ماجد ديبمندمشق: الضجة التي رافقت جائزة البوكر العربية جاءت من الإيمان بإيجاد سلطة نقد أدبي وذوقي وثقافي عربي قادرة على تقديم الأعمال الروائية المتميزة التي تظهر سنويا في العالم العربي. ولم يكن الأمر خلوا من الأمل، فهنالك رغبة حقيقية لدى الجمهور من جهة ولدى الكتاب من جهة أخرى وحتى من لدن بعض المؤسسات المستقلة في العالم العربي بشكل عام وفي الخليج العربي بشكل خاص لتقييم حقيقي خارج التقييم السلطوي والمؤسساتي والذي يدعم لأسباب مكشوفة بعض الأسماء دون غيرها، وإن علمتنا التجربة وبالأخص في العالم العربي، إنه مهما بلغت مؤسسات السلطة من قوة إلا أنها غير قادرة على حجب الأصوات ذات النبرة المتميزة، أو أصوات المثقفين المتنورين والمواجهين لكل أشكال الزيف والخداع والقمع، وكانت السلطة الحقيقية هي سلطة الجمهور، السلطة التي جعلت كثيرا من الأسماء المهمشة لأسباب سياسية أهم الأسماء في الثقافة العربية وأقدرها على البقاء، وبالتالي مهما علت أصوات المؤسسات الرسمية فإنها تخبو أمام أصوات الجمهور.
والأمل كان قويا بإيجاد جائزة عربية ترتبط بأهم جائزة في العالم الغربي هي جائزة البوكر البريطانية، وهي جائزة كبيرة وشهيرة ومحترمة لأنها قدمت أهم الأسماء، وأهم الأعمال، تبدأ بريطانيا وتنتهي عالميا، وهكذا كان من المفترض أن تكون جائزة البوكر العربية، ومن أهدافها أن تكسر الاحتكار المؤسسي للإعلان أو الإشهار، وتقدم نموذجا روائيا عربيا للترجمة خارج المجاملات الرسمية واللعب خلف الطاولات، وهو السائد بطبيعة الأمر، ذلك أن ما يقدم للترجمة من العالم العربي إلى الغرب لا يظهر وجها حقيقيا للأدب في هذه المنطقة المهمة والحيوية من العالم.
إن نتائج تحكيم جائزة البوكر وتشكيل لجنة التحكيم هو الذي أصاب الجمهور المنتظر والكتاب بخيبة أمل حقيقية، فلجنة التحكيم تخلو في أكثرها من نقاد الرواية المعروفين، أو حتى من نقاد الرواية الشباب وغير المعروفين، على فرض أن الجائزة تريد أن تشرك نقادا جددا فكلنا يعرف هنالك الكثير من الأسماء المهمة، أما ما حدث فكان مصنوعا إلى أقصى حد، ففي البيان الصحفي الذي أعلن في لندن بين ما يلي: (رئيس لجنة التحكيم صموئيل شمعون، وعضوية كل من محمد بنيس، غالية قباني، بول ستاركي، محمد برادة، فيصل دراج) وللقارئ الكريم أن يعرف أن رئيس لجنة التحكيم السيد صموئيل شمعون صحفي وليس ناقدا، ومحمد بنيس شاعر، وغالية قباني قاصة، وبول ستاركي مترجم، أما الإسمان الآخران هما فيصل دراج ومحمد برادة فقد وقعا تحت قبضة رئيس لجنة التحكيم. وبالتالي جاءت النتائج مخيبة، على أكثر من صعيد.
الصعيد الأول هو أن الروايات الست المختارة لم تكن واحدة منها جماهيرية أو حظيت بإطراء قليل لا من الصحافة ولا من النقد ولا من الجمهور، وبالتالي فإن وضع القائمة بهذه الطريقة يثير الكثير من التساؤلات حول الدوافع وحول الأهداف، فكلنا يعرف أن هنالك الكثير من الروايات العربية المهمة المساهمة، ولكتاب من الشباب تتمتع بقدرات فنية عالية يجمع عليها الجميع يمكنها أن تقدم صورة واضحة عن الرواية العربية اليوم، فيحق لنا أن نتساءل عن سبب استبعادها وعدم اختيارها، وبدلا من ذلك تم الاعتماد في اختيار الروايات على مقياس غريب وهو استبعاد واضح للرواية العراقية والمغربية والفلسطينية والسعودية، وهكذا ستكون نتيجة البوكر العربية هي اختيار أضعف الروايات من مصر ولبنان وسوريا والأردن، واستبعاد أهم الروايات في بلدين على الأقل قدما في السنوات الأخيرة إنتاجا عربيا متميزا في الرواية هما العراق والسعودية، وإذا قبلنا أن الانتاج السعودي كمي وليس نوعيا، فقد قدم العراق نماذج نوعية للرواية العربية لا يمكن إغفالها على الإطلاق.
لقد جاءت نتائج الجائزة مخيبة للآمال، سواء أكان في تشكيل لجنة تخلو من النقاد، أو لجنة تقع تحت قبضة رئيس اللجنة ومبتكر الجائزة، لتقدم الجائزة فيما بعد صورة مشوهة عن الرواية العربية، وتصيب القارئ العربي والكاتب العربي بخيبة أمل، الأمل الذي عقده على جائزة موازية لأكبر جائزة أوربية، وبالتالي لحقت هذه الجائزة بمثيلاتها من الجوائز العربية، بل أقل من ذلك بكثير، فالجوائز العربية تداري في الكثير من الأحوال ماء الوجه، وتقدم الجائزة لكتاب لا يمكن الاختلاف عليهم، ولكن هذه الجائزة جاءت من الباب الخلفي، لتعلن عن جهل وعدم احترافية مطلقة، أو عن غرض مبيت، وهذا الغرض مع الأسف، هو في أحسن الأحوال، تشويه صورة الرواية العربية والأدب العربي.