عبد الجبار العتابي من بغداد: على الرغم من الصباح البغدادي البارد في في ذلك اليوم الاربعائي، الا ان الملامح (المتجمدة)من البرد، سرعان ما(تجمرت) وهي تقرأ عنوان الاصبوحة التي ستقام ضمن منهاج اتحاد الادباء والكتاب في العراق في مقره المعروف ببغداد، حين رسم اسم (محمد الحمراني) حروفه على العيون، صار المكان ساخنا لما لهذا الاسم من حميمية مع الجميع صداقة وابداعا، هذا الشاعر والروائي والصحفي الشاب الذي رحل عن الدنيا يوم السادس والعشرين من شهر تشرين الثاني / نوفمبر الماضي بعد ان ألتهب القولون لديه بعد ان كان قد سافر الى البصرة من محافظته ميسان لاجراء عملية جراحية لامعائه التي تشكو من انسداد!!، كان لابد على من يستذكره ان يرسم وهجا لدمعة وآهة لحسرة، فكانت الدموع على الملامح واضحة دون ان تفصح عن ذاتها، فعلا كان هنالك حزن شفيف يرتسم على المكان، حزنا على رحيله المبكر وحماسه، كانت امنيتي ان اقرأ قصيدتي عنه التي عنوانها (ايها الحمراني) الذي اقول في مطلعها (بين العمارة والبصرة/ ثمة طريق.. الى اللاشيء/ قلبك الذي خفق في العمارة/ توقف في محطة البصرة/ مثل قطار سريع / نزل ركابه وبقي وحيدا متعبا / هل كانت العمارة تعرف / ان البصرة ستسلبتك روحك / ومحياك وطريقك اليها؟)، لكن الاصبوحة التأبينية لروح الراحل التي حضرها جمع من الادباء والاعلاميين كانت تتضمن قراءتين لاثنين من اعماله الروائية هما (النائم بجوار الباب) و (الهروب الى اليابسة) حيث قدم الاولى الباحث حسن السلمان عضو اتحاد الأدباء والكتاب في ميسان وقدم الثانية القاص شوقي كريم،قال الباحث السلمان الذي حمل بحثه عنوان (الحلاج ومكابداته الابدية) ان الحمراني الإعلامي والشاعر والروائي المبدع رحل عنا بهدوء تام وعلى غفلة من الزمن، بعد صراع مرير مع المرض الذي انتهى بوفاته في أحد مستشفيات البصرة وهو الذي افنى سني حياته القصيرة من أجل قول الحقيقة التي نذر نفسه من اجلها حالما بعالم تسوده المحبة والسلام، لكن المنية لم تمهله لتحقيق أحلامه فأخذته على حين غرة ليغيب جسدا أما روحه الطاهرة فستبقى تشع من كل سطر كتبه ومن كل صورة رسمها ومن كل موقف وقفه ثم اضاف عن روايته: (ان الروائي محمد الحمراني أتخذ مسارا فانتازيا يجمع ما بين فانتازيا الشخصية وفانتازيا الحدث بشكل متنافذ وذلك عندما عندما أستحضر من اعماق التاريخ شخصية اشكالية شهيرة ويوظفها دلاليا كبؤرة سردية، وهي شخصية الحلاج، الذي صلب وقطعت يداه ورجلاه وحز راسه واحرق جثمانه وذر رماده في نهر دجلة بسبب تأليب الراي العام على الثورة ضد السلطان والمجاهرة بالزندقة ايام الخليفة العباسي المقتدر).
اما القاص شوقي كريم فكان عنوان قراءته (جنوب الحلم) قال فيها (ان الحمراني هو الميساني الوحيد الذي سيجلس كل ملوك الجنوب والهتهم بين يديه ليحدثهم كيف هرب الناس الى اليابسة خوفا من الموت والضياع في لجج المجهول، مشيرا الى ان: روايته (الهروب إلى اليابسة) والتي قدمت نفسها كحالة بديلة عن تاريخ وجداني ذوبته مجموعة من الفعاليات السلوكية التي جعلت الهروب فعلا مبررا بعد أن امتلأت روح البطل (محمد) بركام من الاستذكارات بدأت بالطفولة وانتهت.. أو هي لم تنته بعد عند ضفاف البحث عن عالم سبق وان شكل حيزا مهما في وجدانيات الذاكرة الجمعية.. واضاف: (والبحث الذي أراده الحمراني و الهروب الذي اتخذه عنوانا إنما أراد من خلاله إيجاد متحقق ذهني ما بين مثل الماضي، والمثل التي يعيش والمثل التي يسعى إلى توكيدها وبهذا سقطت فاعليته الانتقالية في أحضان الاغتراب، فثمة مباعدة عن الواقع وثمة فقدان لذاتية حاولت التوفيق وبحثت بإخلاص عن الانفراج النفسي الذي ما أن ظهر في بداية حياة البطل حتى انطفئ في أفق القنوط واليأس محاولا ولوج عصمة الذاكرة.. فالجميع يمر سريعا.. متوسلا حضوره في ذهنية الروائي والذي يحاول فرض وهيمنة آراءه على مجمل ما يراه.. طارحا مجموعة من التراكمات الخبرية دون إضافة أو تفاعل مستقبلي حيث يبقى الواقع سابح في مدارات خارجية غير محسوسة، والتي ما كانت لتتجسد لولا الثنائية الحكائية التي أعتمها مكان القص، ولان الروائي خبر المكان كظاهرة عجائبية قدمه بعينين حياديتين أحيانا خوف أن يتهم بما لا يراه ضروريا أو قد يكون محسوبا على خبرات غير ايجابية، برغم معرفته أن الأسس المجهولة التي يبحث عنها الروائي بين الإطناب أو تلك التي كان يجب أن يبحث عنها هي أهم كثيرا من تلك المعروضة والمقدمة في دائرة السرد الروائي).
لم تنته الاصبوحة بهاتين القراءتين بل ان المداخلات والاحاديث الجانبية كانت تمتدح الراحل انسانا وروائيا وشاعرا واعلاميا، وتتحسر على غيابه وهو الذي سجل حضورا جميلا بين مجايلييه وتميز في رحلته الابداعية القصيرة.