مالك المطلبي.. يحفر في ذاكرة اللاوعي: حكاية اول بنطلون في (الحلفاية)!!

عبد الجبار العتابي من بغداد: اسمه.. لوحده يكفي الى ان يشد احدنا الرحال الى اصبوحة او محاضرة او مكان يتحدث فيه، فالرجل يضفي على الامكنة مناخا رائقا وجمالية مميزة، هذا هو الدكتور مالك المطلبي الذي كان ضيف اتحاد الادباء والكتاب في العراق في اصبوحة بغدادية حرص الكثيرون على حضورها وان لم يكن لها أي اعلان في الصحف، جاء المطلبي متأبطا كتابه الصادر حديثا والذي يحمل عنوان (ذاكرة الكتابة / حفريات في اللاوعي المؤمن) المحتفى به وبصاحبه، وحين اصبح المطلبي على المنصة ذهب ليوجز اولا ما في كتابه ومعنى العنوان الذي وضعه له قائلا: حاولت في الكتاب الالتفات الى الماضي، وجدت ان هناك طاقة فنية في الاحداث الواقعية في الماضي، لكنها مادة (خام) حاولت ان استثمرها ليس كما يستثمرها الرجل الفطري، وحاولت ان اخضع هذا الفن الفطري وهذه هي العودة الى الواقع، اتحدث هنا عن سرد فني مطمور داخل الواقع، فلو تحدثا عن قصيدة شعرية، يعني هناك نصوص داخل الواقع، وعندما تخرج كما هي ساخنة نسميها فنا فطريا، انا ازعم ان هذه الخامة الفنية كانت عجينة وخارج توقعي واستثمرتها لانتاج هذا الكتاب، مشيرا الى: ان كل ما تقرأه في الكتاب هو وثلئق مستلة من الذاكرة، كل شيء فيها حقيقي، الاسماء والاشياء والاحداث، والزائف الوحيد هو اللغة، معنى هذا اننا نرى (لوري) يحمل (رقي) فأن اللوري يحمل شكل الرقي، وهنا سلطة اللغة موجودة، لان اللغة لها مطاليبها الرهيبة، انا آخذ الوئيقة وادخلها في كتاباتي، والكتاب فيه سرد ولكن كلما تمدد كنت اقمعه، كلما نمت الحكاية او دخلت في شرك المبنى الحكائي اقمعها بتفاصيل او قطع.
مالك المطلبي حكى عن ما تناوله كتابه، عن قريته (الحلفاية) التي ولد وعاش فيها، والقرى الاطراف لها، مؤكدا ان المكان الاول لكل انسان له سحر خاص، ثم جاء الى بغداد ليتحدث عن مقاهيها التي تحاول الان ان تندثر بعد ان قامت مقاهي الانترنت بمهاجمتها، ةتحدث عن فنادقها وكيف كان لكل محافظة عراقية فندق محدد في بغداد يذهب اليه سكانها ويحمل اسمها كما شرح عن (فندق العمارة الدولي) وتوقف غند كلمة (الدولي) كونها تمثل تجاور ملفق وصادم مع ثمن المبيت لليلة واحدة (سعر المنام خمسين فلسا)، وتحدث عن تفصيرت عديدة كانت تشد الحضور اليها، منها العلاقات بين الناس هناك بين مختلف الطوائف، لاسيما بين المسلمين والصابئة،وكيف انه (تعمد) على طريقتهم الخاصة، فالصابئة يعدون المسلم (نجسا)، والمسلم يعد الصابئي (كافرا)، وكبف انه ذات مرة شعر بالعطش الشديد مع (دقة) الجرس وكيف اسمى ذلك بـ(المأساة القدرية)، وكان هناك ثلاثة (حبوب) للمسلمين وواحد للصابئة وانه وجد الثلاثة ناشفة والماء يقطر من (حب) الصايئة، حيث ان الخط الاحمر في نفسه (العقيدة) اشتعل، يقول (صكيت) عليه، انفصلت عن الكون، صرت من جنس (الكفار)، وحكى كيف انه حينما ذهب الى البيت اخبر والده الذي راح (يؤذن) على حد تعبيره، اي يصرخ كأن الكارثة حلت، وجاء اعمامي وحملوني الى النهر، ونقعوني بالماء سبع مرات وهم يصيحون (اللهم صل على محمد وآل محمد)، وعلق المطلبي للنهر عند الصائبة بنية رمزية، بينما لدينا نحن المسلمين تطهير عادي، وواصل الكتور المطلبي حديثه، حتى اذا ما وصل الى الحديث عن (اول بنطلون في قريته الحلفاية) واشار اليه اشارة بسيطة، دعاه فاضل ثامر رئيس الاتحاد ان يسهب في تفصيلات الموضوع، فكان ذلك، قال المطلبي: (اول بنطلون في الحلفاية تأسس على يدي، ففي القرية كان هناك (70) بنطلونا، منها (40) للادارة و(30) للمعلمين، ذات مرة قال مدير المدرسة للتلاميذ: الذي يلبس بنطلون اعطيه جائزة، انا سيطرت علي فكرة الجائزة، ذهبت الى البيت وقلت لابي: اريد بنطلون، قال: سنذهب يوم الخميس الى العمارة، قلت له: لا.. (باجر.. اريده)، فأرسل الى (راضي الخياط) واجبره ان يخيط لي بنطلونا، وبدأ يخيط واستمر به لمدة عشر ساعات وانا (مكنبص) امامه، حتى اعطاني اياه في الساعة العاشرة ليلا، وعندما استيقظت في الصباح، اكتشفت ان البنطلون ناقصا لعدة مكملات، كالازرار والحزام والحذاء والقميص، وما لدي فقط البنطلون!!، واشتغلت الام، الدشداشة صارت قميصا، والحزام كان خيطا، والحذاء من نوع (الكيوة) وطلعت في (الحلفاية) وكنت كأنني نازل من المريخ، كنت اختلف في المشهد عن الناس الذين تجمعوا علي، وحينما وصلت المدرسة فلاول مرة اشاهد (الفراشين) يضحكون، فأخذني رئيسهم الى المدير الذي اراه لاول مرة وجها لوجه، ضحك المدير قال: انت ابن (حجي) يوسف، قلت: الجائزة، صار يضحك، كان له بطن يهتز، صاح على المعلمين، (30) معلما ألتموا علي ّ، واحد قال نرسله الى مدير المعارف، واحر قال: نصوره، قال المدير: لاتذهب الى الصف، ذهبت الى الساحة، وعندما دق الجرس زحف علي (500) طالب، وكان بينهم شقاة، شالوني، نزعوا البنطلون، سادية رهيبة كانت، خرقوا نظام المدرسة لاول مرة، وانا مرفوع على الاكتاف بلا بنطلون، واحدهم كان يهزه بيده، وهذا اخر مشهد شاهدته.