منير بولعيش من طنجة: في مقهى باريس، مقهى الفنانين و الأدباء بمدينة طنجة، كان لقائي و دونما موعد مسبق مع واحد من رجالات التأسيس للمسرح المغربي: (العربي اليعقوبي)، ليست المرة الأولى التي ألتقي به هنا، لكنه اللقاء الأول الذي سأستدرجه فيه لإجراء حوار خاص بإيلاف و ذلك من أجل استرجاع بعض ذكرياته مع فرقة المعمورة للمسرح و أيضا لإثارة بعض المواضيع المتعلقة بالشأن المسرحي الراهن.
ولد العربي اليعقوبي بمدينة طنجةسنة 1930، و كان واحدا من ركائز أول فرقة مسرحية في مغرب ما بعد الإستقلال: فرقة المعمورة التي أعطت الكثير من الأسماء التي أثثت بعطاءاتها المشهد المسرحي المغربي، شارك في الكثير من الأعمال المسرحية و السينمائية المغربية و العربية و العالمية سواء كممثل أو كمصمم أزياء، لذا يأتي هذا الحوار اليوم، لينبش في مشوار و مسار ذاكرة مسرحية و فنية غنية إسمها العربي اليعقوبي.

كيف جاء دخول العربي اليعقوبي إلى المسرح و بالتحديد إلى فرقة المعمورة؟
قبل أن أذكر تفاصيل دخولي إلى فرقة المعمورة أريد أن أذكر أن سبب ولعي بفن التمثيل يكمن في الممثل المصري بشارة واكيم الذي كنت أحب أن أشاهد أعماله و أحاول أن أقلده، أما فيما يتعلق بفرقة المعمورة فقد كنت أدرس في كوليج مولاي يوسف و في نهاية السنة الدراسية قدمت مع فرقة المدرسة مسرحية بانتومايم في الشبيبة و الرياضة إذ ذاك، فرآني (مسيو ريتشي) و عرض علي أن أذهب إلى الفرقة التي يهيأها المغرب كفرقة وطنية و كان الأمر هكذا، ذهبت إلى فرقة المعمورة فوجدت فريقين، الأولى كاملة بمخرجيها و ممثليها و الثانية طور التكوين و هناك التقيت محمد سعيد عفيفي، أحمد الطيب العلج، العربي الدغمي، البشير السكيرج، الطيب الصديقي، خديجة جمال، أحمد العلوي، عائد موهوب، الطاهر واعزيز، عبد الصمد الكنفاوي، حيث كنا جميعا نبدأ خطواتنا الأولى في التمثيل، كتعلم الإلقاء السليم و التنفس... تحت قيادة المخرج الفرنسي الكبير أندري فوازان الذي كان مدخنا كبيرا يتمتع بروح نكتة خارقة للعادة و أذكر أنه قال لي ذات يوم (إياك أن تثق بالمسرح لا توجد مهنة خائنة مثله)

وما هي أهم المسرحيات التي مثلتها مع هذه الفرقة، أقصد مع فرقة المعمورة؟
من بين أهم المسرحيات، مسرحية هاملت سنة 1953 و التي أديت فيها دور (روزنكراتس)، ثم مسرحية (الشطاب) التي قدمت فيها دور الأبكم و وضعت لها الملابس أيضا و هي تأليف جماعي لفرقة المعمورة و هنا سنكتشف أحمد العمري كممثل.. وبعدها جاءت مسرحية (عمايل جحا) سنة 1956 التي قدمناها في باريس ثم مسرحية (معلم عزوز) سنة 1957 التي وضعت لها الملابس، طبعا هناك الكثير من الأعمال التي قدمتها مع فرقة المعمورة و التي يلزمني الكثير من الوقت لحصرها.

كيف كانت العلاقة بين أفراد فرقة المعمورة؟
في الواقع لا يمكنك أن تصدق حجم الألفة و الإنسجام الذي كان يجمع أعضاء فرقة المعمورة بعضهم ببعض، كنا أسرة واحدة، و هذا الأمر هو ما يفتقده للأسف الجيل الجديد من الممثلين و المبدعين في المجال المسرحي، و الدليل على ما أقول أن العلاقات الإنسانية بيننا نحن خريجي فرقة المعمورة مازالت لحد الساعة بنفس القوة و الحميمية.

بعد فرقة المعمورة، أين توجه العربي اليعقوبي؟
بعد فرقة المعمورة اشتركت في الكثير من المسرحيات أو الأفلام سواء كممثل أو كمصمم للملابس و كانت أول مسرحية أقدمها بعد فرقة المعمورةهي مسرحية (عطيل) سنة 1964 التي قدمتها هنا في طنجة و حضرتها الممثلة الأمريكية باربارا هاتن.

هل وقفت فوق ركح مسرح سرفانتس التاريخي؟
طبعا حين قدمنا وقتها مسرحية (صلاح الدين الأيوبي).

في أي سنة اشتغلت كمدير للشبيبة و الرياضة بطنجة؟
في الواقع كان ذلك لسنة واحدة فقط، سنة 1959 إذ أنني بعدها فضلت الذهاب للإشتغال في فيلم (مريم المجدلية) للمخرج الإيطالي (كارلو دي ماركي)، ذلك أنني لبيت نداء الفن على حساب الوظيفة برتابتها و مللها.

فيما يتعلق بالسينما، من هم أهم المخرجين الذين اشتغلت معهم؟
هناك (ديفيد لين) في (لورانس العرب) حيث كنت مساعدا لأستاذتي فليس دالتون، فرانسيس فورد كوبولا في فيلم (الحصان الأسود) مصطفى العقاد في فيلم (الرسالة) و (عمر المختار) و الذي كان رحمه الله شخصية عظيمة بكل ما تحمله الكلمة من معنى و رحيله بتلك الطريقة البشعة هو خسارة كبيرة للسينما العربية، هناك أيضا سكورسيزي في فيلم (الإغواء الأخير للمسيح) و مع المخرجين المغاربة هناك محمد عبد الرحمان التازي في فيلم (الرحلة الكبرى) و محمد المسناوي في فيلم( الحياة كفاح) مع الجيلالي الفرحاتي اشتغلت معه في أفلام (أطفال الشاطئ الضائعين) و (خيول الحظ) و (جرح في الحائط) و مع فريدة بليزيد في فيلم (كيد النساء) و مع لحسن زينون في فيلم (عود الورد) و هناك الكثير من المخرجين الذين لا تحضرني أسماءهم الآن.


ما هي أقوى اللحظات التي لا زلت تذكرها لحد الساعة عبر مشوارك الثري و الممتد؟
بالتأكيد هناك الكثير الكثير من اللحظات التي بالتأكيد لا تنسى، لكن من بين أقوى هذه اللحظات، هي عندما اختارتني أستاذتي في تصميم الأزياء، الإنجليزية (فليس دالتون) كي أقدم لها الجائزة التي فازت بها عن أحسن تصميم ملابس في فيلم كان يحمل على ما أذكر إسم (هنري الرابع)، كان ذلك سنة 1984 بمسرح (أولد فيك) بلندن.

كيف ينظر العربي اليعقوبي إلى راهن المسرح المغربي؟
أنا أعتبر أن المشهد المسرحي المغربي الراهن هو مشهد فقير و السبب يعود حسب رأيي أن هذا المشهد لم يمر بتجربة النهل و الإستفادة من المسرح الكلاسيكي، و لكي لا يأول كلامي بشكل سيء أؤكد أنني لست ضد التجريب الفني، لكن التجريب يجب أن يكون مؤسسا على ذاكرةمسرحية ضخمة، ذاكرة عرفت كيف تستفيد من الريبرتوار العالمي بمختلف اتجاهاته و مدارسه.

هل هناك تجارب مسرحية تثير إعجابك؟
بالتأكيد هناك أكثر من تجربة، أخص بالذكر تجربة عبد المجيد الهواس و تجربة عبد العاطي لمباركي و تجربة الزبير بن بوشتى، على الأقل هذه التجارب تبدع بدون هرج.


و بالنسبة للممثلين؟
فيما يخص الممثلين هناك الممثلة الرائعة (كنزة فريدو) الذي أكن لأداءها المسرحي كل الإعجاب، و أيضا هناك الفنان (مصطفى حوشين) الذي ينقصه فقط الدور المناسب الذي يمكنه من تفجير طاقاته الإبداعية الهائلة.

وفيما يتعلق بتجربة الدعم المسرحي المخصص من وزارة الثقافة؟
أعتقد أن هناك طفرة هامة سواء على مستوى الكم أو الكيف أحدثها هذا الدعم المسرحي، و ما ينقص في الواقع هو المزيد من المواكبة الإعلامية من أجل إظهار هذه المكتسبات الفنية التي تحققت، و مؤخرا قرأت أن وزارة الثقافة قد زادت في الدعم المخصص للمسرح، و هذا أمر هام.

هل يعتقد العربي اليعقوبي أن هذا الأمر سيؤثر إيجابا على وضعية الفنان المغربي؟
بالنسبة لوضعية الفنان فللأسف ما زالت دار لقمان على حالها، الفنان مازال يسترزق و يطلب من الله أن يعينه على دفع فواتير الماء و الكهرباء، لذا نحن بانتظار إصدار قانون يتكفل بتقاعد يحترم كرامة الفنان، إذ لا يعقل أن يبقى هذا الملف مطروحا على الهامش، و نحن في الواقع نأمل من الفنانة الوزيرة ثريا جبران أن تكون هي المبادرة لتفعيل هذا القانون الذي سيعيد للفنان المغربي وضعيته الإعتبارية.