا الهدف؟ الهدف الذي كتبت عنه باللغتين العربية والإنجليزية في أكثر من كتاب ومجلة في أوروبة هو الشراكة؟ نحن نود أن نتخذ من الحوار وسيلة إلى أن نصل إلى إقامة الشراكة، هذه الشراكة ينبغي أن تكون مؤسسة على القيم والمثل، والشراكة لا تعني التساوي أو التكافؤ، أنت يمكن أن تكون شريكاً بجهدك العضلي، ويكون الآخر شريكاً بماله، يمكن أن تكون شريكا في الثلث وأكون أنا شريكاً بالثلثين، ويكون لكل منا حسب إسهامه، أي أنه يفيد من هذه الشراكة بمقدار إسهامه فيها وعمله من أجلها. العالم لديه من المشاكل والأوبئة والأمية والأمراض ما يجعلنا مجرمين إن لم نستغل الطاقات والمصادر والموارد التي نملكها من أجل حل هذه المشاكل بدلاً من إنفاقها على الأسلحة والحروب. إن علينا أن ننفق الموارد البشرية المتوافرة في عالمنا لحل مشاكل المرض المنتشر في إفريقية وآسية، و لمكافحة الفقر والأمية والجهل وأشياء أخرى كثيرة يعاني منها العالم، دبابة واحدة يمكن أن تبني عشرات البيوت. إن الغرب الذي يروج للهيمنة العسكرية ولإعادة التسابق على التسلح يحاول أن يشيع التوتر لأنه يود كما قلت أن ينفق الأموال العامة فيما يخدم سياساته، لكن هذه الأموال العامة ينبغي أن تنفق من أجل خدمة الإنسانية. وأحب أن أذكر هن أن علينا أن نشير في مقابل هنتنغتون، صاحب صدام الحضارات، السيناتور جون فولبريت، وكتابه quot;غطرسة القوةquot; The Arrogance of Power الذي خاطب فيه الشعب الأمريكي قائلاً: أنتم وصلتم إلى الذروة في الغنى والقوة الاقتصادية والعسكرية، عليكم ألا تنسوا رسالتكم في الوجود، عليكم أن تكونوا رسلا للمحبة والسلام والتقدم والتنمية، عليكم ألا تستخدموا هذه الطاقات من أجل الهيمنة والسيطرة على العالم، عليكم أن تؤدوا رسالتكم الإنسانية،. وللأسف هذا الكتاب لم تعد طباعته في أمريكا، ولكن على الأمريكيين والأوروبيين أن يقرؤوه ويعلموا أن الإنسان عندما يتمكن سياسياً أو عسكرياً، عليه أن يؤدي رسالة بهذا الذي يملكه بين يديه.
ما تقوم به الإدارة السياسية الحاكمة في الغرب، في الولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية، يخالف جميع القيم الأوروبية وجميع القيم الإنسانية التي عرفناها عن الغرب، وإني أعتقد جازماً أننا لو أجرينا استفتاء حراً بعيداً عن تأثير وسائل الإعلام لدى الأوروبيين لقالوا نحن براء من بوش وبلير وكل هؤلاء الذين يدعون إلى إهدار الطاقات والموارد البشرية في الحروب، إنهم يتحدثون،على سبيل المثال، عن المشكلات الهائلة الموجودة في الشرق الأوسط، ولو أن هذه الأموال التي أنفقت في حرب العراق الأولى والثانية والثالثة، لو أن هذه الأموال أنفقت من أجل حل مشاكل التنمية في هذه البلدان لتحولت المنطقة إلى عالم آخر، إلى جنة الله على الأرض.

** كيف يمكن تحقيق هذه الشراكة التي أشرت إليها وشعوب الجانبين في حالة تعتيم وجهل؟
** هناك دائما في أي حملة طليعة تقود، العلماء والمفكرون من كلا الطرفين هم الطليعة في هذه العملية، ولذلك أنا كتبت عما أسميته الشراكة المعرفية ودعوت إليها في الوطن العربي والغرب معا.، الشراكة ليست بناء أنظمة سياسية وليست بناء أنظمة اقتصادية، الأنظمة السياسية والاقتصادية تبحث عن المصالح وكل منهما يود أن يهيمن على الآخر، لكن العلماء والمفكرين والأدباء، منتجي المعرفة في كلتا الثقافتين، يمكن أن يقوموا بالدور الطليعي ويؤسسوا لهذه الشراكة المبنية على القيم والتي تتجاوز البنى السياسية والاقتصادية القائمة. في النهاية نحن لسنا أعداء للغرب، والغربيون، إذا استثنينا الطبقة السياسية والعسكرية والاقتصادية، ليسوا أعداء لنا. علينا أن نؤهل هذه الطليعة للقيام بهذا الدور الذي يؤسس لشراكة معرفية قائمة على المعرفة والقيم الإنسانية والمثل التي يحيا بها الإنسان وتتقدم بها الإنسانية.

** كيف؟
** عليك أن تنشط مؤسساتك، ماذا تفعل جامعاتك؟ ماذا تفعل مؤسسات البحث العلمي لديك؟ ماذا تفعل نقاباتك المهنية؟ ماذا يفعل المهندسون والأطباء والفنانون والأدباء والأكاديميون والعلماء؟ هؤلاء إذا ما تفاعلوا مع نظرائهم في العالم الغربي يمكن أن يغيروا المشهد السياسي والثقافي والفكري كاملاً. كان العرب دائما يظنون أنهم إذا ما أقنعوا البيت الأبيض بعدالة قضيتهم فسوف يحصلون على شيء ما. ماذا حصل العرب من مخاطبة النخبة السياسية في الغرب منذ عام 1948 وحتى الآن؟ لا شيء، بل بالعكس كانوا يجبرون دائماً على تقديم تنازلات. لو أنهم فعلوا ما فعله شعب جنوب أفريقيا لحققوا الكثيرز ما الذي فعله شعب جنوب أفريقيا؟ لقد أقنع العالم كله بعدالة قضيته ولكن على مستوى الشريحة الاجتماعية الدنيا، أقنعه أن قضية الفصل العنصري قضية أخلاقية لا إنسانية فقط لا يمكن للبشر أن يقبلوا بها، ولذا أجمع العالم كله على أن هذا النظام ينبغي أن ينتهي وقد انتهى بالفعل. إن علينا نحن أيضا أن نجعل من قضية فلسطين قضية أخلاقية ونخاطب العالم كله على أنها قضية لا يمكن أن يقبل بما سببته من ظلم وقهر وتشيد للشعب الفلسطيني لأنها منافية للأخلاق وللإنسانية معاً، وعندها نكسب المعركة. البيت الأبيض لن يتغير لأنه مرتبط بالمصالح وكذلك تن داون ستريت والإليزيه وكذلك الشأن في المؤسسات لن يتغير الدولية لأنها مرتبطة بمصالح الشركات الكبرى، الشعب الفرنسي قابل لأن يصبح صديقا للعدالة والحق والحرية وكذلك الشعب البريطاني والأمريكي أيضا لكن عليك أن تنشط مؤسسات المجتمع المدني الموجودة لديك حتى تكسب هذه الشعوب إلى صفك.

** هل المثقفون العرب في ظل الأوضاع الحالية التي تشهدها معظم البلدان العربية مؤهلون للقيام بهذا الدور؟
** هم مؤهلون إذا ما كانت لديهم الشجاعة والكفاءة والإخلاص، الشجاعة في قول الحق، والكفاءة في تقديم الحقيقة، وليس المصلحة الشخصية، والإخلاص لثقافتهم وأمتهم وليس لنظام سياسي محدد. أنا ابن هذه الأمة ولست ابنا لنظام سياسي معين، هذا ما ينبغي أن أرى نفسي فيه، هذا هو الموقع الذي يمكن أن أحدده لنفسي، عندما يكون لدي الشجاعة للإفصاح عن ضمير الأمة وليس عن ضمير مصلحتي أنا، أو عن ضمير النظام الذي أؤيده، عندها صوتي يسمع. عندما أكون كفؤاً لما أزعمه لنفسي، عندما أقدم عملي بما يليق من الجودة والإتقان أستطيع أن أسهم، عندما أكون مخلصاً لهذه الأمة، مخلصاً لقضاياها وأهدافها الإستراتيجية أستطيع أن أقدم الكثير، أما إذا كنت أنا أفكر فقط في مصلحتي وبالنظام الذي ارتبط به والأمور الدنيوية الأخرى فأنا بالتأكيد لن أقدم شيئا لهذه الأمة.

** في ضوء هذه الرؤية للعلاقة مع الغرب هل يعني ذلك أن مشروعات الترجمة قد فشلت في تحقيق شراكة ما بين الثقافتين العربية والغربية؟
** هي لم تحقق النجاحات المطلوبة والسبب هو التالي: المؤسسات الحكومية العربية العامة مرتبطة بالسياسات العامة لأنها تعتمد على الأموال العامة، والمؤسسات الخاصة جزء كبير من جهودها ينصرف إلى تحقيق الربح، وهذا هو شأن القطاع الخاص دائماً. الترجمة رسالة تفاهم ومحبة وتواصل وهذه لا يمكن أن يقوم بها إلا شخص مدعوم بمؤسسة يؤمن بهذه المبادئ والقيم والمثل الإنسانية. على سبيل المثال نقابات الأطباء في الوطن العربي يمكنها القيام بعبء ترجمة المراجع المهمة في الطب بمختلف تخصصاته، نقابات الهندسة تستطيع فعل ذلك وكل نقابة مهنية تستطيع أن تسهم بما يحقق أهدافها المهنية والوطنية والقومية والإنسانية في آن معا. لكن المؤسسات العامة التي تمول من قبل الحكومة تتبنى ماتراه هذه الحكومة، وهذه الحكومة لها نظام ورؤية وأهداف خاصة بها، وبالتالي فإن هذه الترجمات تكون مرتبطة بهذه الرؤية. العمل الثقافي شيء والعمل السياسي شيء آخر، يعني رئيس الدولة مرتبط بعلاقات سياسية ودولية، قد يجبر أحيانا على أن يقدم تنازلات معينة وأحيانا يجبر الآخرين على تقديم تنازلات أو يتخذ هذا الموقف أو ذاك كما تقتضي الظروف أو موازين القوى. الثقافة ليست تابعا مرناً جدا للسياسة. عندما يضطر نظام معين إلى عقد صلح مع دولة معادية نتيجة الظروف السياسية والعسكرية والاقتصادية لدولة ما، هل أنا مجبر أن أتبع خطاه وأقيم صلحا بيني وبين هذا العدو الذي لا زال يحتل أرضي؟ أنا لا أستطيع فعل ذلك، ومن هنا فإن علينا أن نميز ما بين السياسي والثقافي، الثقافي هو مسألة تخص الاستراتيجية، والسياسة مسألة تتصل بالتكتيك.

** لكن ذلك لا يمنع تداخلهما أقصد تداخل الثقافي والسياسي؟
** لكن عليك أن تعرف هدفك البعيد، السياسة هي فن الممكن، والثقافة فن الطموح الإنساني غير المحدود.

** هل يعني ذلك أن الثقافة العربية تقع الآن في قبضة السياسة؟
** من المؤسف أنها تابعة للسياسة إلى حد ما، وهذا وضع أظن أنه لا يليق بتاريخ الأمة، ينبغي للثقافة أن تقود، لكن كما قلت الثقافة المؤهلة للقيادة هي الثقافة الشجاعة والتي تتمتع بالكفاءة والإخلاص. هذه أمور مهمة جداً في رأيي، وينبغي علينا - نحن العرب-ألا ننسى التاريخ المجيد لهذه الأمة وأن نؤمن بأننا قادرون على استعادة هذا المجد الغابر بالعمل والجد والمثابرة. الأمم لا تبنى هكذا، كم ضحى آباؤنا وأجدادنا، انظر إلى ما فعله آباؤنا وأجدادنا في مختلف المجالات، انظر إلى شجاعتهم وإخلاصهم وما كانوا يكابدونه من مشاق وما ينفقونه من مال في سبيل العلم، وماذا نفعل نحن؟ نحن نود للقمة الخبز أن تصل إلى أمعائنا دون أي جهد منا، لقد وصلت بنا درجة (التنبلة) أننا نريد لغذائنا أن يصل إلينا بملعقة من ذهب ذات ساعد طويل تسقطه مباشرة في أمعائنا، حتى لا نتعب أنفسنا بمضغه.

** كيف تقيم تفاعل حركة النقد العربي مع نظيرتها الأوروبية، هل كانت هذه الحركة مجرد ناقل خاضع كما نرى في تنظيرات جل نقادها؟
** أولا أود أن أشير إلى أن التفاعل بين الثقافات سنة كونية، ونقدنا العربي الحديث تفاعل مع النقد الغربي بشكل خاص، وهذا طبيعي لأن معظم الأجناس الأدبية الحديثة استلهمناها من أدب الغرب. ومن الطبيعي أن نلجأ إلى التراث النقدي المرتبط بهذا الأدب عندما نتعامل مع أدبنا الحديث المستلهم من الأجناس الأدبية الأوروبية. الآن أنت، في تفاعلك مع الأمم الأخرى، أمام طريقين إما أن تسلك طريق التقريد (من تقريد القردة) أي التقليد الأعمى الذي لا يعي ما يفعل، اوأن تلجأ إلى التقليد الطبيعي، كلنا يقلد الآخر، لكنه التقليد الواعي الذي يحاول أن يفيد ويتعلم ثم يغتني ويفيد من هذاكله في تدبر مشكلاته وأموره في مختلف وجوه الحياة. ماحدث أن كثرة كاثرة من النقاد العرب ظنوا أن المفتاح السري للتقدم في ميدان النقد أن يقرؤوا النقد الأوروبي ويطبقونه بشكل آليٍٍ على النص العربي، وهذا مقتل للممارسة النقدية. القاعدة الذهبية في النقد أن النص هو الذي يملي قواعد نفسه ونقده، إن على النقاد العرب أن ينطلقوا دائماً من النصوص الأدبية العربية ذاتها مستفيدين ومسلحين بالثقافة النقدية التي اكتسبوها من المواريث النقدية الأخرى. إن الناقد الذي قوّى نفسه وحسه وطاقته النقدية بالموروث الغربي ثم تدبّر النص العربي حقق في الغالب نجاحات مهمة، بل نجاحات كبرى، والذي غدا أسيراً لما قبس عن الآخر، مكبلاً بمقولاته قدم نقدا آليا لم يفد لا الأدب ولا القارئ العربي. هذا هو حالنا في الحقيقة. ولذلك تجد أن الإسهام النظري العربي محدود وهو مشتق وتابع للنقد الغربي، أما في ميدان التطبيق فأعتقد أن لدينا من النقد التطبيقي ما يضارع أي نقد آخر في العالم، إذا ما كان قد مورس من جانب نقاد تسلحوا بالثقافة النقدية المعاصرة التي ليس لها دين ولا دولة ولا لغة ولا هوية، وأفادوا منها في تدبر نصوصهم، نصوص أدبهم العربي القديم والحديث.

** بمناسبة الحديث عن علاقتنا بالنقد الغربي كيف ترى علاقة الشعر العربي الحديث بمثيله الغربي في ظل اتهامات متعددة لعدد من الشعراء الكبار والأجيال الجديدة بالنقل والاستلهام من التجربة الغربية؟
** كما قلت التفاعل مهم وهو سنة من سنن الحياة، لكن الخيار هو بين التقليد والتقريد، أنا مثلا أذهب إلى بيتك فأجد فيه شيئا مفيدا لي فأفيد منه وأقلده، هذا شيء طبيعي لأنه يخدمني، لكن أن آتي إلى شيء لا أفهمه وأقلده، هذا تقليد أعمى، وهو شيء مرفوض. ما جرى أنه ونتيجة حركة ترجمة الشعر من اللغات الأوروبية المختلفة إلى اللغة العربية، التي كانت تتم في الغالب نثراً، غدا الناس يقرؤون هذا الشعر المترجم، ويرون أنه شعر جميل حتى بعد الترجمة، فحدثوا أنفسهم بمحاولة تقليده. لكن نحن لنا تقاليدنا الشعرية العريقة المرتبطة بالقافية والوزن. وهكذا حاولوا التحرر من القافية في البداية ثم من الوزن التقليدي المعروف، باعتماد التفعيلة، رغبة في أن يصبح الشعر العربي جزءا لا يتجزأ من المتن الشعري العالمي.هذا عمل فيما أرى لا غبار عليه إن كان مؤسساً على المعرفة والوعي بما يفعله أحدهم. ولكن إن كان هذا العمل مبنياً على التقليد الأعمى فهو بالتأكيد لن يؤدي إلى خير، لا لهذا الأدب، ولا لهذه الأمة. ومن المؤسف أن الكثيرين ممن يقومون بهذا العمل لا يؤدونه بالوعي الكافي وبوضوح الهدف الكافي وبالإخلاص والدأب والمثابرة التي يتطلبها، تلاحظ مثلا الآن أن شاعراً لم ينه العقد الثالث من عمره قد نشر عشرين مجموعة شعرية، في حين إن شعراءنا العرب الكبار كانت دواوينهم محدودة. كلما كتب شيئا راقه أطلق عليه قصيدة وعذبنا بها. الشعر في حاجة إلى تأن وإخلاص، إنه عمل وتدقيق. ت س إليوت، الذي غيرت قصيدته الأرض اليباب مجرى الشعر العالمي كله، عندما كتب قصيدته أرسلها إلى الصانع الأمهر إزرا باوند فنقحها له وحذف منها ما يقرب من ستين في المائة ثم أعاد نشرها. ماذا يفعل شعراؤنا العرب، هل يمكن أن يقبلوا بحذف سطر واحد من قصيدة يكتبونها. إليوت الذي غيرت قصيدته مجرى الشعر رضي بأن يحذف إزرا باوند أكثر من نصف قصيدته وأهداها في النهاية له، بعد أن نعته بالصانع الأمهر. وهذا درس كبير لنا. إن العبرة في الإتقان والإخلاص. هل يتقن شعراؤنا عملهم؟ هل يتقن نقادنا عملهم؟ هل يتقن أدباؤنا بشكل عام عملهم؟ أعتقد أنهم متعجلون.. متعجلون..

** في ضوء هذه الرؤية وكأستاذ للأدب المقارن كيف ترى المشهد الشعري العربي عامة والمشهد الشعري السوري خاصة؟
** أعتقد أن تقييم أو تقويم المشهد الشعري العربي بحاجة إلى فريق من المقومين، وكذلك الشأن بالنسبة للمشهد الشعري في سورية، لكن أقول لك إن قلة قليلة من الشعر العربي في الوطن العربي عامة وقلة قليلة من الشعر العربي المنتج في سورية يغريني بالقراءة، إن وقتي ضيق جداً ويهمني أن أقرأ ما هو جدير بالقراءة، هناك الكثير من الغث، ولكنّ هناك أيضا سميناً وثميناً جدا أسعد به وأقرؤه، ولكنه كما قلت أقل مما ينبغي والسبب هو هذه العجلة. لا أستطيع أن أذكر لك الأسماء ولكن أستطيع أسمي قصائد بعينها، وبين الحين والآخر كنت أقرأ في الكرمل، ومن المؤسف أنها توقفت، وأقرأ في مجلات الآداب والمعرفة السورية والموقف الأدبي، وإبداع، قبل أن تتوقف، وأظنها ستعاود الظهور فيما علمت من الأستاذ أحمد عبد المعطي حجازي. ومن قبل كنت أقرأ في مجلة القاهرة وبعض المجلات اللبنانية والعربية مثل الحياة الثقافية في تونس. بعض هذه الدوريات ينشر فيها إبداعات مهمة جداً، وأعتقد الآن أنك تستطيع القول بلا تردد إن أفضل ما ينشر من شعر عربي غدا جزءاً من متن الشعر العالمي: صلاح عبد الصبور وأحمد عبد المعطي حجازي ومحمود درويش، وأدونيس، وسعدي يوسف، ومحمد الماغوط، ونزيه أبو عفش، هؤلاء لم يعودوا شعراء للعرب وحدهم، هم شعراء في الحقيقة ينتمون للإنسانية.

** وماذا عن الحركة الثقافية السورية وتقييمك لنشاطها وحيويتها؟
** كما قلت هذا التقييم لا يمكن أن يناط بشخص واحد وفي هذا الحيز، لكن بشكل عام الحركة الثقافية في أي بلد تتراءى من خلال المؤسسات التي ترعى الإنتاج الثقافي، والحقيقة أن المؤسسات التي ترعى الإنتاج الثقافي السوري عديدة: وزارة الثقافة، اتحاد الكتاب العرب بدمشق،، مجمع اللغة العربية، الجامعات الخمس الموزعة في كل سوريا، النوادي الأدبية والثقافية لمختلف النقابات المهنية، المجلات والدوريات، وهناك سلاسل الكتب ودور النشر المختلفة، كل هؤلاء يسهمون في عملية الإنتاج الثقافي. ما ينقص هذه الحركة بشكل عام هو الهدف الاستراتيجي، يعني ليس هناك تنسيق كاف ما بين هذه المؤسسات، ليس هناك من خدمات متبادلة بينها، كل يعمل ضمن خططه ورؤيته للحركة الثقافية، وهذا طبعاً يضعفها. فالتعاون بين هذه المؤسسات ومحاولة الارتقاء دائما بمستوى ما تنتجه كل منها مسألتان مهمتان جداً ينبغي أن تؤخذا بالحسبان في أي تطوير للثقافة في سورية وفي سواها من الدول العربية.

** والثقافة العربية بشكل عام كيف تراها؟
** على الرغم من كل الحدود السياسية القائمة اليوم بين الدول العربية، و على الرغم من دعاة النظرة الإقليمية الذين ينعقون بما لا يتبينون خطره القريب والبعيد، و على الرغم من تفاوت المصالح ما بين النخب السياسية الحاكمة في مختلف الأقطار العربية، هناك ثقافة عربية متقدمة بالقياس إلى تخلف العرب السياسي والاقتصادي والعسكري. إن الثقافة العربية بخير، وهي وحدة متكاملة ليس بينها فواصل، هناك أحيانا بعض مظاهر النشاز كما في العزف السيمفوني ولكنها لن تؤثر على المقطوعة الكبرى التي يسهم من خلالها العرب كلهم في الثقافة العالمية. وعلى مستوى الأدب أعتقد أن الأدب العربي بدأ يشق طريقه وبقوة في مجرى الآداب العالمية، والأدب العربي الحديث الآن هو جزء من متن الأدب العالمي الحديث، ولاشك أن فوز شيخ الرواية العربية نجيب محفوظ بجائزة نوبل قد ساعد في ذلك. وأحب أن أذكر هنا في هذا الموضع، الجهد الكبير الذي قام به الأساتذة العرب في الجامعات الغربية وأخص بالذكر منهم أستاذي الدكتور محمد مصطفى بدوي الذي استطاع أن يخرّج عدداً كبيراً من أساتذة الأدب العربي الحديث توزعوا في كل أنحاء العالم وخدموا قضية الأدب العربي، ولاسيما في العالم الناطق بالإنجليزية، وأسهموا في الترويج لهذا الأدب وفي انتشاره، ولو كان لنا أكثر من مصطفى بدوي لكان حال الأدب العربي أفضل بكثير مما عليه الآن.