عبد الجبار العتابي من بغداد: شهد المسرح الوطني ببغداد صباح يومي (الاثنين والثلاثاء) عرض مسرحية (تحت الصفر) تأليف ثابت الليثي واخراج عماد محمد وتمثيل الفنانين عبد الستار البصري (61 عاما) ويحيى ابراهيم (28) عاما،واستمر العرض لمدة (45) دقيقة وسط حضور جيد للفنانين والاعلاميين والجمهور، حيث جسد البصري شخصية رجل تقدم في السن حتى اصابه الياس من الحياة وفضل العزلة بسبب الاوضاع السائدة في حين يسعى يحيى ابراهيم الذي يجسد دور شاب الى اخراج الرجل العجوز من عزلته بعد ان اقتحمها وفقا للظرف الذي دعاه ان يكون في ذلك المكان.
بدأ العرض بموسيقى (حلاق اشبيلية) الشهيرة التي تواصلت مع رفع الستارة، وقد ظهرت على جدار في خلفية المسرح ستة اصفار(تدل على الوقت) سرعان ما تحركت بسرعة، وقت حدوث انفجار في ملعب كرة قدم، ثم اصوات كاميرا فوتوغرافية تلتقط صورا ومن ثم اصوات نعيق غربان، وتعود موسيقى (حلاق اشبيلية) وتنهض على المسرح دمى بيضاء معلقة في اعلى المسرح كأنها اشباح،تتحرك ارقام الساعة بسرعة، ويظهر على الجدارالذي تغطيه (شبكة مرمى) شريط سينمائي يوضح حركة لقطات مصورة متشابهة، وتتزامن مع دخول شاب يمر من امامها بحركة متعبة، وحين يصل الى وسط الخشبة يسأل (هل هذا هو الحي الشرقي؟)، فيجيبه صوت لرجل عجوز متمدد على ظهره قرب حاجز (هل انت على عجل؟)، وبعد حديث قصير يضطر الشاب الى قضاء ليلته مع العجوز حين لايحد مجالا للعبور الى المكان الذي يريد، ومن هنا تبدأ الحكاية بين الشاب والعجوز في حوار يتناول الواقع الذي هما فيه والذي هو جزء من واقع احداث العراق يقوم على اداء تتصارع فيه الافكاروتتجاذبه التراجيديا والكوميديا في سخرية مرة تتناول الاحتلال وتصرفاته والوجع العراقي بشكل كبير لكنها مؤطرة احيانا بجرأة واضحة واحيانا اخرى بجرأة خجولة، يغنيان ويرقصان ويؤديان (الهوسات الشعبية) ويتعاركان ويتجذبان اطراف احاديث تصب في اغلبها في رسم صورة للواقع المعاش وتصورات حول الوجود الامريكي في العراق (انا جزء من امة تبحث عن النصر) و (يمضون ونبقى!!)، او حين يسأل الشاب العجوز (اين كنت في التاسع من ابريل) فيرد عليه العجوز (كنت في الكنت، كنت استحم في الكنت)، وتظخر على السطح صورة اسماها البعض البريختية (نسبة الى بريخت) خين سقط الفنان البصري على الارض متألما ويده على قلبه مناديا المحرج (عماد اوقف العرض، او قفه، قلبي يوجعني) وحين يحاول الممثل الشاب ان يحركه يجده جثة هامدة مما يدعوه الى الصراخ باللهجة العامية (يمعودين.. فد كلاص مي، راح يموت)، مع صوت لامرأة بأتي من وسط الجمهور (يحيى.. انت تحجي صدك)، ويحاول ان يحمله، لكن البصري ينهض ساخرا منه.
ومع الوقت يشتد النقاش بينهما في صراع محتدم بحاول فيه الشاب اقناع العجوز بأفكاره واخراجه من عزلته، والذي ينتهي بسماع اصوات عصافير والشمس التي تشرق معلنة قدوم الصباح ومن ثم صوت هطول مطر، ومن ثم تظهر الصورالفلمية على الجدار البعيد وهي توضح لقطات للعجوز والشاب وهما في الحدائق يلعبان ويمزحان، ومن ثم صور مختلفة لبغداد ولوحات فنية عديدة.
وبعد انتهاء لعرض استطلعنا رأي المخرج وعدد من الذين شاهدوا العرض.
قال عماد محمد: رسالة المسرحية هو الامل، والعنوان (تحت الصفر) يعني ان حالة الجمود تشل حركة الانسان عادة وتفقده الامل وتدفعه في الوقت ذاته الى التشبث بالحياة والبحث عن عوامل التحدي والجرأة لكي تستمر الحياة دون توقف وان كان يعيش وسط عذابات (الارهاب.. الاحتلال.. التطرف)، لذلك على الفنان العراقي ان يتعاطى مع الوضع الحالي الذي سببته ظروف الاحتلال، وعليه تقع مسؤولية ابراز جوانبه السلبية بشكل يدينه فيه مثلماعليه ان يقدم في الوقت ذاته البدائل والتوقعات عبر العمل المسرحي ليمنح الآخرين جرعة من الامل للمضي بالحياة، وهكذا فعلنا نحن مؤكدين على قدرة العراقي على التحدي واضاءة التفاؤل، وانا سعيد بروح التفاعل التي كان عليها الحضور مع العرض.
واستطلعنا راي الفنانة الدكتورة عواطف نعيم التي قالت: مباركة كل الجهود التي تصب في مصلحة الحركة المسرحية العراقية، مبارك للفنان القدير البصري وللشاب يحيى ابراهيم، ومبارك للسينما والمسرح لانها تتواصل في ايقاد جذوة المسرح واستمرار مسيرته، واضافت عواطف: العمل يعجبني مادام ضد الاحتلال ويعلن عن ولادة الانسان العراقي ويصنع حياته.
اما الفنا ن عز الدين طابو فقال: ان المفاهيم التي تستقى من كل عمل مسرحي هو ما الذي يريد ان يقوله المؤلف اولا وثانيا المخرج، اللذان اظهرا لنا معاناة الانسانالعراقي ولكن ليس بالجرأة التي يجب ان يكون عليها كل من المؤلف والمخرج، ولكن تبقى المسرحية عملا تعبويا ونحن بأمس الحاجة الى هكذا اعمال.
اما الشاعر مضر الالوسي فقال: العمل فنيا رائع جدا على ما موجود من امكانات بسيطة، ولكن العرض يحتاج الى ان يكون اكثر جرأة، العرض اشار الى اشياء واضحة ومنها عمر الشخصين ورما هذا لا يحتاجه المتلقي، وانتظر خطابا اكثر جرأة، واضاف الالوسي: اعجبني موضوع المسرحية، ان الفكرة حقيقية وبلا رتوش ولا مجاملة، ربما كان هنالك ضغط من اجل تخيف حدة الجرأة، ومع ذلك انا اعتبرها خطوة مهمة فالنص جيد جدا والاخراج ايضا.
اما الفنانة اسيل عادل فقالت: ما شاهدته شدني كثيرا، وجدته عملا متكاملا اثار العديد من الطروخات والافكار من الواقع العراقي، اظهرت حالة الامل والقدرة لدى العراقي في تجاوز الصعوبات، فمهما خيم الليل وعلت اصوات الانفجارات فهناك شمس ستشرق ومطر ينهمر وبلابل تغرد، وقد اعحبني جدا اداء الفنان الكبير عبد الستار البصري، فقد كان مثيرا فعلا واكد قدرته على الاداء المميز.