نعمة خالد من عمان: في إطار مهرجان أيام عمان المسرحية شاركت فلسطين ومن خلال مسرح الرواد المقدسي بمسرحية عن قصة للكاتب والشاعر طه محمد علي ولفها للمسرح ومثلها الفنان اسماعيل الدباغ.
تنتمي المسرحية إلى المونو دراما، حيث استولى الفنان اسماعيل الدباغ على المتفرجين لساعة كاملة وهو يخبرنا عن الأحداث الأليمة في حياة أبو حليمة.
نطل عبر العرض على طفولة quot; أبو حليمةquot; في أحد المخيمات الفلسطينية، هذه الطفولة التي كان من أقصى أحلامها امتلاك حذاء يقي قدميه الصغيرتين حر الصيف وبرد الشتاء.
وعبر أداء مميز للفنان نعيش هذا الحلم، ونحس برد رجلي الطفل وورمهما، وكذلك قد نقفز معه ونحن نحاول أن ندرأ حرارة الأرض عن القدمين الحافيتين.
يحلق الدباغ عبر كسر الزمن في حواري الوطن، ثم المخيم، ويسير بنا في دروب السياسة إلى العودة الناقصة للوطن بعد أوسلو. وعبر هذه المسيرة، يؤرخ الفنان لمدينة القدس، وللهزائم التي لحقت بالأمة العربية بدءاً من نكبة 1948 وحتى هزيمة 1967 التي جعلت من القدس مدينة محتلة.
ولا يخفى على المتلقي أن أبو حليمة هو من أولئك الذين ذاقوا مرارة الهزيمة عام 67 فهو قد شب والتحق بالجيش.
وعبر كوميديا سوداء يشخص الفنان الواقع العربي، وواقع اللجوء، والواقع العربي في القدس الذي يزداد سوءاً جراء الممارسات الإسرائيلية.
وإذا ما توقفنا عند أداء الفنان إسماعيل الدباغ quot;أبو حليمةquot; سنجد أنه قد خلق ليكون مسرحياً، فمن خفة في الحركة، إلى ملء الفضاء المسرحي، ليس من خلال السينوغرافيا، بل من خلال الأدوار المتعددة التي شخصها، والتي احتلت كل منها مساحة من المسرح، بالإضافة إلى القدرة على تلوين الصوت بحيث أعطى كل شخصية حقها، كل هذا جعل من المسرحية لحمة كاملة تشد إليها المتفرج دون أن تترك له فرصة أن يسرح أو يرد على الهاتف المحمول الذي نسي إغلاقه.
لم يشأ الفنان أن يبذخ في السينوغرافيا، فقد اكتفى بحقيبة هي رمز للترحال واللجوء، وحذاء عسكري لم يكن حلمه لكنه صار قدره، وبزة عسكرية طواها الزمن في الحقيبة، تشاء الصدف أن يكرم أبو حليمة، كجندي مقدام فيفرج عنها من ظلمات الحقيبة.
لم يسلم الراهن الفلسطيني والعربي من اللمز، فعبر مشهد مسرحي يشير الفنان إلى يسار الأيديولوجيا ويمينها، ففي المسرحية يعرف أبو حليمة الطفل أن بائع أحذية في المخيم يبيع الحذاء بعشرين قرشا، وبعد محاولات جهيدة مع الأهل الذين لا يمتلكون ثمن الحذاء، تستدين الأم ثمنه، وبعودجة سريعة للبائع، ينفي أن الأحذية قد نفدت ولم يبق إلا فردتان يمنيتان ، يصر على شرائهما، وحين يرتديهما يقع أرضاً.
وكأن بالدباغ يدعونا إلى التوازن والاعتدال، وبأن الأبيض أو الأسود ليسا المسارين الوحيدين،.
وعبر تسلسل المشاهد نطل على الواقع الاقتصادي للاجئين، وينجح الفنان وعبر مشهدية ساخرة أن يغرس سكين آلام quot; أبو حليمةquot; في أرواحنا.
ولعل افتتاحية المسرحية التي تضمنت صوتاً إذاعياً ينقل نشرة أخبار معكوسة، قد شكلت مفصلاً مهماً في العمل المسرحي يضيف نجاحاً إلى تألق الدباغ في الأداء. فالمسرحية تبدأ بنشرة إخبارية عن الواقع الفلسطيني القوي الذي يهدد الوجود الإسرائيلي، ويعلن عن طائرات أباتشي سودانية تقذف الإسرائيليين بصواريخ شاس واحد وشاس اثنين. وعبر هذه النشرة الساخرة التي تنجدل مع الأداء الساخر للدباغ في رصده لمسيرة اللجوء الفلسطيني، نستطيع القول إن مسرحية الحياة الأليمة عمل تكامل فيه النص مع الأداء مع الفضاء المسرحي مع الإضاءة التي شكلت في كثير من الأحيان جملاً لم تقل، بل كانت ظلالاً للأسود الذي يحيط بنا. كذلك جاءت الموسيقى كجزء حميم من النص.
وهكذا يأتي هذا العرض ليؤكد جدية المسرح الفلسطيني وحضوره كعلامة بارزة في المشهد المسرحي العربي. ويضاف كنجمة إلى عروض كنت قد شاهدتها مثل قصص تحت الاحتلال كان أحد أبطاله إسماعيل الدباغ، وعرض الجدار أيضاً كان الدباغ أحد أبطاله، والملحمة المسرحية الجدارية المأخوذة عن قصيدة محمود درويش الجدارية.
كل ما أرجوه أن نكون كعرب بخير كما هو حال ما شاهدت من مسرح فلسطيني.