السقف نقاط ملونة مضيئة، تبرق وتبرق وتتلاعب ببصري.
شخير جدتي التي أنهت حكايتها ومازالت تشد يدي الصغيرة، يسليني قليلا.
قلبي المرتعش في خيالات الغولة التي ترمي نهديها على كتفيها وتركض خلف الطفلة التي تفر الموت، حافية، دامية القدمين، تتوسل القمر:
ـ يا قمر، من الذي بلغته الغولة في إخوتي؟
ـ أسرعي، أكملتهم جميعا وهي وراءك.
تركض الصغيرة، تركض ويدق قلبي بعنف، والغولة لا تسقط ولا تَكِـلُّّ ولا تشبع.
ويد جدتي تسترخي شيئا فشيئا وتتركني أقاوم النقاط في السقف وحيدة.
تتكاثف وتتوالد أكثر ويزيغ بصري. أغمض عيني، تقفز الألوان إلي. تحت جفني المغلقين بقوة، تتسرب النقاط وترسم في رأسي سقفا آخر.
فضاء الغرفة ينسحب إلى رأسي وعبثا أجرب الارتماء في الفراغ.
النقاط تتوالد وتتلون أكثر فأكثر وتتحرك كُتلتاي الكرويتان في كل الاتجاهات.
تتجمع النقاط كتلا متفاوتة الأبعاد والأحجام وتطل مني فيّ وجوهٌ وأشكالٌ.
تغيب غولة جدتي والصغيرة التي تستجدي القمر.. ليحل محلها أقزام شتى بطرابيش وآذان طويلة وأنوف مكورة وأعين قبيحة غائرة في المحاجر.. تحوم حول رأسي.
أفتح عيني لأتأكد من عدم وجودها خارج رأسي..
يأتيني شخير جدتي المرتفع النازل ويجذبني أحد الأقزام من شعري..
أسحب الغطاء ويجذبه آخر.. أسحبه أكثر فتتكالب الأقزام علي وتقهقه.
تتآكلني الأقزام وجدتي تغطّ في شخيرها.
مازلت أكتم صرخاتي ولا احد ينتبه لما يحدث لي في هذا الليل البهيم.
يطول ليلي والنقاط تعبث بفضائي.
تهوي الغولة في حفرة سحيقة وتتنفس الصغيرة ويرحل القمر وهو يبتسم.
تموت جدتي..
وأقزام تسخر مني، لم تبرح مخيلتي.
ما زلت أكتم صراخي وأقاوم الانهيار.
مازلت أحاول أن أصنع من النقاط طائرا بمنقار طويل يلتهم الأقزام المتكالبة على جثتي.
و مازال السقف داخل عيني وكلما أكملت تشكيل طائر، فقأ بؤبؤي، فألعن جدتي!