د. هـ. لورنس

ترجمة جمال مصطفى


ثعبان ٌ جاء الى حوضي-
في يوم شديد الحرارة
وأنا بالبجامة من الحر-
ليشرب

في ظل عتمة شجرة الخرنوب العميق
ذي الرائحة الغريبة

وكنت انزل السلم حاملا جرّتي
و عليّ ان انتظر: اقف وانتظر
لأنه كان على الحوض قبلي

نزل
في عتمة ٍ
من شق في السور الترابي
وهو يجرجر بطنه الصفراء البنية المتراخية
على حافة الحوض الحجرية
وقد أراح بلعومه على قاع الحجر

حيث كان الماء
يتقاطر نقيا ً من الحنفية

احتسى بفمه المستقيم


برقة ٍ شرب بلثتيه
وتدافع(الماء) عبر
جسده الطويل المتراخي
بصمت.

أحدٌ ما كان قد سبقني
الى الحوض
وأنا كمن جاء تاليا
انتظر.

رفع رأسه عن الماء
كالماشية التي تشرب
ونظر اليّ بغموض
كما تفعل الماشية التي تشرب
مـُلــَعـِّبا ً لسانه المشطور
مستغرقا ً هنيهة
ثم طأطأ وشرب جرعة اخرى

كونه البنيّ كما الأرض ،الذهبيّ كما الأرض
من احشاء الأرض المتقدة
في
يوم ما من تموز
في صقلية
و(بركان) إتنا يصّاعد منه الدخان

المتعلمّ في داخلي: يتوجب قتله
ففي صقلية
الثعبان الأسود لا يؤذي
الذهبي هو السام

أصوات اخرى:
إن كنت رجلا
خذ عصا، قطعه اربا الآن
واجهز عليه

لكن علي ان اعترف
كم اميل اليه
كم كنت فرحا به كضيف
بهدوء جاء
ليشرب من حوضي ويغادر
مسالما
غير آبه ٍ ولا ممتن
الى احشاء الأرض الموارة

أكان جبنا انني لم اجرؤ
على قتله
أكان شذوذا ً انني رغبت في ان
اتحدث معه
أكان من التواضع ان احس
بكل هذا الامتياز
أنا شعرت بكل هذا

وما زالت ثمة اصوات:
لو لم تكن خائفا لقتلته
وكنت خائفا فعلا
لا بل مرتعبا
حتى والأمتياز المشرف
هو الطاغي
فقد
سعى لأستضيفه
من خارج باب الأرض السرية المظلم

شرب حتى ارتوى
ورفع رأسه حالما ً
كـثمل
محرّكـا ً لسانه في الهواء
ليلا ً مشطورا ً
يالسواده
ليلعق شفتيه على ما يبدو
ونظر الى ما حوله كأنه إله
لامرئي
في الهواء
وبطيئا ادار رأسه
وبط ي ئ ا مرارا وتكرارا
كما لو كان مستغرقا ً
في حلم
شرع في سحب طوله
المنطوي
متسلقا مرة اخرى الجانب المتصدع
من واجهة الحائط

وما ان وضع راسه
في ذلك الثقب المفزع
كما لو انه ينسحب بأناة
رافعا مقدمته
وهو يتغلغل
تسلطت الآن علي ّ عودة مؤخرته:
مسّ ٌ من الرعب
مسّ ٌ من الأحتجاج
على انسحابه الى ذلك الثقب الأسود المريع
رزينا ً ولج الى العتمة ساحبا طوله خلفه

نظرت الى ما حولي واضعا جرّتي
ملتقطا خشبة ما
راميا اياها بجلبة على الحوض
لم تصبه اظنها
لكن فجأة ارتعش ذلك الجزء المتبقي من طوله
خارج الثقب
بحركة مهينة في الهواء
وغاب في الثقب الأسود
بين شفتي الشق الترابي من مقدمة الحائط
في الظهيرة اللاهبة وكنت احدق مذهولا

سرعان ما ندمت
وفكرت كم هو شائن وسوقي
هذا التصرف المبتذل
كرهت نفسي وكرهت تلك الأصوات اللعينة المتثاقفة
الصادرة عني
فكرت بطائر(الباتروس)
وتمنيتت لو يعود
ثعباني

لأنه بدا لي أ يضا كملك
ملك في المنفى
مخلوع التاج في العالم السفلي
وقد وجب الآن تتويجه ثانية

وهكذا ضيعت فرصتي مع واحد من ارباب الحياة

ولديّ ما اكـَـفـّـرُ عنه
الخساسة.