ترجم بالتعاون مع المتحف البريطاني
محمد الحمامصي من القاهرة: يتوجه هذا الكتاب (كيف تقرأ الهيروغليفية المصرية القديمة؟) إلى دارسي اللغة المصرية القديمة الهيروغليفية حيث يعد دليلاً لتعليمها ومعرفة جمالياتها وعلاقات حروفها بالحياة في مصر القديمة، فهو لا يكتفي بتقديم نصوص هيروغليفية حقيقية مع شرح كامل لها، وكذلك تقديم أدوات مساعدة لدراستها، ولكن أيضا يعطي خلفية تاريخية لوجود هذه اللغة وما تمثله حروفها من علاقة مع الإنسان في ذلك الزمان. وما يميز هذا الكتاب ـ الذي صدر عن مركز الخطوط التابع لمكتبة الإسكندرية بالتعاون مع المتحف البريطاني ـ الفائدة التي يقدمها لكل من يطلع عليه، رغم أنه موجه إلى الذين ليست لديهم خبرة مسبقة في قراءة الهيروغليفية إلا أن الذين يريدون الاستزادة في مجال دراسة المصريات بصفة عامة سوف يستفيدون منه أيضاً، حيث يختتم بقاموس مصري قديم ndash; عربي، يضم الكلمات المصرية القديمة مرتبة ترتيباً أبجدياً.
وقد وقع الاختيار على هذا الكتاب للكاتبين مارك كولر وبيل مينلي لكونه أكثر الكتب انتشاراً في العالم في مجال تعليم الخط الهيروغليفي،فقد تمت ترجمته إلى أكثر من لغة لبساطته وتسلسل أفكاره، ما يتيح فرصة لغير المتخصصين للتعرف إلى مفاتيح الحضارة المصرية القديمة، وهو يحتوي على ثماني فصول تتضمن تمرينات مساعدة للقارئ، كما يتضمن قاموساً متخصصاً بكل العلامات التي تم استخدامها في النصوص الموجودة في الكتاب.
ويؤكد د. خالد عزب، القائم بأعمال مدير مركز الخطوط، أن الكتاب يأتي استكمالاً لاهتمامات مركز الخطوط بأبجديات وكتابات العالم بأكمله، فهو يستعد الآن لترجمةquot; كتابات الماياquot; للمؤلف مارك فان ستون من خلال سلسلة دراسات التي قامت بترجمة العديد من الكتب المتعلقة بمجال الخطوط والكتابات في العالم، وأهمها كتاب quot; تاريخ الكتابة من التعبير التصويري إلى الوسائط المتعددةquot; الذي حصل على جائزة الكويت للتقدم العلمي كأفضل كتاب مترجم للعربية في مجال العلوم والفنون والإنسانيات، كذلك ترجم المركز كتاب quot; اللغات البائدةquot; لأندرو روبنسون.
ويقول مؤلف الكتاب مارك كولر: قمنا بالتركيز على الآثار المحتواة في المتحف البريطاني وبصفة خاصة اللوحات أو النصوص الجنائزية الخاصة بالموظفين المصريين بالإضافة إلى توابيت المقابر ومناظرها، وكذلك قائمة الملوك الشهيرة بقائمة أبيدوس التي ترجع إلى عصر الملك رمسيس الثاني.
يقدم كل فصل من هذا الكتاب ملمحاً جديداً من الخط الهيروغليفي أو اللغة المصرية القديمة، وينتهي بنماذج من النصوص التي يمكن استخدامها للتمرين وصقل المهارة الشخصية في إتقان اللغة المصرية القديمة. وقد جاء الفصل الأول بعنوان الهيروغليفية، وهو عبارة عن تعريف للقارئ بماهية هذه اللغة والتي وصفت بأنها صور استخدمت كعلامات في الكتابة. يمثل كثير منها مخلوقات حية أو أدوات أو أجزاء مثل البومة، أو قِدر الماء.. إلخ. ويؤكد المؤلفان أن تعلم الهيروغليفية جزء من عملية تناول نقش هيروغليفي بالقراءة خاصة إذا أمل الدارس أن يتقدم في دراسة اللغة المصرية القديمة.
ويشير هذا الفصل إلى استخدام العلامات المصورة للتعبير عن الصوت والمعنى في اللغة المصرية القديمة تماماً كما هو الحال في الحروف الأبجدية التي تشير إلى نطق الإنكليزية. كما يذكر الكتاب أن معظم هذه الأصوات تشبه نظائرها في اللغة العربية والإنكليزية ويمكن ترجمتها مباشرة للحروف المعتادة من الأبجدية العربية أو الإنكليزية.كما توجد بعض العلامات ذات الصوت الواحد التي استخدمت لتمثل أصواتاً لا توجد في الإنكليزية سواء المكتوبة أو المنطوقة، على عكس توافقها التام مع اللغة العربية. وقد أدى عدم وجود هذه الحروف في اللغة الإنكليزية إلى استخدام علامات صوتية خاصة لتوافق النطق الخاص بهذه العلامات، وهو أمر يمكن الاستغناء عنه عند تحويل هذه الصوتيات للأحرف العربية.
وحول اتجاهات الكتابة؛ يوضح هذا الفصل أن الهيروغليفية استخدمت بطريقة جمالية أكثر من استخدامها كحروف كما هو الحال في نظم الكتابة الحديثة، خاصة أنها شكلت جزءاً أساسياً من الشكل الجمالي للأثر نفسه.
إن الكتابة الهيروغليفية هي كتابة اقتصادية من حيث المساحة المكتوبة. ويرشدنا هذا الفصل إلى طريقة سهلة لقراءة الهيروغليفية بترتيبها الصحيح؛ حيث ينصح بقراءتها من الأمام أو من وجه العلامة ونحو الخلف، ومن أعلى إلى أسفل في حالة أعمدة الكتابة، فالعلامات عادة ما تتجه في اتجاه بداية النص.
أما بالنسبة إلى الأسماء؛ ففي المصرية القديمة تنقسم الأسماء إلى مذكر ومؤنث، وهو أمر يسهل التعرف إليه حيث إن الأسماء المؤنثة تأخذ علامة محددة كنهاية لها في حين أن الأسماء المذكرة نادراً ما تأخذ نهاية محددة. ولا يوجد في اللغة المصرية الكلاسيكية كلمات خاصة بأدوات التعريف والتنكير المعروفة في اللغة الإنكليزية. ويعد استخدام حروف الجر أحد الملامح التي توجد في اللغة المصرية القديمة ولها مثيل في اللغة الإنكليزية.
وفي الفصل الثاني يعرض المؤلفان استخدامات أخرى للهيروغليفية، حيث يتم التعريف بالعلامات ثنائية الصوت والعلامات ثلاثية الصوت والتي تستعرض جمال الخط الهيروغليفي ومرونته. كما يقدم هذا الفصل معلومات مهمة عن أسماء ملوك مصر القديمة، ومنها أسماء الملوك التي ظهرت على قائمة أبيدوس المحفوظة بالمتحف البريطاني.
فيما يعرف الفصل الثالث بكتابات وهجاءات متميزة والاختصارات التي تغير في ترتيب العلامات، والكتابات غير المكتملة. وأيضاً صيغ القرابين وهي الأكثر شيوعاً بين النصوص الهيروغليفية الموجودة على الآثار الجنائزية الباقية من مصر الفرعونية.
وتتضمن صيغة القربان وظيفتين متصلتين: وظيفية وشخصية. على الجانب الوظيفي تبين وتدلل على حالة المتوفي وارتباطها بالنجاح الوظيفي له في الخدمة الملكية وتبين سلوكه الطيب في الحياة. هذا النجاح الوظيفي هو في الواقع عامل أساسي في تأهيل المتوفي للحصول على وسائل التخليد في شكل النصوص التخليدية والآثار الجنائزية، وقد كان الغرض من صيغة القربان أن تسمح للمتوفي بالاستفادة من القرابين المقدمة للآلهة في معابد الشعائر الأساسية والمقدمة باسم الملك بصفة خاصة في الأعياد والمناسبات. فتوزيع القرابين أو إعادة توزيعها يمثلان أهمية الحياة الوظيفية، خاصة المتعلقة بشخص الملك والمتصلة بالعلاقة بين الأحياء والأموات.
أما الوظيفة الأخرى لصيغ القرابين فهي الشخصية وترتبط أكثر بالشعائر الجنائزية للمتوفي في ما يتعلق بأسرته الخاصة. وقد تكون القرابين المقدمة للمتوفي واقعية (تقديم الأطعمة والشراب والبضائع) أو شفوية(من خلال قراءة صيغة القربان) بالإضافة إلى تلك القرابين يمكن أن تخلد في شكل تصوري أو مقروء(من خلال الفن والكتابة)، ويمكن أن تخلد القرابين المقدمة في مكان الدفن بواسطة أفراد الأسرة (خاصة الابن أو الوريث) أو عن طريق الأهل الذين يزورون المقبرة أو هؤلاء العابرين الذين يمرون على المقبرة أو اللوحة.
ويساعد الفصل الرابع القارئ على اكتساب المعرفة بالعلامات الهيروغليفية التي يحتاجها لهدفين محددين: الأول هو قراءة أسماء الملوك، أما الثاني فهو القدرة على قراءة صيغ القرابين. ويتضمن هذا الفصل أيضاً تحليل وتعليق على عبادة أوزير في أبيدوس حيث كانت مراسم الاحتفال السنوية ولوحات أبيدوس من أهم آثار الدولة الوسطى.
ويتطرق الفصلان الخامس والسادس للنصوص التي تقع في زمن الماضي حيث يتم التركيز على النصوص والنقوش التي يحكي فيها المتوفي ويصف حياته الوظيفية، كما يقدمان أيضاً الضمائر المستخدمة في اللغة المصرية القديمة. ويركز الفصل السادس على الوصف السردي المركب خاصة التعبير عن الاستمرارية إلى المراحل التالية من الحديث، وكذلك ذكر أشياء وأحداث أخرى تقع أثناء ذلك الزمن.
ويعطي الفصل السابع معلومات غزيرة عن التوصيف والتخصيص، إذ يركز على الصفات والنعت الذي يصف صاحب اللوحة كشخص عاش حياة أخلاقية أو شخص قام بانجازات جيدة في الخدمة الملكية.
في الفصل الثامن يقدم المؤلفان لدارس اللغة المصرية القديمة صيغة النداء إلى الأحياء، والتي يناجي فيها المتوفي أجيال المستقبل لتحافظ على شعائره الجنائزية. كما يتطرق إلى زمن المستقبل والذي استخدم خصيصاً للتعبير عن التمنيات والتوقعات. ومن الأمثلة التي يضربها الكتاب quot; صيغة أبيدوسquot; وترجع النسخة التقليدية من هذه الصيغة إلى النصف الأول من الأسرة 12 مع نسخة مبكرة غير تقليدية معروفة من عصر الأسرة 11 ولكنها غير تقليدية.
ويذيل الكتاب بقائمة كاملة بالعلامات الهيروغليفية، ومنها التي تمثل الإنسان وأجزاء من الجسم البشري، وعلامات تمثل مخلوقات وأجزاء من أجسامها والعلامات التي تدل على السماء والأرض والمياه والنباتات، بالإضافة إلى قوائم مرجعية للأفعال والضمائر والأسماء والصفات.
الكتاب: كيف تقرأ الهيروغليفية المصرية القديمة؟
تأليف: مارك كولر وبيل مينلي
ترجمة: خالد داوود؛ ومراجعة محمد شريف
الناشر: مكتبة الإسكندرية 2007
السلسلة: دراسات في الخطوط 5.