اتساع المخاوف إثر استشراء الكلمات quot;الشارعيةquot;

كامل الشيرازي من الجزائر: كشفت مصادر نيابية جزائرية لـquot;إيلافquot; عن حراك برلماني في الجزائر لـquot;نجدة اللغة العربيةquot;، على خلفية ما يطال الأخيرة من تضييق في ظلّ استمرار تجميد قانون تعميم اللغة العربية هناك، بجانب استشراء الكلمات quot;الشارعيةquot; وحجزها مكانا لها في أكثر من واجهةمهمة في البلاد، إلى درجة ثارت معها مخاوف من كون أي ضيف عربي سيحل في الجزائر مستقبلا، قد لن يجدمن يتفاهممعه(..).
وعلمت quot;إيلافquot; من المصادر ذاتها، أنّ مشاورات مكثفة بدأت لإنضاج مطلب تطبيق قانون تعميم استعمال اللغة العربية المجمد منذ الأمرية الشهيرة التي أصدرها الرئيس الجزائري السابق اليامين زروال العام 1998، ويسعى نواب الغرفة السفلى في الجمعية الوطنية، إلى استصدار لائحة تطالب السلطات بإحياء القانون المذكور، وإلغاء الحظر الذي يطوّق لغة الضاد للعام العاشر على التوالي، لا سيما مع استمرار الغبن الذي يلفّ مقومات وثوابت الهوية في الجزائر، ويحرص نواب من التيار الوطني الإسلامي، على تفنيد مبرّر السلطات بكون تجميد تعميم استعمال اللغة العربية، راجعا إلى انعدام الكوادر المعرّبة، واعتبروا أنّ هذا التبرير غير صحيح، طالما أنّ الشواهد ووقائع الراهن الجزائري الحالي تكذّب هذه المزاعم رأسا، علما أنّ السلطات كرّست المعاملات في البنوك والمراسلات والبريد وفي كل مكان باللغة الفرنسية، والنتيجة أنّ الكثير وجدوا أنفسهم غرباء في بلدهم.
بالتزامن، أهابت الجمعية الجزائرية للدفاع عن اللغة العربية، بالسلطات الجزائرية العليا، لوقف تردي لغة الضاد، وركّزت على ضرورة انتصار دوائر الثرار لما أسمته quot;داعي صون الهويةquot;، التي تمثل العربية عنوانها الكبير، وقرعت الجمعية، أجراس الإنذار مجددا، من المخاطر التي باتت تهدد منظومة الثوابت، من خلال ما تشهده اللغة العربية، وقالت إنّ الجزائر وصلت إلى مرحلة خطرة تضع البلاد في مفترق طرق، محذّرة بالقول إننا صرنا أمام خيار تصحيح الوضع أو الإغراق في الضياع.
وانتقدت الجمعية في بيان تلقت quot;إيلافquot; نسخة منه، اللوبي الفرانكفوني الذي شوّه بحسبها لغة الضاد وتمكّن من تجميد مسار إعادة الاعتبار للغة العربية، مستشهدة بعشرات الكلمات quot; الشارعية quot; التي احتلت واجهة الإذاعة والتلفزيون في الجزائر، بدلا من الكلمات العربية الجميلة، على غرار كلمتي ( سيّي= جرّب ) و(منرّفي = عصبي ) اللتين أريد لهما مع مزيد من المفردات الهجينة الأخرى أن تتسيدا البرامج الموجهة للجزائريين، مثل حصة صراحة راحة التلفزيونية وما تحفل به إذاعة البهجة المحلية كل يوم.
هذا الوضع دفع بكوكبة من المثقفين، على رأسهم الروائي المعروف الطاهر وطار، قبل فترة إلى توجيه نداء إلى الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، للتدخل ومنع استعمال اللغة الأجنبية في وسائل الإعلام الجزائرية الثقيلة، لأنّ ذلك يمثل بنظره (مسخا للسان الجزائري)، طالما أنّ الوضعية أضحت تتردى يوما بعد يوم، بما يرشح الجزائريين للتحول إلى لغة أشبه بلغة هجينة شبيهة بمذهب مالطا، في إشارة إلى ما صار يغلّف واقع جزائر 2008، التي لا يقوى فيها قطاع واسع من المواطنين على النطق بكلمتين عربيتين متكاملتين دون مزاوجتها بمفردة فرنسية وغيرها، كما أنّ الجزائري عندما يستعمل مفردة في عشر كلمات، تكون فيها كلمة واحدة بالعربية أما الباقي فكلمات فرنسية مشوهة، وليست حتى مستقيمة.
وعلى هذا، طرح وطار ما نعته quot;إشكال النفاقquot;، فمن جهة نحن نقول إننا ضد الفرانكفونية، ومن ناحية أخرى الجزائر أكبر بلد له إذاعة تذيع على مدار ساعات اليوم باللغة الفرنسية، كما تواظب الجزائر في قمم الفرانكفونية، ما دفع الأديبة البارزة أحلام مستغانمي، قبل أسبوع، إلى إشهار تبرّمها من عواقب هذا الانزلاق اللساني الخطر، ودفع الغيورين على لغة الضاد إلى قرع أجراس الإنذار، انسياقا إلى أنّ الشعب الجزائري أصبح شعبا هجينا، لا لغة له، وهو ما جعل الرئيس بوتفليقة يبدي امتعاضا من الظاهرة التي يعزوها الكثير من المتابعين إلى أزمة ثقافية عميقة.
كما رأى الدكتور والباحث السميولوجي الجزائري عبد المالك مرتاض، أنّ مواطنيه أضحوا يدورون في فلك اللا لغة، في ظلّ تبعثر المسارات والاستعمالات اللغوية في البلاد، ففي وقت يدافع فيه السواد الأعظم من الجزائريّين عن العربيّة باستماتة وينافحون عنها، هناك فريق آخر متعصّب للأمازيغيّة مدافع عنها، وثالث متشيّع للفرنسيّة؛ وبين مندرج للغةٍ رابعة تأخذ من الينابيع السابقة بديلا، وهذه اللغة الأخيرة باتت اللّغة السائدة في مختلف الشوارع والأسواق والمجالس العامة والمنتديات في الجزائر، ورأى د/ مرتاض، الذي سبق له أن ترأس المجلس الأعلى للغة العربية في الجزائر، وله العديد من الإحرازات الأكاديمية النفيسة، أنّ ظاهرة التشوّه اللغوي استفحلت كثيرا في الجزائر، على نحو صار واجبا معه التحرك لتقويم الوضع اللساني في البلد، بعد أن أصبح منشّطو التلفزيون والإذاعة يغترفون من لّغة تنتمي إلى الصنف الرابع، موسومة بـ quot;الساقطة quot; يخاطبون بها، ويتخاطبون، دونما إلقاء بال للغة الضاد وجواهر العربيّة السليمة، وذلك باستعمالهم ألفاظاً هجينةً تشجّع متحدّثيهم على أن يحادثوهم بالْمِثْل؛ وهنا يقع السقوط اللغويّ إلى أبشع مستوياته.