البحيري: الشعب المصري تعود على العبودية

سلوى اللوباني من القاهرة: صدرت اولى روايات الكاتب quot;سامي البحيريquot; عن دار الحضارة للنشر بعنوان quot; سعيد ابو المعاطي..المواطن الديمقراطيquot;.. سامي البحيري يعمل مهندسا ويعيش في الولايات المتحدة ويكتب بصفة مستمرة في بعض الجرائد العربية على صفحات الانترنت. وقد استخدم البحيري اسلوبه الساخر البسيط في روايته بقصد الوصول الى القارئ العادي... تناول في روايته المواطن المصري البسيط من خلال سعيد ابو المعاطي الذي يحاول التغيير على مستواه الشخصي والعائلي وعلى المستوى العام.. هذا المواطن البسيط الذي يواجه عدة مشاكل يومية ومحمل بهموم المواطن المصري.. فيتم احتجازه في مركز الشرطة في قضية ارهاب سيدي جابر وهو لا علاقة لها من قريب او بعيد بها سوى انه يصلي في نفس الجامعالذي يصلي به الشيخ عطوان الذي له علاقة بجماعات متطرفة وايضا لان اخته ترتدي النقاب... ويوضح البحيري ما يلاقيه هذا المواطن البيسط من معاملة سيئة في مركز الشرطة.. وكيف تهان كرامة المواطن مما يحفزه الى الطفشان على حد تعبير البحيري الذي وضح ان الطفشان غير الهجرة لانه ممكن ان تطفش الى المجهول هربا من الواقع والحاضر والمستقبل والماضي معا، اما الهجرة فهو اجراء عقلاني ويتم التخطيط له بحساب مثلما تهاجر طيور الشمال الى الجنوب طلبا للدفء والطعام الذي يندر في برد الشمال. تطرق البحيري الى كثير من الهموم التي تواجه المواطن البسيط مثل الفقر، البطالة، مشاكل الشباب وايجاد شقة للسكن، الزواج العرفي، الهجرة والتأشيرات المزيفة وغيرها من الامور. طرح عدة تساؤلات على لسان بطل الرواية ابو المعاطي منها.. كيف يمكن لهذا المواطن الجالس على المقهى يحتسي الشاي الاسود ويدخن الشيشة ويلعب الطاولة ان يتحول من حالة العبودية التي ورثها ابا عن جد لكي يصبح السيد؟ كيف يمكن لهذا المواطن العادي ان يكون لديه احساس المواطنة الذي جربه ابو المعاطي لساعات بسيطة في مطار مالطا عندما عامله ضابط الجوازات كانسان برغم محاولته دخوله البلاد بتأشيرة مزورة وكيف عامله القنصل الامريكي برفق وتهذيب برغم انه رفض اعطائه التاشيرة؟ وايضا كيف يمكن ان نجعل المواطن المصري البسيط يثق بنفسه ويثق بان من حقه ان يعيش حياة كريمة بدل من ان يضع كل همه في الحياة الاخرة فقط كيف يمكن دفعه الى ان يعيش حياته كانه يعيش ابدا ويعمل لاخرته كانه يموت غدا؟ وكيف يمكن اقناعه بان التغيير لن يتم الا بيديه وليس بيد المهدي المنتظر؟ طرحت ايلاف بعض الاسئلة على الكاتب سامي البحيري للتعرف على هدفه من الرواية، ولمعرفة رأيه في التساؤلات التي طرحها..

-بالرغم من بساطة اسلوب الرواية الا انها كانت تحتوي على كثير من النصائح او الافكار المباشرة بين سطورها?
إعتمدت على كتابة الرواية على الإسلوب الصحفى الساخر حتى تكون قراءتها متاحة للجميع، وكتبتها وكأني أكتب مقالة من مقالاتي، وأنا أعترف بأن بها الكثير من النصائح المباشرة بين السطور، والفن بطبيعته لا يحب النصائح المباشرة، ولكني ربما تعمدت ذلك لأنني أردت بالنصائح المباشرة إستهداف الشخص الذي لم يكمل تعليمه، هذا الشخص المسحوق والذي لا يقرأ اساسا ربما لأنه لا يجد ما يقرأه والذي يناسب عقليته ومستوى فهمه وتعليمه، وإذا وصلت رسالتي لهذا الشخص فسوف أكون سعيدا بهذا، لأن هذا الشخص البسيط إما واقع تحت تأثير رجل الدين وطبقة الوعاظ الجدد والذين (يهرون) بدنه بنصائح (تودى) فى داهية، أو يشاهد ويسمه فن محدود وبسيط، يطلق عليه بعض المثقفون (الفن الهابط)، بدون أن يحاولوا أن يجدوا بديلا له: فنا مفهموما وغير هابط.

- انت وضحت وضع المواطن المصري المغلوب على امره وتطرقت الى كثير من الامور التي تمس حياته وكرامته. ماذا تريد ان تقول من خلال الرواية؟
أحب ان أترك ما أريد قوله من خلال الرواية للقارئ وللناقد، ولكنى أستطيع أن أقول أنه بدون رفع مستوى المواطن المغلوب على أمره، ورفع هذا (الغلب) عنه فلا أمل في التغيير أو الإصلاح، الشخصية الوحيدة التى إستطاعت أن تخرج من هذا الغلب هو شخصية نور العيون والتى إستطاعت أن تستغل إمكانيتها الطبيعية كإنسانة جميلة، ثم تبعت هذا بالعمل الجاد والعلم وسارت في طريقها التي إختارته لنفسها وخرجت من طوق (الغلب) والذي يأسر كل شخصيات الرواية.

-تقول على لسان بطل الرواية quot;ابو المعاطيquot; لماذا تقبل الشعوب ظلم وقهر حاكم من نفس الدين وترفض التنوير والتقدم اذا جاء عن طريق اجنبي مختلف عنهم في الديانة؟
في تصوري أن الشعوب التى تعتمد فى حركتها الفكرية والثقافية والإجتماعية والسياسية على الدين وحده ستطمئن أكثر إلى حاكم من نفس الدين مثل العثمانيين والمماليك والذين أذاقوا الشعب المصري الهوان والذل لقرون طويلة، حتى جاءت الحملة الفرنسية وهزمت المماليك فى موقعة إمبابة والتى لم يصمد فيها التخلف (المماليك) أمام التقدم (الفرنسيين) لأكثر من ساعات، وهرب المماليك وهم يقولون (ياخفى الأطاف نجنا مما نخاف)، ورغم العلم والتقدم والمدنية التي جاءت به الحملة الفرنسية عبر البحر المتوسط والتي غيرت شكل مصر الحضاري في القرنين الماضيين، إلا أن المصريين قاوموا الحملة الفرنسية لأنهم كان لديهم شك في نوايا الفرنسيين، وأتعجب كثيرا كيف أنهم لم يشكوا في نوايا المماليك والعثمانيين؟ والسبب في رأيي أن المماليك والعثمانيين إستطاعوا ببراعة توظيف الدين لخدمة أغراضهم، الأمر الذى فشل فيه الفرنسيين، بالرغم من إسلام (مينو) قائد الحملة وزواجه من مصرية، وأعتقد أيضا أن تاريخ الحروب الصليبية يتم إستغلاله ببراعة من الذين يستغلون الدين لتحقيق أغراضهم، وإيهام الشعوب بأن الغرب عندما يجئ إلى هنا يجئ غازيا مثل الغزوات الصليبية، وفى المقابل فإن الحضارة الغربية لا تقوم على الدين المسيحي فقط، بل إنها إستمدت معظم أفكارها من الحضارة الهيلينية والتي قامت قبل المسيحية وحرصت على إعمال العقل والمنطق والفلسفة، وكانت ديموقراطية أثينا هي أول الديموقراطيات المعروفة، ثم جاءت ثورة مارتن لوثر على الكنيسة، الأمر الذي لم يحدث بعد في منطقتنا، فليس لدينا تراث قوي سوى الدين، حتى التراث القديم الرائع الذي لدينا (الفرعونى والآشوري والبابلي والفارسي والفينيقي) لم يصمد أمام الدين وبقي التراث فى المتاحف فرجة للسياح فقط والباحثين الأجانب.

- أهم سؤال راود ابو المعاطي وحاول ان يتعرف على اجابته: كيف يمكن تحرير هذا الشعب المصري وتحويله من مجرد عبيد للحكام الى سادة يختارون مصيرهم بانفسهم. كيف يمكن ان يحدث هذا دون اراقة دماء وبسلام؟ كيف يمكن أن يحدث برأيك؟
ممكن أن يحدث هذا بدون إراقة دماء، ولكن بصعوبة شديدة، ولابد أن تحدث مواجهة حاسمة بين الشعوب من جهة وبين من يريدون أن يتحكموا فيهم للأبد سواء بالقوة العسكرية أو بإسم الدين أو بإسم القومية، لن يحضر المهدي المنتظر أو المستبد العادل لتحقيق هذا، ولكن سيحدث عبر فترات طويلة من المعاناة، ففي تقديري سوف يستولي على الحكم فى معظم بلدان الشرق الأوسط الإتجاه المتسمح بإسم الدين، وربما يحكم لفترة طويلة قبل أن يقتنع الناس أن هذا الإتجاه ربما أسوأ من الحكم العسكري، وساعتها فقط ربما يختار الشعب من يمثله من الناحية الإنسانية والكفاءة، وربما يختار ساعتها الشعب مصيره بنفسه، وهنا دور كبير للمثقف والفنان الحر في إيقاظ روح الحرية والسيادة مثلما حاول سعيد أبو المعاطي أن يتحرر بعد تجربة ضربه وإهانته فى قسم البوليس، ولكني متشائم وأعتقد أن الأمور ستتطور للأسوأ قبل أن تتحسن.

-وتقول انهم تعودوا العبودية التي ورثوها ابا عن جد، كيف يمكن ان يتحول من العبودية ويصبح السيد؟ هل برأيك فعلا ان الشعب المصري تعود على العبودية؟ بالتاكيد هناك ظروف دعته الى ذلك?
يؤسفني أن أقول أن الشعب المصري وأنا واحد منه، قد تعود على العبودية منذ أن كان يعبد الفرعون، ولكن الفرعون كان يتم تقديسه كنصف إله أو كممثل للإله، وتعود الناس على أنه سوف يستمر للحكم حتى الموت، وبعض الناس لا يصدقون أن الحاكم ممكن أن يموت، كيف يموت وهو السيد المطاع، وبعد نهاية الحضارة المصرية القديمة مرعلى المصريين الحكام الأجانب من كل لون وعاملوهم معاملة العبيد أيضا، وإستسلم المصريون لهذا بإستكانة موروثة وغريبة، ولم يستطع الدين المسيحى أو الإسلامى (سواء شيعة أم سنة) إخراج الشعب من تلك العبودية، وظلت العلاقة بين الحاكم والمحكوم علاقة السيد بالعبد حتى اليوم.

-ما هي الطريقة المثلى لايقاظ الشعب من سباته العميق وجعله يشعر بانه مظلوم منذ الاف السنين؟ طرحت هذا السؤال بروايتك واعتقد بانه سؤال كبير جدا.. الا ترى استحالة في ايقاظ الشعب؟
أعتقد أنى أجبت على هذا السؤال فى إجابتي على السؤال الرابع، ولكني أضيف أنه لا يوجد مستحيل، الإقطاعي في أوروبا في القرون الوسطى كان يعتبر الأرض ومن عليها من بشر ملكا خاصا له، وفي بعض الإقطاعيات في أوروبا كان يجب على العروس قبل زفافها أن تمر على الملك أو الأمير أو الكونت لكي يفض بكارتها قبل زوجها، حتى كانت الثورة الفرنسية والتى أشعلت نار التحرر من العبودية في العديد من بلدان العالم، فلا يوجد مستحيل، ونحن خلف أوروبا في تقديرى بستمائة عام فقط!! خلاص هانت!!

-تقول.. الزعيم صاحب الشعبية الجارفة قفز الى السلطة على ظهر دبابة وخاطب الشعب قائلا انا من علمتكم الكرامة، ثم مرغ بكرامة معارضيه الارض. خذل شعبه ولم يكمل واجبه في استكمال تعليم وترسيخ الكرامة لدى شعبه ونهج على نهجه زعماء المنطقة. انت تقصد الرئيس جمال عبد الناصر... كيف خذل الشعب المصري؟
في تاريخ مصر الحديثة كان بإستطاعة ثلاث زعماء الأخذ بيد مصر إلى عصور التقدم والحرية والعدالة، محمد علي شغلته طوحاته العسكرية عن إحداث تغييرات إجتماعية جذرية فى الشعب المصري، سعد زغلول كان كل همه هو عداء الإنجليز بدون أن يكون لديه خطة واضحة للتقدم والتحضر، وبالرغم من أن مصر شهدت أزهى عصورها الحديثة بين توقيع معاهدة 1936 وبين 1952 إلا أن حزب الوفد الذى قاد مصر فى تلك الفترة خسر موقعه فى النهاية تحت أول ضربة عسكرية لأنه لم يجد ما يبيعه للناس بعد جلاء الإنجليز ولم يحاول أن يغير من وضع (سعيد أبو المعاطى وأمثاله)، وأخيرا جاء عبد الناصر وربما أكثرهم شعبية فخذل أيضا (أبو المعاطى) فلم تتحسن وضع قريته منذ أيام محمد علي ولم يتحرر من عبوديته، وإذا قرات مبادئ الثورة الستة ستجدين أن عبد الناصر قد خذل شعبه بفشله فى تحقيق معظم هذه المبادئ، لذلك في تقديري أن هزيمة 1967 كانت نتيجة طبيعية لإنفصال عبد الناصر عن مشاكل شعبه الحقيقية وحتى عن جيشه الذى جاء منه والذى جاء به إلى السلطة، وهذه الهزيمة أتاحت للمتمسحين بإسم الدين فى القفز على الشعب فى الشارع، وباعوا لهم أن القومية قد فشلت وأن العسكرية قد فشلت وأنه لا أمل إلا فيهم لأنهم (ناس بتوع ربنا)، ومازال الشارع يشترى تلك البضاعة منهم لأنه لا توجد بضاعة بديلة، لذلك فإنني لا أكره عبد الناصر ولكني (متغاظ) منه لأنه كان بإمكانه تحقيق كل مايصبو إليه هذا الشعب، كان بإمكان مصر أن تصبح مثل كوريا الجنوبية على الأقل، ولكن مصر اليوم تستورد عروسة المولد وسجاجيد الصلاة والجلاليب والفول المدمس من الخارج، ولا يشعر عديد من الناس بأي خزي من هذا، ويبدوا أن (إللى إختشوا ماتوا).

- انهيت الرواية بانك عدت بنا الى البداية.. اي لا يوجد ديمقراطية..وستهان كرامة ابو المعاطي.. أي لا يوجد أمل أو حل؟؟
هناك أمل ضعيف ولذلك تركت النهاية مفتوحة لأنني لا أدري كيف تكون النهاية، وبينى وبينك أحيانا لا أدرى أيضا كيف تكون بداية البداية؟!! كيف نتحرر من العبودية؟ وقديما قالوا:quot;الظلم فى حد ذاته لا يبرر الثورات، ولكن الشعور بالظلم هو الذى يحدث الثورةquot;، فهل تشعرين بالظلم ياسلوى؟!!

[email protected]