هنا نص أجوبة عبدالقادر الجنابيعلى الأسئلة التيطرحتهاجريدة quot;النهارquot; اللبنانية على مجموعة من العاملين في الانترنت حول التأثير المتبادل بين الانترنت

اقرأ أيضا: تقاسيم رقميّة
والصحافة الورقية:


سيلفانا الخوري: - هل تظن ان المواقع الثقافية متقدّمة اليوم، من حيث الحضور والحيوية ومواكبة المتغيرات الثقافية، على الدوريات والصفحات الثقافية في الجرائد؟
عبدالقادر الجنابي- من حيث الكم نعم، أما من حيث النوع فلم تتقدم لا ثقافيا ولا تقنيا. فأغلب ما يسمى بالمواقع الثقافية لم تستطع خلق سمات مميزة بها، فهي، في اغلب الأحيان، تعيد نشر مقالات كتاب يعملون في قسم الثقافة في الصحافة الورقية: وهذا يعني أن إعادة النشر هذه ليست رغبة نابعة من حرص ثقافي ومسؤول، وإنما من باب المقايضة والخوانجيات، كي يستطيع المشرف على هذا الموقع أو ذاك أن يَنشر أو يُنشر عنه في ثقافة الصحف الورقية. وإلا كيف نفسر ظاهرة المدح العالي في الصحافة الورقية لأميين. كما أن الثقافة الشبكية لا تتقدم أبدا على الثقافة الورقية، وإنما تعكسها. وبما أن الثقافة الورقية عندنا هي نفسها متخلفة، فالثقافة الشبكية تبين هذا التخلف. ربما هناك نقطة واحدة تتميز بها الثقافة الشبكية عن الورقية، هي: quot;حريةquot; الردح والقدح.

-هل بات النشر على الانترنت الطريقة المحتّمة من اجل حضور ثقافي فاعل، بحيث اما ان تكون حاضراً على الشبكة واما انت غير موجود؟
نعم! فالأميون ليس لهم أصلا وجود، لذا على كل واحد منهم أن يقنع نفسه كل صباح أو مساء بأنه موجود فيدبج مادة ويرسلها الى هذه المواقع، فيرى أسمه وصورته فيشعر برهزة... والطامة الكبرى أن مسؤولي الأقسام الثقافية في الصحافة الورقية يعيشون نفس عقدة الظهور، فيقبلون بكل شروط المقايضة مع أميي هذه المواقع، لكي تظهر أسماؤهم فيها. وإذا كان هناك بعض الحضور الثقافي الفاعل لعد محدود من المفكرين والمثقفين، فهو لا يزال على الورقية أكثر مما على الشبكية.

- عالم موازٍ موجود اليوم على الشبكة يتيح حريات وآفاقاً لم تكن متوفرة للكاتب العربي قبل الآن. الى اي مدى يتيح النشر على الشبكة حرية اكبر؟ وما طبيعة هذه الحرية واين هي حدودها؟ وهل يجيد الكاتب العربي استغلالها؟
في مقال لي نشرته quot;مساراتquot; العراقية، جاء فيه التالي: الانترنت عالم فسيح، وهو مُكوِّنٌ ثقافي في المجتمعات الحالية. فهو يشكل، من وجهة نظر العالم المتطور كأوروبا وأمريكا، امتدادا للحرية الفكرية ووسيلة تفضي بالباحث إلى كل ما لم يخطر بباله. فاستخدام الأوروبيين للانترنت استخدام معرفي، غرضه الاستفادة والاطلاع والتمتع. بينما، الانترنت من وجهة نظر المجتمعات العربية، ليس سوى نافذة تطل على ما تفتقر إليه هذه المجتمعات: الحرية الفكرية.. إنه المرآة التي ينعكس على سطحها الثقافة الغائبة في الحياة العربية اليومية. وها أن حالة استمنائية تتجلى في علاقة قارئ الثقافة الذي يعيش في دمشق، الخليج.. الخ، مع محيط ثقافي فاقد الهوية اسمه الانترنت. فالثقافة الافتراضية المتجلية بالانترنت هي أشبه بصورة يَنظر إليها هذا القارئ لكن غير مسموح له بتفعيلها عمليا ودون خوفhellip;الانترنت لايزال، عندنا، مجرد شاشة، وليس كما يفترض ومعمول، في أوروبا مثلا، أداة بحث. من هنا نجد آلاف المواقع الثقافية، لكنها مفرغة من الدور الثقافي: البحث الجدي، إيقاظ الوعي والشعور بالمسؤوليةhellip; إنها أشبه باستبدال كبت واقعي يومي بحرية وهمية وإيهامية لانتيجة لها.

-لا يزال القطاع الاعلاني العربي على الشبكة ضعيفاً بل شبه معدوم، علام تعتمدون في مسألة التمويل؟ وهل النهوض بموقع ثقافي هو مسألة مكلفة عموماً؟
- هناك نمطان من المواقع. النمط الأول وهو المنتشر فتح دكان لقاء ثمن بسيط سنوي والاكتفاء بأخذ مواد من هذه الجريدة او ذلك الموقع الكبير، وأصحاب الاعلانات لايفكرون لحظة بنشر إعلان في هذه الدكاكين. أما النمط الثاني وهو المسمى جرائد الكترونية كـquot;إيلافquot; ( والتي تكلف ناشرها مايقارب مليوني دولار سنويا)... وتعتمد على تمويل مستقل ومن جيب صاحبها... وكونها مستقلة وتسمح لكتابها التعبير بحرية كاملة عن أفكارهم، حد أن تُحجب بسببهم (إيلاف للعلم محجوبة منذ سنوات في السعودية)، فالإعلان جد ضروري لها للتخفيف من العبء المالي، لكن، بما أن في مجتمعاتنا المتخلفة كل شيء مشدود الرجل، فإن الحصول على إعلان ليس بالأمر السهل، ولأن مجتمعاتنا يتحكم فيها الاستبداد والرقابة بأعلى درجاتها، فإن الإعلان مرتبط جوهريا بمشيئة النظام، ولن يتوفر لأية مؤسسة إعلامية مستقلة، وتوفرُه لا يدل على أية منفعة اقتصادية بقدر ما يدل على تقليص حرية التعبير وخنقها. ومع هذا هناك عدد ضئيل يريد أن يعلن في إيلاف بسبب نسبة قرائها العالية جدا.

- ما حجم المشاكل المتعلقة بحقوق الملكية الأدبية والفكرية التي تواجهها في هذا الفضاء المفتوح في ظل غياب التشريعات الواضحة في العالم العربي؟ وكيف تتعامل مع هذه المشاكل؟
- من خلال تجربتي في quot;إيلافquot; (وهنا تكمن فضيلة الانترنت) وجدت ان الثقافة العربية يمكن اختزالها بكلمة واحدة انتحال. فنحن ما نكاد ننشر مادة ثقافية أو فكرية، بل حتى تقارير صحافية صغيرة، حتى نجدها بعد ساعة في هذه المواقع اللامسؤولة/ من دون ذكر المصدر، بل حتى من دون ذكر كاتب المادة وموقعة باسم آخر نكرة لا أحد يعرف من هو. لذا أنا اعتقد انه على عدد من المواقع الإعلامية الكبرى، وهي عدد صغير، أن يتوحدوا في مسألة اتخاذ إجراءات قانونية ضد كل هذه التصرفات الضاربة في صميم المرجع الفكري اللازم لفهم المكتوب؛ أن يتابع محام مثلا أمر السرقة مع مسؤولي السيرفير لغلق الموقع السارق. لمدة شهر، شهرين، سنة أو مؤبد، حسب حجم السرقة التي قام بها.

- كيف تؤثر طبيعة الموقع الثقافي من حيث كونه فضاء افتراضياً على النص المنشور وعلى طريقة تلقّيه؟ وهل تلاحظ نشوء كتابة جديدة تحمل سِمات حاملِها الافتراضيّ؟
- أولا أن الانترنت لا يؤثر قطعا على مضمون الثقافة أو على شكل الكتابة، وإنما يؤثر اقتصاديا على الشكل البضاعي للثقافة. مثلا، فكرة تحميل الموسيقى لقاء ثمن زهيد أثر كليا على تجارة الأقراص المدمجة، لكن لم يؤثر قطعا على مضمون الموسيقى. وأعتقد أن الفضاء الورقي لا يزال عندنا هو الطاغي وهو سيد الأمر، وهذا يعرفه كل من أنشأ موقعا في فضاء الانترنت. فالقارئ لا يزال يحترم المكتوب المطبوع وليس المكتوب الرقمي، بل حتى المشرفون على المسماة مواقع ثقافية، يشعرون برعشة جنسية أذا طبعت لهم دارُ نشر كتابا، أو صحيفةٌ مقالا، وعندها فقط يستطيعون أن يعتبروا هم أنفسهم كتابا. الانترنت بالنسبة الى القراء العرب، وكل حسب حاجياته، أشبة بآلة فوتو كوبي توفر له نسخا مرئية لما لا يستطيع الحصول عليه مما هو مطبوع. فالانترنت يوسع وسيلة الإيصال دون أن يؤثر محتوى المراد لإيصاله. أما المتلقي فهو أساسا غير موجود عندنا بالمعنى الدقيق للكلمة، أيْ متلق له حريته الكاملة بتلقي الأفكار واختيار ما يريد. المتلقي عندنا ورقيا وشبكيا، بصّاص مرعوب من فكرة أن يُرى... وبالتالي تزدوج في ذهنه المادة المتلقاة ndash; المبصوصة، ازدواجا يضطر إلى إخفائه حتى لا يُتهم أنه خرج على طاعة البيت. الكتابة لا تعود جديدة إلا إذا مست quot;المقدسquot; وخففت من سيطرته، وهذا لا يحدث إلا ورقيا أولا ثم ينعكس شبكيا. كل هذه الأسئلة لا نجدها هنا في أوروبا لأن الناس هنا يتعاملون مع الانترنت كأداة بحث، وليس كسرداب للبص والتلصص.

نقلا عن quot;النهارquot; اللبنانية عدد يوم الخميس 27 شباط (فبراير) 2008