فهد الشقيران: تخترق منذ 3 سنوات جدار الصمت الاجتماعي، عبر مقالات كتبتْها الكاتبة السعودية سوزان محمود المشهدي في صحيفة الحياة، فهي الأخصائية الاجتماعية والتي ترصد بقلمها الدقيق جراح مجتمع يهتزّ بين ضربة الحداثة الصاعقة والمفاجئة وبين تقاليد شديدة التعقيد تعصف بجيل طموح جامح، تحرمه من الدخول الصحّي إلى عتبات الحداثة، لذا جاء الدخول إلى الحداثة في السعودية بما يشبه مشية الأعرج. ليست مفاجأة يحدث الآن وراء أسوار بيوت مصممة بأعلى مستويات الترف والراحة والدّعة أقسى وأفضع الجرائم الأسرية والعائلية، وذلك جرّاء quot;موروثquot; رابض، quot;خلافات تافهة على أمور بروتوكلية في الغالبquot; كالزواج القسري العادة القبيحة التي لا تزال حية.
في ظرف ترزح فيه المرأة السعودية تحت براثن الرجل من جهة، والقبيلة من جهة أخرى، والتقاليد والتعاليم والأفهام الدينية من جهاتٍ أخرى تدخل سوزان المشهدي بهدوء المعالج، وبذكاء الكاتب، وبألم المرأة إلى صلب المشهد لتعلن عن جراحات يئن منها شعب بأكمله، وتعلن-وهي الاختصاصية الاجتماعية- أن الخلل الاجتماعي خطير جداً، لقد وقَفتْ على قصص لم أتخيّل أن في البشر من وصلت قسوة قلبه إلى هذا المستوى الفضيع من التجنّي والتعذيب، تحوّلت بعض البيوت إلى مسالخ نفسية، يُمارس فيها القمع الشديد بعيداً عن الأنظار، يظنّ البعض أن مجتمعنا يخلو من الذعر والتوحّش، ولكن يا للهول، أتسأل عن زنا المحارم؟ والاغتصاب، واغتصاب الأطفال، وإجبار الفتيات على المخدرات، وطرد الفتيات من البيوت لأتفه الأسباب، وهروب الفتيات والتعذيب وقتل الأبناء؟ كل هذا يحدث، هذا مرعب جداً. وإذا قدّر على الإنسان أن يقرأ الصحف في الصباح الباكر بكل تفاصيلها فإن تفكيره سيتغيّر وروحه ستتألم، هذا مع أن ما ينشر في الصحف عادةً لا يشكّل إلا النزر اليسير مما يحدث تحت السطح.
الكاتبة والباحثة الاجتماعية السعودية سوزان المشهدي أصدرت كتاباً يضم قصصاً وقفتْ عليها بنفسها، وهي على النحو التالي (اغتصاب-حقي الذي-عميد-ويبقى الأمل-لماذا-مدرس التاريخ المحترم-لأني- أبي) إنها القصص التي تحفر في جذور مجتمع يئن تحت وطأة مرض معقّد أقساه مرض التعاليم الدينية الخاطئة، ومرض تقاليد وعادات بالية، تقول المشهدي عن معنى الكتاب الذي عنونتْه بـ(اغتصاب قلب) صدر عام 2008 الذي أهدتْه من ضمن ما أهدته لضحايا الاغتصاب الذين سمحوا لها بالاقتراب من بركان الألم تكتب سوزان المشهدي بنبرة متألمة ومتوجعة ولا عجب فمن النادر أن تقرأ لكاتبة لديها كل هذا الهم وكل هذا الألم فهي وقفتْ على تلك القصص بنفسها بحكم عملها، وأرادت أن تفجّرها للعالم فكتابها هو الجزء أول لسلسلة من القصص التي ستحكي بها تجربتها مع تلك القصص المؤلمة والجارحة ستصدرها تباعاً.
إنه كتاب يهرب بك إلى ماوراء الأسوار المحصّنة كالقلاع، إلى أصوات الذين يُعذّبون بنفس الأيدي التي جاءت بهم إلى هذا العالم، يُعذّبون بنفس الأصابع التي أطْعمتْهم، يعذّبون لأنهم لم يبتلعوا التقاليد الاجتماعية، أو الأفهام الدينية الخاطئة، إنه كتاب مؤلم وشارح، قصصه القصيرة تشرح طول ألم أرواح وأجساد عانت وأنّت لوحدها كثيراً، سنوات وسنوات يقضونها تحت ضرب أولياء أمورهم بقوة الظلم والطغيان، إنه كتاب نفيس وصغير يشرح تعب جيل يريد الانعتاق والحرية من آباء وأجدادا ولى زمانهم، إنه كتاب يشرح آلام المخاض العسير.
كتاب يشرح كفاح الجيل الصاعد الجديد الطامح إلى الحرية والأمل، يشرح كفاح فتيات قاومن العالم من أجل كسب الحرية، من أجل الحفاظ على الخيار، من أجل وطء استبداد quot;سلاطينquot; البيوت الذين يقمعون هذه الأجساد الغضّة ويسومونهنّ سوء العذاب، ولعمري فإن الكاتبة وضعت حملاً ثقيلاً عن ذهنها المكدود بسماع القصص الأليمة، quot;الانتحار، القمع، الضرب، التعذيب، الاغتصابquot;. فلنكتب الآن كل شيء. كل القصص. كل الروايات. كل المقالات. فقد آن لجيل طامح يافع، أن يضرب بكتلة الذلّ عرض التاريخ.