مهمشون ومتعبون ولا رعاية لهم
الفنانون العراقيون يقررون الاعتصام احتجاجا على التمويل الذاتي
عبد الجبار العتابي من بغداد:
يستعد الفنانون العراقيون الى القيام باعتصام كبير في مبنى دائرة السينما والمسرح التي مقرها المسرح الوطني في بغداد، صباح يوم الاثنين المقبل، احتجاجا على نظام (التمويل الذاتي) الذي مازالت تعمل فيه الدائرة، والذين يتقاضون من خلاله اقل الرواتب فيالدولة العراقية منذ اكثر من اربع سنوات لا تتناسب وارتفاع الأسعار الذي تشهده الأسواق العراقية،في وقت يتقاضى أقرانهم الموظفون أضعاف ما يتقاضون،بعد ان كانوا قد استبشروا خيرا حينما تواردت أخبار في الأشهر الاخيرة من العام الماضي حول تحويلهم الى النظام المركزي بعد أن أقاموا ندوة كبيرة حضرها مسؤولون حكوميون وبرلمانيون وعدوا بالعمل على ذلك، ولكن حين جاء (وقت الراتب) لشهر كانون الثاني / يناير الحالي فوجئوا بقطع في رواتبهم التي مازالت تسير وفق التمويل الذاتي،وهو الامر الذي دعا عددا من منتسبي دائرتي الفنون التشكيلية والسينما والمسرح للتظاهر في مقر وزارة الثقافة (الاثنين) احتجاجا على عدم تنفيذ مطالبتهم بتحويلهم من نظام التمويل الذاتي إلى نظام التمويل المركزي، وقال وكيل وزارة الثقافة جابر الجابري:( ان الحكومة ومجلس النواب يتحملان مسؤولية عدم تنفيذ هذه المطالب، موضحا أن عدم وجود مشاريع تستثمر هذه الطاقات أدى إلى تفاقم ظاهرة البطالة)،وعلق أحد الفنانين: (التمويل الذاتي هو التحول من الاشتراكية الى الرأسمالية في وطن يبنى لقرن كامل على المفاهيم الثورية الاشتراكية، ما أضاع توجهات البنية الثقافية الوطنية)، لكن الفنانين وجدوا أن عليهم مواصلة احتجاجهم بالاعتصام وتحويل القضية الى أكبر مما هي عليه وتوجيه دعوات لوسائل الإعلام كافة.

يقول السينمائي صلاح احمد صالح الذي اضطلع بادارة الاعتصام: (تأتي الدعوة للاعتصام ضد نظام التمويل الذاتي الذي حرم الفنانين المنتسبين الى دائرة السينما والمسرح التابعة لوزارة الثقافة من الرواتب والمستحقات المتساوية مع أقرانهم على نظام التمويل المركزي،فعندما نرى أن الفنان الذي قضي أكثر من (40) عاما ما زال يستلم راتبا قدره (300) الف دينار فهذا يعني الإهمال والتهميش للفنان السينمائي والمسرحي وعدم رعاية الدولة لهم وبشكل خاص وزارة الثقافة والمسؤولين في مجلس النواب عن تفعيل قانون تحويل الدائرة من التمويل الذاتي الى التمويل المركزي أسوة بالموظفين، واضاف: يبدو أن كل ما سمعناه على مدى السنوات الماضية هو مجرد وعود، وأنا اتساءل بصوت عال: هل ما يقدم للفنان مكي البدري الذي خدم الفن لاكثر من اربعين عاما من راتب قدره (250) الف دينار هو استحقاقه، او ما تتقاضاه الفنانة الكبيرة آزادوهي صومائيل التي أفنت عمرها في الفن، او العاملين الاخرين في هذا المجال الحضاري الثقافي؟، لا نطالب إلا بالمساواة على أقل تقدير بالموظف الحكومي، ام أن الفنان لا يستحق العراقي لا يستحق الرعاية والتكريم، فلماذا يبقى الفنان العراقي يعاني العوز والفاقة والحرمان ويستجدي من اجل أن يرفع مستواه المعيشي الذي يحفظه ويحفظ أطفاله، واكد صلاح: نحن الان نحاول وبصوت واحد ان نرفع مظلمتنا الى فخامة رئيس الجمهورية والى دولة رئيس الوزراء واللجنة القانونية في مجلس النواب ان يعجلوا في اصدار قانون إبدال التمويل الذاتي الى المركزي، وهذا مطلب لكل الفنانين الذين همشوا بشكل دائم).

ونظام التمويل الذاتي لدائرة السينما والمسرح وبعض الدوائر ابتدعهالنظام السابق للهروب من الأزمة الاقتصادية التي كانت تعصف به، وقد ارتضاه العديد من الفنانين كون المسارح كانت تعمل وتحصل على اموال كثيرة وان كان البعض يعدها (مدنسة) بالمسرح التجاري الهابط الذي يرقص الغجر على خشباته، ولكن منذ نحو خمس سنوات اغلقت المسارح أبوابها بسبب الظرف الأمني المعروف ولم تعد هنالك أي أموال تدخل خزينة الدائرة بالاضافة الى قلة الأجور التي يتقاضاها الفنانون من عملهم في أعمال الدائرة المسرحية والمسلسلات التلفزيونية التي تسيطر عليها شركات الانتاج والتي تستغل حاجة الفنان المادية لإعطائه ابخس الاجور.
الفنانون العراقيون منذ سنوات وهم في حركة دائبة من اجل رفع سيف (التمويل الذاتي) المسلط على معيشتهم الحياتية، والبعض منهم غادر العراق ليلتقط رزقه في الغربة حيث اضطره الراتب الضئيل الى ذلك، وحاولوا التأثير من خلال الاعلام من خلال اقامة الندوات واستضافة المسؤولين ورفع المطالبات، حتى ان قناة (السومرية) الفضائية قامت بحملة ضخمة استمرت لمدة ثلاثة اشهر استضافت فيها كل من يهمه الامر، وعلى اثر ذلك اقيمت ندوة كبيرة في دائرة السينما والمسرح، ومن ثم جاء الخبر الذي كان بمثابة (العيد) للفنانين بأن الحكومة قررت تحويل التمويل الذاتي الى المركزي وأقام الفنانون حينها احتفالية كبيرة، ولكن سرعان ما قيل ان الامر لم يكن الا مجرد اقتراح ووعود ولكن أفضت جميها في النهاية الى هباء!!.

يقول المخرج فتحي زين العابدين: نظام التمويل الذاتي لايخدم الثقافة العراقية ابدا، ومن الواضحأن احد عيون الثقافة هو الفن، وهو يحتاج الى دعم كبير لتشغيله على الاقل للسنوات الاربع المقبلة، حتى يكون نشاطه فاعلا للارتقاء بالمتلقي العراقي، لذلك نطالب بتحويل نظام عمل الدائرة من التمويل الذاتي الى المركزي، فالتمويل الذاتي أضر كثيرا بالفن والفنانين، إضافة الى ذلك أن فكرة التمويل الذاتي استخدمها النظام السابق للنيل من المثقفين وبصورة خاصة منهم الفنانون.
اما الفنانة زهرة الربيعي فقالت باللهجة العامية: (مرض قلبي التمويل الذاتي، وخلاني ما ادفع ايجار سبعة اشهر)، واضافت: انه السيف المصلت على رقاب الفنانين والمرض الذي يبدو انه ليس له علاج، فمن يصدق ان ممثلا يستلم (185) الف دينار كراتب، وله خدمة (38) عاما، من يرضى بذلك، ومن ثم يقولون: لماذا يهاجر الفنان، انا اقول على هذا الفقر والعيشة التعبانة للفنان ولاشغل له كيف يمكن ان يعيش؟
اما الفنان عز الدين طابو فقال مؤديا بصوت جهوري: اقول وقد ناحت بقربي رواتبي، ايا هذه الى متى تبقين هكذا، واضاف: متى تلتفت الحكومة الموقرة لمظلمة الفنان العراقي لرفعها، ورفع الحيف الذي امرضه وقلل من هيبته امام ما يأخذه الممثل خلف الحدود في الدول الاخرى، وما تضخ عليه من مدنيتهم وحضارتهم من وسائل الراحة والمتابعات اليومية وتكفلها بما يضمن بقاءه ووجوده من الناحية الصحية والاعتبارات الاجتماعية.

وقال الفنان حيدر منعثر: نظام التمويل الذاتي مهزلة كبيرة وخصوصاً في ميدان الثقافة العامة، ثقافة البلد الجريح التي يجب ان ترعاها الدول بكل امكانياتها المادية والبشرية والاعتبارية، واضاف: لاادري كيف يمكن أن تساهم الثقافة عموماً ومنها الفن في إصلاح ومعالجة الواقع العراقي الجديد والفنان لا يتقاضى ما يسد رمقه ويرتقي بواقعه الاجتماعي والابداعي، كيف يمكن ذلك، ولزاماً على الدولة أن تفهم أن نظام التمويل الذاتي الذي كان معمولاً به سابقاً وهو جزء من سياسة لا تصلح الان ولا يمكن العمل بها في ظل ظروف الفن الحالية وحيث المسارح مغلقة وفي ظل هجرة الفنانين بحثاً عن فرص العمل.
وقالت الفنانة اسيل عادل: هذا التمويل الذاتي مرض عضال أصاب الفن العراقي، والفنان العراقي ظل يعانيه طوال السنوات الماضية، ففي الوقت الذي ارتفعت فيه رواتب موظفي الدولة كان الفنان يعاني قلة الراتب، ولا اعرف لماذا الحكومة لاتجد حلا وهو بمقدورها، الفنان له دوره الفاعل في المجتمع وان لم يكن كذلك فعلا فيالمسرح موجود والسينما والتلفزيون، الفن هو واجهة تقدم البلدان ولكن هناك من ينظر اليه على عكس هذا، واضافت اسيل: الفنان مواطن وانسان وعليه ان يعيل عائلته بالشكل اللائق وان يعيش محترما بين الناس كونه يحمل رسالة، وحقيقة ان التمويل الذاتي يحمل آذانا كثيرا، لذلك نحن نطالب الحكومة بتغييره، وسنشارك في الاعتصام لتحقيق هذا المطلب الشرعي.
وقال الفنان عدنان الحداد: الاعتصام ضرورة لايصال صوتنا من جديد الى الذين وعدونا، لايمكن ان يعيش الفنان على هذا الراتب التعبان الذي لايكفي لسيارات الاجرة خلال اسبوعين، ومن اين نأكل ونعيل عوائلنا: من اجور العمل في المسلسلات واين هذه؟ فلا يوجد عمل وان وجد فلا نحصل الا على الفتافيت، واضاف: لقد قتلنا التمويل الذاتي ونحن نرفضه ونطالب بتحويل الدائرة على نظام التمويل المركزي اسوة بالموظفين ولا نريد زبادة، نحن موظفون ولكننا مهمشون، فيا للاسف.