ناجح فليح الهيتي: كنت قد كتبت مقالا بتاريخ24/11/2006على صفحات كتاب ايلاف ضمنته مقولة الشاعر ادونيس (من لا يعرف بستطيع ان يتكلم ومن يعرف لا يستطبع ان يتكلم)، واني لاجد نفسي الان مضطرا ان اكررهذه المقولة بعدما عثرت بالصدفة على ما كتبه الدكتورمحمد فلحي بتاريخ1/8/2007 على موقع النور في صفحة قراءات عن صديقي الفيلسوف الراحل مدني صالح)، كان يرفض ان يلقب ب((الهيتي)) ويانف من هذه التسميا ت والالقا ب التي تكرس سياسة التميز وتزيد التفرقة وتثير الضغينة).
في البدء اود ان اقول ان الاعلام اصبح علما لا يختلف عن العلوم الاخرى، يقوم على نظريا ت علمية تتوخى الحقيقة يستعان على اثباتها بالعلوم الاخرى وكصناعة يعتمد المعلومة الصادقة الصحيحة الموثقة التي تلعب دورا مهما في تحريك الراي العام والتاثير فيه، وقد زادت اهميته كعلم بعد الطفرة العلمية في مجال الاتصالات حتى اصبح الكون في حدود معرفتنا الحاضرة لعبة بسيطة بالصوت والصورة بحركها الاعلامي كيف يشاء لكنه ان اساء استعمالها فانها تصبح خطرا عليه وتقتلعه من الجذور.
تعرفت على الفيلسوف الراحل مدني صالح منذ سنين واصبحت صديقا له لكن صداقتي معه كانت بالمرتبة الثالثة من ناحية الزمن، وكانت صداقته الاولى والطويلة مع صديق طفولته وصديقي ايضا الشاعر والناقد المرحوم يوسف نمر ذياب الذي درس معه في مدرسة هيت الابتدائية الاولى وفي ثانوية الرمادي للبنين ودخل قسم اللغة العربية في كلية الاداب والعلوم بعده بسنتين التي دخلها قبله الفيلسوف الراحل في اول دورة لها حين تاسست سنة 1949، وقد نشر الفيلسوف كتابه الثاني (اشكا ل والوان) في فترة متقاربة مع نشر ديوان الشاعر يوسف نمر ذياب (اباطيل) الذي ضم قصيدة مهداة الى صديقه مدني صالح نقتبس منها بيتين من الشعر تبين عمق المودة والصداقة الحميمة بينهما التي استمرت اكثر من سبعين سنة حتى رحيل الشاعر يوسف نمر ذياب عن هذه الدنيا:
غدا اذا عضت سنون الاسى
قلبي ومل الصحبة الفاترة
صحا على عهد صحا ب مضوا
وانت ابهى صورة الذاكرة
اما صداقاته الثانية في طول مدتها فكانت مع استاذي الاقتصادي المعروف المفكر الدكتور خير الدين حسيب الذي سبقه بالدراسة في جامعة كيمبرج وتعرف عليه في بغداد وزامله الدراسة فيها كذلك صديقه وزميله الاستاذ الدكتور حسام الاّلوسي الذي كان قد انهى السنة الثانية في قسم الفلسفة حين تخرج الراحل مدني صالح في كلية الاداب والعلوم سنة 1953 وكان بدرجة امتياز والاول على الكلية وتسلم جائزته من امين العاصمة بغداد في احتفا ل رسمي مع خريجي الكليات الاخرى نقل من دار الاذاعة وزامله الدراسة في جامعة كيمبرج وتدريسيا في قسم الفلسفة في كلية الاداب حتى وفاته كذلك صديقه وصديقي الناقد والاديب الراحل الاستاذ الدكتور جلال خياط الذي زامله الدراسة في كيمبرج وتدريسيا في قسم اللغة العربية حين ضيقت السلطة الخناق على الفيلسوف الراحل مدني صالح ومنعته من التدريس في قسم الفلسفة ونقلته الى قسم اللغة العربية وايضا الدكتور بشير الداعوق صاحب دار الطليعة للطباعة والنشر والدكتور نعيم نعيمة والشاعر الراحل الدكتور خليل حاوي الذي انتحر احتجاجا على الاجتياح الاسرائيلي للبنان والاقتصادي العراقي محمد سلمان حسن وكثير ممن زاملوه الدراسة في جامعة كيمبرج حتى قال احدهم ممن درسوا الفلسفة في كيمبرج وحصل على الدكتوراه وهو من جمهورية مصر العربية غاب عني اسمه الان لقد تخرجنا جميعا من كيمبرج معلمين للفلسفة الا مدني صالح فانه تخرج فيلسوفا.
كتب الكثير عن الفيلسوف الراحل مدني صالح في حياته وبعد رحيله ويعد المؤرخ والباحث حميد المطبعي من احسن ممن كتبوا عنه في حياته وحاوروه واظهروا تنظيراته الفلسفية وهو صديق اصدقائي الذين فارقونا الى الابد القاص موسى كريدي ونزار الصافي وسعد الحارس وجميعهم من مدينة النجف الاشرف واود هنا ان اوصل له معلومة بسيطة ليضيفها الى سفره الكبير الذي يؤرخ به لعلماء العرا ق ومثقفيهم وهي ان الفيلسوف الراحل مدني صالح لبس العمامة في صغره ودرس العلوم الدينية في مدرسة جامع الفاروق الدينية في هيت فترة قصيرة، وانه من قريش وان سلسلة نسبه ترجع الى الخليفة الراشدي الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
اعتادت العرب وغيرها من الاقوام ان تلقب بقبائلها او بمدنها وفي بعض الاحيان بالاثنين معا كما يقال (الكندي الكوفي) وهنا اود ان اسأل الدكتور محمد فلحي هل ان القاب كل من الحسن البصري والخطيب البغدادي والشاعر صفي الدين الحلي والشاعر عبد المحسن الكاظمي والشاعراحمد الصافي النجفي والدكتور ابراهيم السامرائي الذي هو من محلة السوامرة في مدينة العمارة وليس من مدينة سامراء تكرس سياسة التميز وتزيد التفرقة وتثير الضغينة؟!
وان كانت كذلك فما حسبك بالالقاب الغريبة المستوردة من خارج العراق التي لا تمت بصلة الى قبائله ومدنه وعائلاته؟ ولماذا لم تكتب عنها قبل رحيل الفيلسوف مدني صالح الى العالم الاّخر؟!
اطلعت على الكثيرمما كتبه الفيلسوف الراحل مدني صالح وعلى الكثير من اّرائه خلال صداقتي له وقربي منه فعرفت ان مدينة هيت هي مدينته الفاضلة التي ذكرها في كثيرمما كتب وان هيت كانت معه اينما حل واينما رحل وقد كتب مفضلا اياها مع بغداد على لندن وباريس وغيرها من المدن الاخرى، فكتب عن معلميه فيها وسماهم الاعمدة السبعة مع ثامنهم مرشدهم وكتب عن نسائها ورجالها وذكر بساتينها وقراها واستعمل لهجة اهلها والفاظهم في كتاباته حتى في كتبه التي الفها للاطفال ولم يكن ياْنف من التسمية والتلقب بمدينته هيت لكنه كان له لقبا عائليا مسجلا في بطاقته الشخصية ودوائر الاحوال المدنية لم يرد ان يلقب به ولم يرد ان يتركه ويلقب بالهيتي لانه لقب عائلته المثبت في السجلات الرسمية، ولقد سئل يوما من انت؟فاْجاب اني ابن مدينة طلي من قيرها سفينة نوح.
لقد كانت هيت في قلبه دائما يقضي فيها جميع العطل الدراسية حتى سنة زواجه في 1972 وسفره الى الجزائر منتدبا للتدريس في جامعتها وكان كثير التردد على المدينة بعد رجوعه وقد ابقى السجل المدني له ولعائلته بعد زواجه في هيت ولم ينقله الى بغداد بعد استقراره الدائم فيها، ويمكن لاي باحث ان يرجع الى كتابات الفيلسوف الراحل مدني صالح ابتداء من كتابه الثاني (اشكال والوان) حتى اّخر ما كتبه قبل وفاته بقليل ليجد ان مدينته الفاضلة هيت كانت حاضرة في اغلب مقالاته وكتابا ته الادبية. وهنا لابد لي ان اذكر ان مدينة هيت مدينة حضرية قديمة وهي اقدم مدينة في التاريخ لا زالت موجودة في الوقت الحاضر، فهي اقدم من مدينة اريحة التي يعتبرها البعض اقدم مدينة موجودة في الوقت الحاضر فبما لا يقبل الشك ان قير اسس مدينة بابل اخذ من مدينة هيت، وقد كتب الاستاذ الدكتور صالح الهيتي بحثا نشر في مجلة كلية اّداب جامعة بغداد قبل ما يقارب الربع قرن من الزمن ترجم الى الانكليزية عنوانه(طريق القير من هيت الى بابل) القاه على اساتذة قسم الاّثار في الكلية بين به الواسطة التي كان ينقل بها القير والطريق الذي تسلكه من هيت الى بابل ويذكرGAVIN YOUNGفي كتابهIRAQ land of two rivers الصادرعنcollinsفي 1980st.JAMES place ndash;LONDON- في pp 84-88 اضافة الى ماذكرته عن قير اسس مدينة بابل الذي اخذ من مدينة هيت ان المشحوف السومري mashhuf الزورق Boat) (كان يطلى بالقير المجلوب من مدينة هيت وهذا يدلل ان مدينة هيت كانت موجودة منذ العهد السومري في العراق كما ان الدكتور احمد سوسة الحاصل على الدكتوراه في تاريخ الاديان اضافة على الدكتوراه في الهندسة قد كتب ان النبي ابراهيم الخليل عليه السلام مر بمدينة هيت حين هاجر الى بلاد الشام ورسم خريطة تبين الطريق الذي سلكه في هجرته من جنوب العراق حتى بلاد الشام، ولا اريد ان اكون مؤرخا لان ذلك ليس تخصصي لكني اقول ان الاسلام دخل المدينة بعد فتحها في عهد الخليفة الراشدي الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه وان الامام علي بن ابي طالب كرم الله وجهه مر بالمدينة اثناء ذهابه مع جيشه الى معركة صفين لقتال معاوية بن ابي سفيان وقد استقبله اهل هيت ورحبوا به وقدموا له المساعدة وكان يوجد يالمدينة الى عهد قريب اثرا محفورا بالصخر يعتقد انه اثر حافر فرس الامام علي كرم الله وجهه يتبرك به الهيتيون الى عهد قريب كذلك هناك مغارة او كهف يسمى كهف الامام علي كرم الله وجهه يعتقد الهتيون ان الامام قد جلس فيه في طريقه الى الشام و كان الهيتيون يذهبون اليه للتبرك به ايضا.
وفي العصر العباسي كان الشاعر الحسن بن هانئ (ابو نؤاس) كثيرالتردد على المدينة يأ تي اليها من بغداد ويقضي فترة من الزمن فيها يشرب في خماراتها التي يقال كانت تدار من قبل نساء يهوديات يشرب من خمورها الجيدة وقد ذكر المدينة في شعره فقال:
وهاتها خمرة صهباء صافية
منسوبة لقرى هيت وعانات
وقال ممازحا:
من اهل هيت سخي الجرم ذي ادب
له اقول مزاحا ها ت يا هيتي
وكما قات اني لست مؤرخا ولا استطيع ذكر كل ما جاء عن المدبنة في كتب التاريخ وما كتبه الرحالةالاجانب وقناصل الدول الاجنبية عنها الذين كانوا في العراق في عهد الاحتلال العثماني لكني اذكر ان قنصل فرنسا الذي مر بالمدينة في طريقه الى الشام ذكر معلومات كثيرة عنها ومعلومات عن القبائل العربية سنة 1850 التي كانت تسكن بين هيت ومدبنة عنه التي نزح اغلبها الى وسط وجنوب العراق، لذا نجد ان كثير من اقارب الفيلسوف الراحل مدني صالح في مدن الحلة والهندية والناصرية والبصرة وغيرها من المدن وهذا حا ل اكثر عوائل مدينة هيت وبيوتاتها المعروفة ان لهم اقارب في اكثر مدن العراق نتيجة لهجرتهم المستمرة من المدينة واود ان اشير ان احدى محلات بغداد القديمة تسمى محاة الهيتاوين قرب محلة باب الشيخ في الرصافة وقد سمعت الاذاعي المعروف المرحوم حميد الدروبي يتحدث عن ذكرياته فقال كنا نلعب الكرة في محلة الهيتاوين ومر بنا قارئ المقام العراقي المشهور رشيد القندرجي الذي كان يسكن المحلة فاوقفنا اللعب خوفا من ان تصيب الكرة سدارة المرحوم القندرجي فتوقعهامن فوق راسه فتحصل لنا مشكلة قد تؤدي به الى قراءة مقام او بستة يتهجم فيها علينا في حفلته الاسبوعيةمن دار الاذاعة، كما ان هناك محلة اخرى تسمى الان محلة الهيتاوين في مدينة الكاظمية ومحلة اخرى في حي بني تميم في ابي غريب تسمى هيتاوين زوبع وهناك محلة الهيتاوين المشهورة في مدينة الحلة، وبدون تحيز اقول ان الهيتين اناس بسطاء يتقنون عملهم بهاجرون من مدينتهم يمتازون بالوعي والتاّلف والانسجام والاندماج بسكان المناطق التي يهاجرون اليها لا يفرقون بين احد لكنهم يحتفظون بسماتهم الخاصة اينما حلوا ويطبعون من ياتي الى مدينتهم مهاجرا بطابعهم الخاص واضيف ان الهيتيون استقبلوا سكان العاصمة بغداد مرتين في السنين الاخيرة، في سنة1991بعدتعرض العراق للقصف الامريكي بعد غزو الكويت وبعد الاحتلال الامريكي للعراق في 2003 وتاّخوا معهم واسكنوهم في بيوتهم وشاركوهم ماْكلهم ومشربهم وقاسموهم فراشهم واّثاثهم وقد نتج عن ذلك مصاهرة وزواج بين الهيتين وبين من نزحوا اليهم ويشهد على ذلك الاستاذ الدكتور عماد عبد السلام رؤوف الذي اقام في هيت اكثر من شهر بعد الاحتلال الامريكي للعراق وبعد رجوعه الى بغداد عاد بعد مدة قصيرةالى هيت والقى محاضرة فيها عن تاريخ المدينة في العصور الاسلامية، واضيف ان اول اعلامي عراقي اجرى مقابلة صحفية في البيت الابيض مع الرئيس الامريكي نكسن هو الاعلامي العراقي الدكتور غازي الكيلاني الذي لبس الكوفية والعقا ل اثناء اجراء المقابلة وهو من هيت صديق الفيلسوف الراحل مدني صالح منذ الطفولة وزميله في مدرسة هيت الابتدائية الاولى وفي كلية الاداب والعلوم حيث قبل في قسم اللغة الانكليزية بعده بسنتين مع صديقه وزميله الشاعر والناقد يوسف نمر ذياب لكنه تخرج بعد الاخير بسنة أي سنة 1956 لانه اْخر تخرجه في الكلية متعمدا من اجل طالبة احبها قبلت بعده بسنة واحدة، وهو اديب وشاعر صدر له ديوان شعرفي خمسينيات القرن الماضي عنوانه (نون والاخريات) ونون هو الحرف الاول من اسم حبيبته التي سمى الديوان بهذا الحرف من اسمها والاخريات صديقاتها، وقد قا ل في قصدية عنها:
نون وهل خلقت من طين
استغفر الله انت من رياحين

ولابد لي هنا ما دمت اتحدث عن صديقي الفيلسوف الراحل مدني صالح ومدينته الفاضلة هيت ان اذكر ان المدينة انجبت علماء وادباء اضافة الى الفبلسوف الراحل منهم العالم مهدي صالح حنتوش المعروف في الاوساط العلمية في بلدان العالم بنظريته المسماة النظرية الحنتوشية عميد كلية الهندسة في بغداد حتى ستة1956 الذي رفض ان يباشرمنصبه بعد ان اختير وزيرا للنفط في17/تموز/1968والاستاذ الدكتور ابراهيم عبد الله محي عميد الكلية الجامعة حتى 17/تموز/1968(الجامعة الستنصرية)الذي قام ببناء الجامعة ابنية ومختبرات وكادر علمي من اجور الطلبة والتبرعات التي جمعها من الخارج بدون تدخل الدولة وعمل على الاعتراف بالدرجة العلمية التي تمنحها الجامعة وجعلها عضوا في اتحاد الجامعات العالمي واختير ممثلا لمنظمة الثقافة والعلوم والتعليم (اليونسكو) في الارض المحتلة في فلسطين في سبعينيات القرن الماضي والعلامة الاّثاري المعروف الاستاذ الدكتور فاضل عبد الواحد علي الذي كان الاول على كلية الاّداب سنة1956 واستاذ السومريات والاّشوريات عميد كلية اّداب بغداد الاسبق والاستاذ الدكتور صالح الهيتي المعروف ببحوثه الجغرافية الجديدة في اغلب جامعات الوطن العربي ورئيس مؤسسة الاطلس العربي سابقا عميد كلية الاّداب جامعة بغداد السابق وصديقي الاستاذ الدكتورهادي الهيتي الاعلامي المعروفببحوثه التي اعتمدتها منظمة اليونسكو عميد كلية الاعلام قي جامعة بغداد حاليا.وبعد هذا القليل الذي ذكرت اسأ ل الايحق لنا ان نلقب باْقدم مدينة حضرية في التاريخ لا زالت باقية حتى الوقت الحاضر؟؟؟!!! كما لقب العازفان صالح وداود الكويتي وكثير من مطربي الريف الذين لقبوا بمدنهم مع اعتزازي بهم جميعا لاني من عشاق المقام العراقي وجميع اطوار الغناء الريفي.واخيرا اتمنى على الاعلامي الدكتور محمد فلحي ان يقرأ كتاب (الجامعة والمجتمع الجديد) للدكتور لويس عوض الصادر عن الدار القومية للطباعة والنشر في القاهرة ndash;العدد الاول، الذي اهداه (الى محمد حسنين هيكل لانه جعل من الاهرام جامعة للشعب , واّمل من الدكتورفلحي ان يذاكرصفحات الكتاب من 111-120جيدا لانها تتضمن الفصل الذي عنوانه(الدكتوراه جواز مرور مزيف الى كرسي الاستاذية).