عبدالجبار العتابي من بغداد: يمتليء الفضاء العراقي بالعديد من القنوات التلفزيونية العراقية، الفضائية والارضية، من الجهات المختلفة، لجهات مختلفة منها ما يعرف مصدرها ومنها مالا يعرف، متباينة الاتجاهات والمناهج والسياسات، منها ما يبث من داخل العراق ومنها من خارجه، ومنها من مقراتها الرئيسية في بغداد والمحافظات ومنها من دول اخرى، والتي اخذت تتوالد وتتكاثر خلال السنوات الاربع الماضية، لكنها جميعا تركض في اتجاه المواطن العراقي وتتجاذبه من هنا وهناك وتحاول ان تحمل (الريموت) بدلا عنه لتجعله يقف قبالتها شاخصا امام الشاشة، والمواطن بينها يتقلب محتارا بينها، وصار يركض فيما بينها محاولا ان يجد فيها ما يحقق له رغبة المشاهدة من الفائدة والمتعة، ولكن في كل مرة يتأمل يجد نفسه يطير في الاثير تداعبه الاسماء التي تزينت بالتاريخ والجغرافية والاعتبارات الوطنية، وحين يحط على الارض يجد اغلبها لا تتشابه اسماءها بمسمياتها: (العراقية، البغدادية، السومرية، الشرقية، الحرية، السلام، البلاد، الفيحاء، الديار، اشور، عشتار، الفرات، المسار، الموصلية، القيثارة، فينوس، بغداد، الرافدين، صلاح الدين، الوطن، آفاق، كردسات، تركمانستان، فين، نهرين، دجلة)، وووو.. العديد من الاسماء التي التي تجعل الرقم يتجاوز الثلاثين ويسجل رقما قياسيا عربيا، ويتعداه الى العالمية، بعض هذه القنوات يتسابق من اجل الوقوف في الصف الاول انتاجا وتقنية، وبعضها لايهمه الا ان تحجز لها مكانا في الفضاء وتعبر عن دواخلها وتكون مجرد قناة تلفزيونية تحاكي شريحة معينة ومقتصرة عليها.
واذا ما حاول احد ان يستفتي الناس حول الافضل كما يحدث نهاية كل عام فأن الاستفتاء لن يطبق بحقيقة ما كان عليه، لن تسمع سوى ارقام بدون تفصيلات تكون فيها المجاملة اكثر من حقيقة الرأي، وحين حاولت ان اجري استفتاء حول الفضائيات لمناسبة العام الجديد للنخبة من الفنانين والاعلاميين اصطدمت بحاجز ان البعض يرفض ان يعطي رأيه لاسباب منها عدم وجود قناة تستحق ان تكون الافضل بمعنى الكلمة، والبعض الاخر لا يريد ان (تزعل) عليه قنوات لم يخترها، وهناك اراء ليست فيها موضوعية بقدر ما يذهب الى اختيار القناة التي يرتبط معها بعلاقة عمل او صداقة، وهناك من اختار قنوات عربية، لذلك فشل الاستفتاء ّّ!!.
وحقيقة الامر ان هذه القنوات العديدة وطوال اكثر من اربع سنوات كانت محط انظار المشاهد العراقي لكنه كان يتحول عنها بقوة الى القنوات العربية بعد ان وجد البدائية في العديد منها وعدم تقديم ما يهمه بالاضافة الى انها تنضح بسياسة المصدر الممول وسجل الناس عليها ملاحظات عديدة من اهمها انها لم تنتهج الاعتدال ولم تلب طموحات المشاهد العراقي.
من هنا وجدنا ان نستطلع عدد من الاراء حول واقع هذه القنوات.
ذهبنا الى الدكتور عقيل مهدي عميد كلية الفنون الجميلة لنستطلع رأيه في هذه الفضائيات فقال: التجربة هي التي تحدد ايجابيات وسلبيات هذه القنوت التي لايمكن مقارنة مثلا بين ما كان عليه الخطاب التلفزيوني قبل سنوات بمثل وضعه الان، صحيح انه يحاكي ويقتبس ويقلد ولكنه ايضا يبتكر وان بصفة خجولة معالجات تحمل النكهة العراقية والطابع الشعبي ايضا، واضاف: ينتظر من هذه القموات الفضائية ان تسهم بفاعلية ايجابية لانتاج برامجياتها الخاصة بها التي تصبح هي مرجعيتها الاولى، لا ان تظل تقتات على ما تنتجه فضائيات اخرى.
اكتفى الدكتور عقيل بهذا الرأي الذي تتوضح افكاره، لأذهب الى المحامي طارق حرب رئيس جمعية الثقافة القانونية ليضع فكرته عن احوال الفضائيات فقال: بصراحة كبيرة.. واقع الفضائيات العراقية بائس، لم يصل الى المستوى المطلوب، ومستوى الاموال المنفقة، ولا اعلم هل ان الخلل في واقع في ادارات تلك القنوات كهيأة وليس كشخص، ام ان الخلل يكمن في الكفاءة الفنية لتلك القنوات، ام انه يشمل الامرين معا، اذن ما زالت القنوات العراقية تعتمد على وكالات الانباء العالمية في نقل الحوادث التي تحصل في العراق وخاصة الامنية منها، في حين انه كان من اللازم ان تعتمد هذه الوكالات الاجنبية على وسائل الاعلام العراقية في نقل هذه الاحداث، واضاف: ومن المضحك والمبكي ان تحصل حادثة امنية في مكان يبعد عشرة امتار فقط عن وسيلة الاعلام العراقية ومع ذلك فأنها تنقل الحدث من وسيلة اعلام اجنبية، اما خطابهم فهو خطاب لايليق بالمرحلة الحاضرة وحسبنا في ذلك ان نذكر طغيان واستبداد اللهجة العامية والشعبية عند جميع مقدمي ومقدمات البرامج وفي كثرة حلقات ومناهج الشعر الشعبي، وكأن الدنيا لاتقوم في العراق الا بذلك، وللتأكيد على قولنا هذا بالامكان مراجعة ما قدمته هذه الفضائيات العراقية خلال ايام عيد الاضحى المبارك، وملاحظة ان العامية والشعبية قد شغلت اكثر من 75 % من برامجها، ولا يمكن للقنوات ان التي تنفق الاموال الطائلة على هذا.
تحولت الى الاعلامي التلفزيوني صالح الصحن الذي ترك عمله الذي كان مع احدى الفضائيات لاسباب من ضمنها ما سيذكره في كلامه فقال: التغيير الاقليمي الذي حصل في العراق غير بدون شك من واقع المنطقة من حيث العلاقة وجزء من هذه العلاقة اسلوب الخطاب والتداول بين دول هذه المنطقة، لذلك نجد في هذه المرحلة ظهور اعداد غير متوقعة واسماء متعددة من الفضائيات حملت كل واحدة منها شكلا وموقفا، الشكل خضع الى حرفية جهة التمويل مع الاخذ بنظر الاعتبار كيفية تسويق الهدف، اما الموقف فقد خضع الى اغراض هذه المؤسسة الاعلامية، وعند قراءتنا لطبيعة هذه الاشكال والمواقف نجد المفارقة، فهناك قنوات تتفرج وهناك قنوات تبكي وتتباكى وهناك قنوات على شواطيء الحدث وقنوات اخرى في قلب الحدث وهذا ما ظهر من خلال طريقة التعاطي مع الحدث، فعندما يقتل ابرياء لاي سبب كان تختلف القنوات في التسمية واغلب ما يلفظ على الضحايا انهم (قتلى) والاقرب الى النفس والروح ما يلفظ بلفظة (شهيد) والاغرب من هذا كله ان لا احد يلفت النظر الى القاتل الذي يبقى مجهولا ويلعب بساحات البلاد كيفما يشاء، فضلا عن تصدير هذه القنوات لافكارها السياسية التي قد تكون مدعومة من جهات معينة والترويج لبرامجها السياسية وغير ذلك، فيما اتخذت قنوات اخرى على عكس ما تشهده البلاد من مآسي وقتل اتخذت الجانب الترفيهي فأخذت ترقص حتى الصباح وبأقل حشمة).
المخرج السينمائي هادي ماهود قال سأختصر الكلام عن الفضائيات العراقية بما يأتي: انها فضائيات استهلاكية مزدحمة بأنصاف الموهوبين مسيسة من اطراف تبدو احيانا واضحة واخرى مخبأة، البعض منها يمارس طائفيته بشكل مفضوح، ومن الصعوبة بمكان ان تعثر على فضائية عراقية وطنية مستقلة، وثمة حرب معلنة بين بعض الفضائيات قد تجد لها اصداء في الشارع.
احاول ان اذهب ابعد من ذلك الى الذين وجدوا انفسهم على مقربة من هذه الفضائيات، اضع السؤال مكتوبا امام الاعلامي سعيد عبدالهادي الذي قرأ ونظر الي ثم كتب: (تعدد وتنوع الفضائيات العراقية برغم قصر مرحلة الخلاص من الدكتاتورية وثقافة الصوت الواحد يؤكد ان ثمة طاقات كبيرة في العراق، لكن ما هو واضح للمشاهد العراقي هو ضعف اداء الكثير منها وخضوعها للتأزم الكبير الذي يشهده الواقع العراقي، فبعضها تحول الى ابواق حزبية احادية لا تختلف في ادائها عن اداء فضائية النظام السابق وان اختلف التوجه، والبعض الاخر افقدته التعددية المبتغاة هويته الخاصة فتراه يحاكي التلفزيون الارضي اكثر من خضوعه لمشروطية البث الفضائي الذي يفتح افقا عالميا يفترض الاستعداد الذاتي للحوار، اي ان تشارك في صنع الحاضر الانساني عبر تفعيل موقع الهوية المحلية نفسها في خارطة الهويات المتصارعة) ولكنني بعد ان قرأت ما دونه قلت له: اين ترى المشكلة فاجاب: (المشكلة اننا لسنا صناعا مهرة.. بل تلاميذ، هذا ما يعكسه واقع الفضائيات العراقية وربما السبب يكمن في كوننا مازلنا في تطور تعلم المسير، اقدامنا مازالت رخوة، لكننا بدأنا المسير وهذا مهم للتعلم والافادة وهو الاهم في المرحلة الحالية).
اما الكاتب التلفزيوني فاروق محمد فسألته عن ما شاهده واستفزه ايجابيا في الفضائيات العراقية فقال بعد ان اشار الى انه تخلى عن مشاهدتها: (من المؤسف ان اقول ان الفضائيات العراقية فقيرة بالمادة العراقية وهذه اهم ميزة نلاحظها فيها، فالقائمون عليها يعتمدون على انتاجات سابقة لمسلسلات عربية او وثائقية اجنبية واحيانا تشعر ان معظم الفضائيات ليست لها خصوصية واضحة، ونستطيع القول انها لا تعرف هدفها الا بعضها الذي يخدم فكرا سياسيا معينا، وقياسا لاية فضائية عربية فهي ضعيفة بشكل عام وانا ارى ان ما يعرض غير مؤثر بالنسبة لي ولا توجد الى حد الان قناة استطاعت ان تستفزني وتجعلني اتابعها، وعلى الرغم من الوقت الطويل لبعضها والتجربة والخبرة التي صارت لديها الا انها لم تزل غير قادرة على تواكب الفضائيات العربية).
الفضائيات العراقية وبعد اربع سنوات مازالت تحبو نحو المشاهد، وان صح التعبير بعضها ملابسها رثة وارجلها حافية، وبعضها ملابسها لماعة لكن شعرها اشعث، وتلثغ في نطقها، وبعضها تنام وتصحو على صوت موسيقى راقصة او طبول او...