عبد الجبار العتابي من بغداد: إذا كان شارع المتنبي هو الساحة التي تشهد إقبالاً ملحوظًا على شراء الكتب، لا سيما في كل يوم جمعة، وتتفاوت عنده درجات الشراء بحيث لا يمكن الحصول على رقم محدد، إلاأن المكتبات الكبيرة في بغداد والأشهر ما زالت قائمة عبر السنوات الطويلة، وهذه المكتبات يعرفها عشاق القراءة ويعرفون الطريق إليها، ولها روادها من القراء، لذلك هي على الرغم من الظروف المعروفة في بغداد، إلا أنها تواصل فتح ابوابها ونشر كتبها بذات المنظر الذي اعتاده الناس، وان تقلصت ساعات عملها الى خمس على الاكثر، وبالإمكان من خلال هذه المكتبات التعرف على طبيعة العلاقة ما بين الكتاب والقارئ، ذلك القارئ الذي يمكن تسميته بالقارئ المثقف وليس الطارئ الذي يشتري الكتاب المعين لضرورة ما، من هنا كانت جولتنا في اشهر وأقدم وأكبر أربع مكتبات في بغداد، والتي كانت عامرة بالكتب، مختلف الكتب، من القديم الذي يمتد لسنوات بعيدة الى الحاضر، سواء العراقية منها أو العربية أو الإجنبية، كتب تشرئب بأعناقها على الرفوف او المناضد وتغطي مساحات كبيرة، راسمة لوحة ممتعة للعين، في الاوقات التي امضيناها في هذه المكتبات التي لا يعمل فيها إلا واحد او اثنين، لم يلفت انتباهنا الداخلون والخارجون منها، بل ثمة عدد قليل جدًا، يتطلع في الرفوف ومن ثم يسأل عن السعر ويمضي، ولا اقول عن كتاب لان ما تزخر به هذه المكتبات يؤكد وجود أي عنوان يطلبه القاريء، وكدت اقول ان الوضع المادي يضع نفسه حاجزًا بين القارئ والكتاب، ولكن لم أجد هذا سببًا رئيسيًا، لذلك حاولت أن استطلع من اهل هذه المكتبات عن احوال الكتاب كونها تمثل القياس الحقيقي لسوق الكتاب.
ولا اخفي أن خطوتي الاولى كانت تجاه مكتبة (المثنى) لكنني وجدتها مغلقة، وشعرت بالحزن لما آلت اليه حالها، والاغلاق الذي اتشحت به اضفى على المكان وحشة وكآبة.
وقفتي الاولى كانت عند مكتبة المدى، ولا اخفي سعادتي وانا اشاهد اللوحات الكبيرة لأغلفة الكتب المعلقة على الجدران، وسرعان ما رحت اسأل عن مدير المكتبة لاعرف منه ما جئت ابحث عنه، قال السيد باسم ناصر مدير المكتبة الذي وضعت امامه اسئلتي: ابيع في كل يوم نحو (50) كتابًا، والاشهر الثلاثة الاخيرة افضل من التي سبقها، واعتقد ان في عملية البيع والشراء نسبية، وهي تتحدد بعدة امور منها الوضع المالي للقارئ، والوضع الامني العام، وإن صح ان نقول التغيير الموسمي للقراءة، فهناك عدة امور منها الموسم الدراسي، والشتاء اكثر اقبالاً واعتقد ان هذا خاضع لوضع نفسي ربما للهدوء الذي فيه ولأن مشاكل الحياة فيه اقل، روادنا من طلبة الصفوف المنتهية والدراسات العليا الذين يبحثون عن مصادر، واضاف: لا يوجد تحديد معين للاعمار، ولكن الشباب بدأوا ولو على خجل بالتردد على المكتبات للشراء وللسؤال عن عناوين، وهذا يبشر بالخير، وهؤلاء نسبتهم من (20-30)، ومفرح ان يحاول بعض الشباب تأسيس منهج للقراءة، وكما اؤمن ان الكتاب يبقى ولا بديل عنه، لا الانترنت ولا اي وسيلة من وسائل التقنية الحديثة ولا الفضائيات، لان الكتاب له طقوس ويدخل فيه العامل النفسي، ومن خلال وجودي في المكتبة يمكن ان اقول لك ان المدة السابقة اصبحت كافية لكي يتعرف الشباب على هذه الوسائل وان لابد من العودة الى الكتاب.
وحول الكتب المطلوبة اكثر قال: حاليا بدأ الطلب على الكتب الدينية ينحسر بعد ان كان سوقها رائجًا، وهناك اقبال على الادب بشكل عام وقراءات السيرة من الزمن المعاصر وليست التاريخية، وخلال الاشهر الاخيرة كانت اكثر مبيعاتنا لكتب هادي العلوي التي نفذ بعضها، وغائب طعمة فرمان وفؤاد التكرلي واحمد خلف لا سيما روايته (حامل الهوى) التي سجلت طلبًا جيدًا، اضافة الى كتب العلامة علي الوردي التي عليها طلب دائم، اما العالمية فهناك طلب على كتب ماركيز الذي يتصدر اللائحة ومن ثم ديستوفسكي وهرمان هسه، واستطرد: اما الكتب السياسية فالطلب عليها نادر، وكذلك كتب قراءة الكف والسحر و(اداموس) واعتقد السبب في الظروف السياسية المبهمة التي تزيد من مبيعاتها كما كان في السنوات الماضية.
* اما السيد عبد الكريم عبد الرزاق، صاحب (المكتبة العالمية) التي كانت فيها وقفتي الثانية والذي كان يحمل على عاتقه علاقة بالكتب تمتد الى خمسين عاما وتراه مثل كتاب مفتوح والذي ابدى حزنه واسفه، لما يمر به الكتاب حاليًا من جفاء يقول عن واقع الكتاب من خلال مكتبته: الاقبال على شراء الكتب قليل جدًا، ليس كما كان في السابق واقصد منذ السبعينيات وصولاً الى نهاية التسعينات حيث كانت الكتب تشهد رواجًا كبيرًا، الان تغيرت الحال، في الاشهر الثلاثة الاخيرة صارت هناك حركة، اصبحت المكتبة تستقبل روادها وبدأنا نبيع، روادنا اغلبهم من اعمار تتجاوز الثلاثين عامًا، ونسبة قليلة من الشباب دون هذا العمر، ولكن لا يوجد عدد محدد للبيع لا يوميًا ولا شهريًا، مرت علينا ايام واشهر لانبيع أي كتاب، واضطر احيانا ان ادفع بدل الايجار من راتبي التقاعدي، ومع ذلك لم افكر في بيع المكتبة لانني اترجى ان تتحسن الاحوال الامنية ويعود القراء الينا، هذه المكتبة كان في السابق يعمل فيها اكثر من خمسة عمال ولا يستطيعون السيطرة على اعداد الرواد، اما الان فعامل واحد ولا استطيع ان امنحه راتبه، واضاف: انا اتحدث لك عن الظرف وعن الوقت الذي تفتح فيه المكتبة ابوابها الذي هو من التاسعة صباحًا ولغاية الواحدة ظهرا، وهذا وقت قصير جدًا، لذلك لا يمكن الحكم على المبيعات من خلاله، اما عن الكتب الاكثر مبيعًا فهي كتب الدكتور علي الوردي وحسن العلوي والسياب وعريان السيد خلف واحمد مطر وكتب الادعية، هذه الاسماء هي اكثر ما نبيع من مؤلفاتها وهناك اقبال بسيط على الكتب السياسية والدينية والادبية، وانا اعتقد ان مع تأثير الانترنت وغيره من وسائل اللهو والموبايل الا ان الكتاب لم يفقد مكانته وان الشباب سيعودون اليه عندما يجدون ان للكتاب متعته الخاصة، وللعلم ان الذين يأتوننا للبحث عن بحوث ودراسات يقولون ان الانترنت لم يعطهم اياه بالشكل الصحيح بل مواجيز، وان الاساتذة لايعترفون بالبحث الذي يكون الانترنت مصدره.
وفي مكتبة التحرير التي يديرها السيد بناي جار الله مع ولديه،كانت المكتبة عامرة بمساحتها الواسعة بالتنسيق الجميل الذي اغراني الى ان اتطلع الى العناوين بأعدادها الكثيرة، ومن ثم سألنا وسمعنا، يقول: معدل ما نبيعه يوميا من الكتب هو بين (15-30) كتابًا وهي نسبة قليلة جدًا قياسًا للسابق، وليس هناك تحديد معين لنوعية الكتب المطلوبة فالطلب متنوع، والاقبال موسمي، فالموسم الدراسي له طلباته والعطلة الصيفية لها طلباتها، إضافة الى ما بينهما من القراء الاعتياديين الذين يبحثون عن الكتب الجديدة والذين نسبتهم تصل الى خمسة في المئة تقريبا، وروادنا من مختلف الاعمار، في الستة اشهر الاخيرة زاد الاقبال تغيرت الاجواء الساكنة في المكتبة التي كما ترى تضم كتبا قديمة وحديثة، وروادنا في الموسم الدراسي من الطلاب ومبيعاتنا اغلبها من الكتب التي لها علاقة بالكتب المنهجية ومنها كتب اللغات وكذلك كتب البرمجة، وفي العطلة تشهد كتب الادب وتحديدا الروايات بعض الاقبال وليس هناك رواية محددة سواء عراقية او اجنبية، واكد: اعتقد ان الظروف الاجتماعية والامنية لها تأثير، فالقدرة المادية لدى القاريء هي التي تتحكم برغبته، والظرف الامني يحدده، واضاف: تعاملنا مع بعض دور النشر المحلية ومنها دار الشؤون الثقافية التي تجمع عدة مطبوعات وتوزعها، وليس كل مطبوع يصدر، اما دور النشر العربية فحاليا متوقف التعامل معها للكلفة الباهضة لكتبها، فلا اعتقد ان كتابًا سعره خمسون او اربعون دولارًا يباع بسهولة.
وقفتنا الرابعة في جولتنا هذه كانت عند مكتبة (النهضة العربية) لصاحبها علي حسين الذي لديه مكتبة اخرى وهما لا تختلفان عن سواهما، قال صاحبها: نسبة الكتب المباعة يوميًا ما بين (10-20) كتابًا، وروادنا متعددون لكن النسبة الاكبر من فوق الثلاثين عاما تتجاوز السبعين بالمئة، والنسبة الباقية من طلاب الجامعات الذين يبحثون عن الكتب العملية التي هي اكثر مبيعاتنا خلال الاشهر الاخيرة ويبدو ان ذلك بسبب االموسم الدراسي، إضافة الى ان الجامعات العراقية تتعامل معنا بشكل مستمر وكذلك الدوائر الحكومية التي تطلب عناوين لمختلف الاختصاصات، اما اكثر ما بعناه خلال المدة الاخيرة فهي الكتب العلمية المختلفة وبعض كتب الادب مثل الروايات وابرزها لـ (دستوفسكي) الذي ما زال الطلب على كتاباته من اعمار مختلفة، ولا استغرب حين يسأل شاب عنها، وبعض العناوين العراقية من التي تصدرها دار الشؤون الثقافية خاصة لكتاب عراقيين وهذه اسعارها جيدة والاقبال عليها جيد، وليست هنالك دور نشرعراقية حاليًا لان التوزيع اصبع صعبًا، ولو نظرت الى كتبنا لوجدت انها من مصادر عديدة ليست بالضرورة ان تكون دور نشر، واضاف: هذه كتبنا ونحن سعداء بوجودنا معها، ونتمنى ان يعود الكتاب ليكون الاقرب الى قلوب الشباب، لان الكتاب هو الذي فيه الفائدة وهو خير انيس.
بعد ان انتهيت من جمع اوراقي والمعلومات رحت احسب الكتب التي تبيعها هذه المكتبات في اليوم الواحد وجدتها (100) واكثر بقليل، وحين حسبتها لمدة شهر وجدتها (3000) كتابا واكثر، وفي السنة نحو (40000)، قلت: هل يمكن ان اقول ان النسبة جيدة ؟ اعتقدها جيدة وان كانت في ظرف مثل ظرفنا، وفي اربع مكتبات فقط ّّ!!