في سابقة هي الأولي من نوعها
أنغام وآيات كتالوج ينطق بروعة فن الخط الفارسي
محمد الحمامصي:
يأتي هذا الكتالوج (أنغام وآيات.. روائع الخط الفارسي) بهدف تقديم مجموعة من المخطوطات الإيرانية إلي اهتمامات وعناية العلماء، ومؤرخي الفن والخطاطين، وتتألف من 250 ورقة مفردة بأقلام كوكبة من مشاهير الخطاطين الفرس، وتغطي هذه الأوراق مسافة زمنية تبلغ 400 عام فيما بين القرن السادس والقرن التاسع عشر الميلاديين، حيث تكشف عن تطور الكتابة الفارسية من خلال مقتطفات أدبية مرموقة إيرانية وعربية علي حد سواء، وقد صدر الكتالوج نتاجا لتعاون بين مركز الخطوط التابع لمكتبة الإسكندرية ومؤسسة البخاري ومتحف الفنون بماليزيا هادفا إلي الكشف عن تطور فن الكتابة كمساق تراثي ـ كما يؤكد مدير متحف الفنون الإسلامية الماليزي ـ من خلال سلسلة متعاقبة من الأساتذة إلي مريديهم وذلك من خلال مجموعة من الأوراق التي استخدمت كمسودات للتمارين، ثم من صحائفبريشة هؤلاء الأساتذة المرموقين. وفي هذه المجموعة النادرة نري نماذج من خطوط مختلفة كخط النسخ، الرقعة، النستعليق، الشكسته، وسياه مشق. وعلي الرغم من كون الكتالوج بمثابة المتحف إلا أنه صحبه مقدمة تاريخية لنشأة الخط الفارسي ولتطوره والعناصر الجمالية التي صحبت هذا التطور، ثم أنواع الخطوط وأبرز الخطاطين وغير ذلك مما يرتبط بهذا الفن الجميل.

شهدت فارس مولد أنساق مختلفة من الكتابة، الأمر الذي مهد لظهور أدب جديد في الأوساط الأدبية في العهد الصفوي بإيران. ولقد حظيت المخطوطات المنفردة بمدائح وادعيه للخليفة علي بن أبي طالب، وبمقتطفات صوفية، وبمراسيم ملكية.ولقد لقيت أطروحات نظامي quot;الخمسةquot;، وquot;مثنويةquot; جلال الدين الرومي، و quot;فال نامةquot; لجعفر الصادق (قصة الإسراء والمعراج للرسول، وكذا الملاحم الشعرية في quot;شهنامةquot; الفردوسي، وجدت جميعها بل حظيت بالأفضلية في المخطوطات المزخرفة، حيث تطورت المنمنمات البصرية لتوضيح تلك الصور الجميلة. كما أن المراسلات الملكية قد تطورت بدورها لكي تكشف عن مقدرة الخطاط عندما يطلب شيئًا في أدب جم، وعندما يرغب في إيصال انطباع بعينه في ذكاء يحسب له. يلاحظ أيضًا أن رسائل العتاب والتأنيب، وكلمات الحب الرقيق، والقرارات الدبلوماسية، قد خُطت جميعها في لغة مهيبة متناغمة. وكان متوقعًا من الطبقة المثقفة عندما تهم بالكتابة أن تبدع في كلماتها في إيقاع شاعري.
عندما يردد الخطاط أبياتًا من قصائد مرموقة، متمتمًا بنغماتها، وهو ينقر بأصابعه طربًا، فإنه يشعر برغبة جامحة في أن ينقل هذا الفن من الإنشاد إلى الأجيال التالية. وهذا الفن الدقيق غير الملموس كان في حاجة إلى ركيزة ذات بعدين؛ الهمة والتحدي، وهما ما تصدى لهما الخطاط الفارسي بكل شجاعة وعزم.
إن قواعد تلاوة القرآن الكريم قد أرشدت الخطاط عندما راح يهم بنقش النص المقدس. ويمكن تلاوة القرآن الكريم بطرق سبع، كما أن نطق كلماته يرشد القارئ إلى هذه التلاوات السبع.
عن ابن عباس rlm; rlm;رضي الله عنهما: أن رسول الله rlm; rlm;صلى الله عليه وسلم rlm;قالrlm; quot;أقرأني rlm; rlm;جبريل rlm; rlm;على حرف فلم أزل أستزيده حتى انتهى إلى سبعة أحرفquot;.


وكان علماء الدين الرواد يبحثون في طرق تلاوة القرآن الكريم، بما ينقل للسامع إيقاعه المبين. فعن rlm;أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع النبي rlm; rlm;صلى الله عليه وسلم rlm; rlm;يقول rlm;quot;rlm;ما أذن الله لشيء، ما أذن لنبي حسن الصوت بالقرآن يجهر بهquot;
لقد انتشر التصوف في فارس وبلدان العالم الإسلامي، وراح المتصوفة يبجلون التلاوات كل التبجيل. إن تلاوة الآيات والكلمات في وقع زمني متساو، والتمسك بالإيقاع، كل هذا صار عنصرًا جوهريًّا في الأذكار الصوفية. ففي الأذكار يتم ذكر اسم الله، من أجل تنقية الروح والسمو بها إلى الأعالي، طلبًا في التواصل مع الخالق جل جلاله. وجاء فن الخطوط ليكون خير تعبير فني يستخدمه الصوفي quot;كمنبع لذكر الله وللدعاءquot;.
ويمكن النظر إلى المخطوطات المنفردة على أنها تعكس ابتهالات الأذكار. وذلك أن اختيار بعض الآيات ونقشها في سطور واضحة الحروف ضمن النص، مع إضافة أسماء الله الحسنى (التسع والتسعين) في خلفية الصفحة بطريقة مقابلة، يمكن تفسيره على أنه تمييز بين طبقات صوت كل كلمة منقوشة. ويبدو الأمر كما لو أن جوقة تأخذ في تلاوة الآيات بنعمة عالية وواضحة، في حين أن صوتًا رقيقًا ينبعث من خلفية المشهد يترنم بأسماء الله الحسنى.
ويروي عن الخطاط محمد إسماعيل (من القرن التاسع عشر الميلادي) أنه كان يستمع إلى التلاوة المطولة للقرآن الكريم، عندما يهم بخط مخطوطاته. ولقد لاحظ أن الصوت لا ينتهي بطريقة فجة مفاجئة، وإنما هو ينساب ليساير النغم الصوتي الذي يعقبه. وعندما يمسك بريشته فإنه يرقرق عباراته في نسق متحدر منساب، وكأنه هو بدوره يترنم بفرشاته. وعندما تصل الخطوط إلى نهايتها، فإن نسق الخط يرفع من ذاته تصاعديًًا، بحيث يلامس السطر الذي يعلوه، ليتخفف بعدها ويتلاشى في الخلفية بأصوات رنانة، تمامًا كما نألفه في الموسيقى.
على أن بعض المخطوطات لا ترقى إلى هذا المستوى الموسيقي الرفيع. فهنالك مجموعة من المخطوطات المنفردة تهتم في المقام الأول بتسجيل الأحاديث النبوية الشريفة، والحكم والأمثال على لسان سيدنا علي بن أبي طالب، وبعض الأقوال المأثورة. ولكن من بين أهداف تلك الأمثال الحكيمة أن يقوم القارئ بتلاوتها دون توقف. ومع ترديد هذه الحكم مرات ومرات بإيقاع مطرد، يتمكن المنشد من تحرير عقله من الأمور الدنيوية، ويبدأ في مرحلة التأمل. وبناءًا عليه كان الخطاط يجبر على نقل نفس الشحنة الروحية داخل صحيفته ليعكس هذا النغم على وتيرة واحدة.
إن استخدام نمطين مختلفين من الكتابة أو لغتين مختلفتين في مخطوطة منفردة قد يعكس ضربين مختلفين من الإيقاع وقت التلاوة. إن طريقة تلاوة القرآن الكريم تختلف عن الطريقة المتموجة المنسابة (نستعليق) عند الإيرانيين. هذا وفي عقود الزواج الواردة على مخطوطات منفردة، نجد الخطين واللغتين تؤديان سويًّا مهمة إدخال البهجة والحبور، مع إحساسٍ بالنعمة الربانية. والانطباع الذي يمكننا أن نخرج به هو أنه حتى حركات جسم الخطيب (الواعظ) تحتاج هي أيضًا إلى مواءمة النص الذي يستشهد به في خطبته.
إن الجمال الذي يتسم به quot;النستعليقquot; وquot;التعليقquot; في الكتابة قد أتاح إمكانية التعبير عن الكثير من الألحان على صفحات الورق. كما أن الكتابة المائلة quot;شاليباquot; على المخطوطات قد عدلت الأسلوب الذي ينشد به كل مقطع ثنائي. وفي حالات كثيرة، يتم إنشاء السطر الأول من المقطع بصوت عال، مع تمديد آخر كلمة منه. أما السطر الثاني فيبدأ بصوت ناعم ومنغم، ثم يأخذ في الارتفاع ليتساوى مع الشطر الأول من المقطع.
أما أوراق التمرين (سياه مشق) فيمكن مقارنتها بالأوركسترا الموسيقية في تدريب أعضاء الفرقة على الآلات المختلفة قبيل أداء الفرقة الرسمي. فهنا نجد النغمة الواحدة تتردد مرارًا وتكرارًا، بغية الوصول إلى الكمال. ومثلما يحاول المنشد تنقية صوته، فإن الخطاط بدوره يترك العنان ليده وتصبح واضحة من خلال هذه التمرينات على المخطوطات حتى يصل إلى مرحلة الإنجاز.
ولقد لقيت أوراق التدريب شعبية واسعة في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين، كصحائف صوفية تنطوي على رسائل خفية، لا يمكن فك طلاسمها إلا بقلب نظيف. وكانت كتابة المديح تتطلب إحساسًا من السلاسة والرضا لخطها.
وإذا نحن قلبنا الصحائف المنفردة، نستشعر صوت الخطاط: وكأنه يترنم بالكلمات التي يحفظها عن ظهر قلب. وتعد كتابة quot;شكستهquot; درة الكتابات، من حيث الإيقاع الموسيقي والأداء. ذلك أن مخطوطاتها تشع بالحركة في كل اتجاه، البعض في شكل دوائر وحلزونيات، والبعض الآخر يشع من نقطة الوسط لينتشر إلى الخارج. وبعض هذه الكتابات يرد في عبارات قصيرة، مكتوبة في موقعين بألوان مختلفة، في حين أن بعض المخطوطات تفيض بالذبذبات والحيوية الدافقة، ولكنها جوقة موسيقية من آلات عديدة، ومثلما يمسك قائد الأوركسترا بعصاه، يمسك الخطاط بريشته من البوص ليخط كتابته.


النسخ والرقعة
كان خطّا النسخ والرقعة من أوائلالخطوط المتصلة الأحرف التي استخدمت في إيران للنصوص الدينية، والوثائق الرسمية، والملاحم الشعرية. وقد تطور خط الرقعة تحت رعاية الخلفاء العباسيين إلى أن أصبح الخط المفضل للعائلة الحاكمة، حيث استخدم لتحرير توقيعاتهم وألقابهم، وقد وجد هذا الخط أيضًا في المخطوطات إضافة إلى الفنون الثانوية التي كلف بها القصر. وفي إيران احتفظ خط الرقعة بمنـزلته كخط مستخدم في تواقيع الخطاطين لبيانات كتابة القرآن والنصوص الدينية.
إن خط النسخ الذي تطورت جمالياته في بغداد حتى القرن الثالث عشر الميلادي، قد شهد إعادة إحياء له خلال القرن الثامن عشر الميلادي بإيران تحت إشراف الخطاط أحمد النيريزي.
استقر أحمد نيريزي بأصفهان ومنحه الشاه سلطان حسين (1682-1739) لقبًا سلطانيًا، وأثناء هذه الفترة أنتج أحمد نيريزي بعضًا من روائع الخط الفارسي بأسلوب النسخ. وفي عصره اقتصر خط النسخ على تدوين النصوص الدينية وكتابة القرآن الكريم.
تعرض مجموعة متحف الفنون الإسلامية بماليزيا مجموعة رائعة من الأوراق المخطوطة لخطي الرقعة والنسخ، وجميع الأوراق المخطوطة مكتوبة باللغة العربية حيث تتضمن آيات من القرآن الكريم، نصوصًا دينية، أحاديث للرسول، حكايات، نصائح، أمثال، وحكمًا للإمام علي.
تعرض مجموعة متحف الفنون الإسلامية بماليزيا أوراقًا مخطوطة من القرن الخامس عشر الميلادي للخطاط البارع محمود النيسابوري، إضافة لأوراق مخطوطة لميرزا أحمد النيريزي تعود إلى أوائل القرن الثامن عشر الميلادي والتي تمثل المراحل الأساسية من حياته.
تعتبر الأوراق المخطوطة والتي قام محمد النيسابوري بإكمالها معبرة عن خط النسخ الإيراني وقوته الحقيقية وتجانس التأثيرات القوية التي تطفو ما بين السطور.
كما تقدم المجموعة أيضًا أعمال كل من محمد هاشم ومحمد صالح والتي تعود إلى أواخر القرن الثامن عشر الميلادي، وأعمال محمد شفيع ومحمد إسماعيل من أوائل القرن التاسع عشر الميلادي، إضافة إلى أعمال محمد محسن، زين العابدين، ومحمد بديع الهمداني من منتصف القرن التاسع عشر الميلادي.


خط التعليق وخط النستعليق
يعتبر خط التعليق أول أشكال الخط الفارسي التي نشأت من الكوفيالشرقي الإيراني. وقد جاء هذا الخط خليطًا من الرقعة والتوقيع. إذ أُطلِق على اسم quot;الخط المعلقquot;، معبرًا عن تدفق حروفه وسيولتها. تبرز حروف التعليق ليونة في الرسم التي تتيح تعريضًا ومبالغةً في انحناء مؤخرة الحرف. بلغ خط التعليق ذروة تألقه خلال عهد شاه إسماعيل وشاه طهماسب (1524-1576)، ثم أصبح مشهورًا ومتداولاً بين الخطاطين الفارسيين الذين نشروه بعد ذلك في تركيا والهند.
رسم خط التعليق بقلم سميك إذ تبدو الحروف قصيرة عمودية ورفيعة مع التركيز على أفقيتها. وبناء على قول المؤرخ الاجتماعي ابن خلدون (توفي سنة 808 هـ/ 1406 م): quot;من بين الخطوط الحديثة أصبح خط التعليق عرفًا سائدًا حيث أصبحت ترتبط بعض الكلمات ببعضها البعض مع تعمد إلغاء وإهمال بعض الحروف التي لا يعرفها عامة الناس إلا الخطاطين مما يخلق نوعًا من الالتباس. هؤلاء الخطاطون هم الذين يخطون كتب المراسيم الملكية ودفاتر السجلات القانونية. وقد ظهر خط التعليق في فترة قصيرة ثم استبدل به خط النستعليق.
تحتوي المجموعة المنتقاة في متحف الفنون الإسلامية بماليزيا على بعض اللوحات الفنية لخط النستعليق، حيث إن معظمها يبرز خصائص الخط المعلق. كتبت بعض أجزائها باللغة العربية والبعض الآخر بالفارسية، حيث تعرض قوة الخط الفاخر وبراعته.
quot;في خط التعليق تظهر الألفات مثل الشجيرات الطويلة التي تريح الروح وتمتع الأبصار، إن الصاد كالعين القريرة، الدال واللام كالقلب الذي يفتن المحبوب، أما تدويرات النون فهي مثل رموش العين التي تدمر الحسناوات. إن كل جزء من نقاط الخط مثل بؤبؤ السواد، فكل حركة من حركاته مثل ماء الحياة في عتمة الحبر الجاري.quot;
كانت هذه تأملات وإيحاءات الخطاط بابا شاه (القرن السادس عشر الميلادي) في خط النستعليق التي خطت بقلم الخطاط السلطان علي مشهدي. كان النستعليق يسمى عروس الخطوط، نظرًا لفخامته وتألق مظهره الإيقاعي. حيث امتزج خط التعليق مع خط النسخ في شكل متناسق متجهًا إلى تطور النمط الإيراني في الخط. ونشأ خط النستعليق وازدهر في إيران منذ القرن السادس عشر الميلادي حيث استعمل في اللغة الفارسية.
استعمل الخطاطون الفارسيون خط النستعليق في بعض النسخ القرآنية. أشهر مثال أنتج تحت إشراف شاه طهماسب والخطاط شاه محمود النيسابوري (تقع الآن في إسطنبول) في 945 هـ/ 1538 م، إلا أن المحتوى لم يكن مرضيًا. أصبح خط النستعليق مشهورًا ومتداولاً بشكل زخرفي مرسوم على الخزف، الأدوات الحديدية وحتى على العملات النقدية.
تمثل مجموعة متحف الفنون الإسلامية بماليزياIAMM بعض الصفحات الخطية الفارسية الرائعة التي خطت بخط النستعليق من القرن السادس عشر إلى التاسع عشر الميلاديين. وساهم أشهر الخطاطين في ترتيب الصفحات الخطية حسب التسجيل التاريخي. فمن ورشة شاه طهماسب تعرض المجموعة أعمال كل من الخطاط عيشي وشاه محمد نيسابوري. ومن أشهر خطاطين القرن السابع عشرا لميلادي مثل أبو البقاء، عبد الرشيد الديلمي، محمد باقر ونجد منافسة بين صفحاتهم الخطية الرائعة، ومن القرن الثامن عشر والقرن التاسع الميلاديين الخطاط حكيم بن فيصل، خليل الله وعبد اللطيف لاريجاني.
تعرض المجموعة المقتناة خط نستعليق بجانب خط التعليق والنستعليق بجانب خط الشكسته في صفحات خطية أخرى. إن جمالية خط نستعليق وتنوعه يشهدان على حقيقة روح خط النستعليق كخط مرن، خفيف وجذاب.


خط الشكسته
يتم وصف الشكسته بالخط المكسور، تطورهذا الخط وازدهر في إيران خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر الميلاديين. ويعتبر خط الشكسته خطًّا رائعًا وواضحًا. ومع ذلك يبدو مكسورًا عندما تجتمع الحروف سوية بسبب سرعة يد الخطاط.
وقد تم تطوير خط الشكسته في الأصل لاستخدامه في الوثائق الرسمية، حتى أصبح استخدامه أكثر شهرة كبنية تزيينية أكثر من استخدامه للبلاغات الرسمية. وبمرور الوقت كشف خط الشكسته عن جماله الخفي وأصبح منظمًا. وطبقًا للقاضي أحمد، فإن والده مير منشي حسين قد كتب بخط الشكسته، بينما كان سيد شفيع المطور الرئيسي له (1085 هـ/1675 م) تحت رعاية مرتضى قولي خان شاملو حاكم هيرات.
وبعد قرن، أًصبح درويش عبد المجيد تاليقاني (القرن الثامن عشر الميلادي) سيد أسلوب الشكسته، وكان يطلق على نفسه في العديد من الأوراق المخطوطة لقب شكسته نيغار أو كاتب الشكسته. وقد تطور خط الشكسته من خلال خط النستعليق، وقد وضع للخط الجديد مجموعة من القواعد المعقدة،والتي استخدمت فيها الرموز الاختزالية.
وبمرور الوقت تم تجاهل العديد من القواعد المعقدة، وتم إعطاء الفنان الكثير من الحرية لإبداع انطباعاته المستقلة.
تطور غبار شكسته كأسلوب للكتابة دقيقة الحجم، ورغم ذلك فإنه لم يتم تخصيص هذا الخط لاستخدامه في نسخ المصحف الشريف، ويعتبر خط الشكسته واحدًا من أكثر المساهمات تميزًا للخط في العالم الإسلامي.
وفقًا لسلطان علي مشهدي (توفي 924 هـ/1519 م) كانت متطلبات الخطاط هي:
حبر أسود كحظ الخطاط (سوء الحظ)، قلم لا يهدأ مثل العيون التي تذرف الدمع، وروح رائعة مثل الخط، لصديق جميل.


سياه مشاق
في المرحلة التطبيقية من رسمالخط التي تحتاج إلى أناة وصبر، تعاد الحروف عدة مرات وتضبط انحناءاتها وتقاطعاتها، ومن هنا انبثقت مجموعة من مخطوطات التمرينات في عالم الخط الفارسي. عدة تدريبات ضرورية لدى الخطاطين المبتدئين للانتقال من الهواية إلى الاحتراف. في هذه المرحلة ينقل التلميذ صفحة المحترف بإتقان، مشكلاً حروفًا معزولة، وتركيبات قصيرة، بل يتعدى ذلك إلى نقل الإمضاء الشخصي لأستاذه أو مدربه المحترف.
تقدم هذه الصفحات إيحاءات عن العفوية والتخيل اللذين لم يكونا مشجعين في كثير من أنواع الخطوط النظامية.
التمرن هو جزء مهم من تدريب الخطاط، حيث كل حرف يحتاج إلى تمرن على حدة أو بارتباط مع حروف أخرى، وهذه المسودات تحتاج إلى مهارة وإتقان، وحتى وإن لم تكن ذات معنى حيث تعرف بالمسودة، كما تتضمن ممارسة تدريبية حيث تتداخل الكلمات، عادة ما تأخذ هذه المسودات لون الحبر الداكن. بسبب استنفاد كل المساحات في المسودة، إذ ان للورقة قيمة ثمينة. وأحيانًا يغسل الورق ويعاد استعماله. إن المسودة التي استعملها الخطاط في كثير من الحالات تبدي جوانب ضعفه وجوانب قوته في بداية مراحل تلقيه أفكارًا جديدة عن الخط. وجمالية سياه مشق في إيران جاءت من الإعجاب وتألق الإيحاءات الخيالية في طريقة إنجازها. حيث وُِّقَعْت كثير من الصفحات الخطية بهذا الشكل.


التوقيعات
من خلال التمعن في جمالية الصفحات الخطية، توجد لمسات خفية ومعان خيالية في بداية تطورها. بما أن هذه الصفحات تبدو في حلة جديدة مما يعطي لمحة عن تنفيذها تحت رعاية الحاكم وذوقه. وحاليًا نجد في بعضالصفحات الخطية صعوبة في حل الشفرات وفك الرموز، لكنها تمثل وحدة متكاملة في ذهنية الخطاط وصفاء روحه في تركيبه الإيقاعي. إن الخطاط المبتدئ يمكنه تطوير بعض التمرينات من أجل تحسين نوعية الخط والصورة الجمالية لتداخل الجمل والعبارات.
التوقيعات هي آخر كلمات ينقشها الخطاط على المخطوطة، وأول كلمة يبحث عنها القارئ، وتعد التوقيعات بالنسبة للخطاط والفنان بمثابة السيرة الذاتية لهم، وقد نفذت هذه التوقيعات بعناية ودقة محكمة باختلاف المخطوطة واختلاف الحجم واللون لإتمام جمال عمل الخطاط.
وربما تعد التوقيعات من أكثر الوثائق المؤكدة ضمن مجموعة مخطوطات منفردة، وتشير التوقيعات إلى صحة المخطوطة وأصالتها وإلى تطور الأسلوب الدقيق للخطاط.
كما توضح أيضًا اختيار الخطاطين للموضوع، كما إنها توضح مهارة هؤلاء الخطاطين في اللغة العربية، هذا بالإضافة إلى أنها تشير إلى تفضيل الراعي المباشر للخطاط وإلى النمط السائد في المجتمع.
وتحتفظ مجموعة متحف الفن الإسلامي بماليزيا بأكثر من 35 توقيعًا واضحًا ومقروءًا وهي ترجع إلى ما بين القرن السادس عشر وإلى القرن التاسع عشر الميلادي في إيران، وترجع بعض هذه التوقيعات إلى خطاطين من ذوي الشهرة الذين لهم قدرهم في عالم الخط الإسلامي لإسهاماتهم الرائعة، وتحيط بالتوقيعات كلمات، وهي إما أن تكون عبارات ثناء ومدح للخطاط، أو تشير إلى صفات تدل على التواضع مثل: quot;فقيرquot; وquot;عبدquot; وquot;مذنبquot; أو تأتي على هيئة لقب مثل: quot;أستاذquot;، quot;سلطانquot; أو quot;درويشquot;، ولقب درويش أصبح تعبيرًا أو صفة شخصية أعجب بها الكثيرون، وقد مدح القاضي أحمد أحد مجلدي الكتب بأنه يملك طبيعة الدرويش، وهناك بعض الألقاب الأخرى مثل quot;ميرquot; وquot;ميرزاquot; وهي جزء من اسم الخطاط.. النسبة أو اسم المدينة التي كان ينسب إليها الخطاط عادة ما تضاف إلى نهاية التوقيع، وعلى سبيل المثال ميرزا حسن الكرماني، محمد شفيع التبريزي، ومحمد صالح اللؤلؤي الأصفهاني. وتتغير نسبة الخطاط وفقًا لمكان عمله، وتصبح مفخرةً له إذا كان منضمًًّا إلى المرسم الملكي في العاصمة أصفهان.. وفي بعض الأحوال يشير التوقيع إلى مدى براعة العمل، فعلى سبيل المثال نجد كلمات تشير إلى نهاية مخطوطة: quot;المسودةquot; (نسخة الإعداد) أو quot;المشقquot; (صفحات التمرين) أو quot;كتبهquot; (أي كُتب بواسطة)، ولكن في أغلب الأحوال يبقى الاسم وحده دلالة على الفخر والثقة بالنفس.


الخطاطون البارزون
يلقي الكتالوج الضوء علي اسهامات الخطاطين البارزين الذين يعدون أساتذه مرموقين أمثال: عبد الراشد الديلمي 1638 م/ 1048 هـ، الخطاط المشهور الذي ترك أرض الدولة الصفوية وذهب إلى ورشة الموغال جاهنجير في عام 1628 م، أنتج أهم روائع الخط الفارسي، كما أنه زاد من أهمية خط النستعليق في الهند. كان تلميذ الخطاط مير عماد وابن أخيه. وفي الهند كان رئيس ورشة شاه ﭼهان وقد غير اسمه لأغا راشد.
وعبد اللطيف اللاريجاني، القرن التاسع عشر الميلادي، حيث كان عبد اللطيف خطاطًا في فترة فاتح علي شاه (1797- 1834 م). عمل لدى حاكم الكاجار وأنتج مجموعة جميلة من المخطوطات. وتوقيعه quot;فاتح شاهquot; على الورق. وقد تم استخدامه فيما بعد على العملات.
اما الخطاط أبو البقاء الموسوي 1027- 1100 هـ/ 1618- 1680 م، فكان خطاطًا مهمًا في أصفهان، سافر إلى الهند وكتب قصة شهيرة بعنوان (نارابادي)، توفي في عام 1100 هـ. وقد قام أبو البقاء بتوقيع مخطوطة ضمن مرقع مجموعة الخليلي، وقد كان توقيعه في ذلك المرقع quot; نامه كاهوquot; أي أنه قد قام بتهذيبها وترتيبها. والتوقيع يشبه توقيعات مجموعة IAMM، ويرجع تاريخها لعام 1027 هـ/ 1618 م. وهناك عينة أخرى وجدت في مجموعة طارق رجب،ألبوم مكتبة بيير مورجان.
ومن خطاطي القرن الثانى عشر الهجري الي الثامن عشر الميلادي، عبد المجيد التليقاني واسمه درفيش عبدول ماجد التليقاني، كان المنظم والأستاذ الحقيقي لأسلوب خط الشكسته. اعتبره خطاطو عصره أستاذ كل الخطوط. توفي في أصفهان سنة 1771 م. كان يفخر بأن يصف نفسه في العديد من المخطوطات بأنه أستاذ شكسته النيجار. كان خطاطًا نشيطًا خلال الـ 15 عامًا الأخيرة من حياته. اُعتبرت بعض أعماله من أهم الإسهامات الإيرانية في فن الخطوط. سميت هذه الأعمال بالفارسية- عربية وأصبحت من أهم القطع خلال القرن التاسع عشر الميلادي.
كما تتضمن المنمنمات أعمال علي محمد الأصفهاني، وهو خطاط عاش في القرن التاسع عشر الميلادي، وتفوق في النصوص الدينية. وأيضا أعمال أحمد الموسوي بن مهدي الموسوي، من مدينة موصل. وكان يعد خطاط القرن التاسع عشر الميلادي الذي وقع اسمه في مواضع بارزة. وظهر في نفس الحقبة الخطاط علي أصغر الهمداني.

الكتاب: أنغام وآيات: روائع الخط الفارسي: مجموعة من متحف الفنون الإسلامية بماليزيا
إعداد:هبه نايل بركات
الناشر: مكتبة الإسكندرية 2007.
عدد الصفحات: 181صفحة.
المقاس: 25*33سم