ترجمة عن السويدية: دلور ميقري
حينما أضحى الإله ُ تعباً، منحَ الإنسانَ موهبة الخلق:
عطشُ العاشق يُطفأ بالنور؛ النور الذي يقطر في الجسد.
النور يسطع بأثر خطى الناسك، النور يسطع في الأشياء
المبحرة. في الجانب الآخر من الحقيقة، لا يوجد أيّ
نور بقادر على تمسيد الكلمة.
مُلهمي يُبصر قيمة النور في تلك القبور المتجوّلة والسائلة؛
يبصر عظمة الجسد في التطبيق والإنتعاظ.
ملهمي الآخر، يقول: الحياة في نظر عين الميّت،
هي رصاصة في ضيافة الجسد.
دعنا نموت ؛ فالموت هو قراءة رواية السراب.
أنا عبرتُ بجانب تاريخ معلق، ثمة حكاية الجسد
لم تكتب بعد. إذا كانت الحقيقة هيَ ماءٌ جار في حجرةٍ
لا مرئية، فماذا سأفعل مع السراب المشتعل وأغنية الرغبة؟
هذه النار التي تقذفني إلى ذلك العناق المطفأ، والذي يجعلني
مجنوناً بمتعة الرؤية، ذاك اللحن الذي يجعل وجودي مستحيلاً
خلال ثورة عابرة، أو في سفر بلا شرَفٍ.
إلى إشراق بسمةٍ، قدمتُ أنا من منبتٍ لم يعرف الماءَ أو
الغروب، والذي لم يدرك معرفة فرع المطر ؛ المنبت الذي
بدأ تواً بقراءة طرق النسيان، هذه التي بدأت للتوّ، أيضاً،
بتفسير رغبةٍ وقدر من الألف إلى الياء، ولكن التي تنكر
ذاتيّة القبلة.
دربٌ يفضي من البحر؛ دربٌ بعيد المنال
ثمة، أين الطفولة بعين مفتوحة تبحث عني.
دربٌ يؤدي إلى السراب؛ دربٌ إلى ملكوت الله
هناك، أين الشيخوخة تودّعني.
في هذا المُنتهى من رحلة التطهّر والخطايا
يوجد ضياعٌ أجمل، حسْب.
أنا أحتملُ موتَ البياض هذا كله، كي يتبرعم مكانٌ للهدوء
وراء الأحرفِ ؛ ولكي يأتي أريجٌ من رسائلها ؛ ولكي يتمكن
الجوّالُ التائه إستجداءَ الصفح من نور القمر.
طالما وجدَ الضوء، فالتيْه غير موجود ؛ طالما وجد الروح
فالطفولة موجودة. دعنا نحلم بالإله، ما دمنا نتذكر النجم.
*
تقريرٌ سريّ لموت:
لأرفعنّ، لحظة موت الإله، نخبَ الذكرى.
بين السفر والسراب، بين الورد وعناصر الطمانينة،
لنكتشف مقبرة ً من أجل الحياة، ولنرجع إلى راحتيْ
أمان االإله.
الحياة، خيانة الماء للجسد. إذا لم نستطع، يا صاح،
أن نكتبَ تاريخاً من المحبّة، فلندع للبحر تلك الأجداث.
في جذور الدمع تلملمُ المقبرة تفاصيلها. غيرَ أن تلك لم تك
النهاية. إذا تركني الوطن، أردتُ أن أستعيدَ مدينتي.
في ثقل الأسئلة ومفردات الثورة، أجدُني الرجلَ الأكثرَ
صبراً في العالم. أغاني السراب ليست بأغان للمنفى،
إنما لعبة بين الذاكرة والنسيان.
الشيطان يضحك تلقاء النسيان، ما فتأ الضحك وجوده:
غيرَ أنّ هذا ما كان اورغازم السّفر.
ثقافة متجوّلة منحتنا شيئاً من قيمة هالة القمر.
قال: هاكمُ قداسة وحرباً، كيما تصير آية لآخلافكم ؛ هاكم
هذا السيف وزمن الموت صيرورة طريقكم. عليّ، يجب،
الإعتذار لوفاء الفراشة للوردة، لو ما إستطعتُ أن أسلمَ
الجسدَ اللا زمنيّ للتربة المقدسة.
أيها الوطن! أيها الأب! أيها القائدُ الحبيب: أعذروني إذا
كنتُ في أورغازم حروبكم المجنونة أشعلتُ أصابعَ اللذة
والسراب ؛ في معبد ثورتكم عرضتُ جسداً عار وتمثالاً
من رميم، والإغواء والخطيئة.
من بعد لن أعود إلى معبد الحرب.
*
دعنا نستهلّ بالموت:
لما تكلمَ الموتُ، ما كان فضاء بيتي مائياً ؛ كانت أذني
منذورة لحكمة الأخوّة. بيتي صغيرٌ وليسَ كما الماء،
الموتُ كالماء والسفر عبثٌ.
دعنا نمضي إلى ذلك المكان، أينَ الأيدي النورانية
للملائكة لا تصلنا ؛ المكان، حيث كلّ شيء بلا وزن؛
هناك، حيث الكلمات لا تستطيع أن تحتلّ الجسد؛ ثمة
سنجمعُ الصمتَ حسْب، نبعثر الصمتَ نحوَ السماء؛
صمتٌ، من أجل الحبّ ؛ هذا الصمتُ، نحيا لأجله.
*
الموتُ، بحسب وجهة نظره:
دعنا نموت
أن نموت معناهُ نوم الروح ونبضة القلب، أو جرعة َ
نشوةٍ في موسيقى الجسد. دعنا نلهو بميداليات الفردوس
بلعبة الإنتظار، بمآثر حكماء الثورة في وقتٍ نشفقُ
فيه على عَظمَة العنب.
فلنلهوَ بأولئك الوعاظ، الذين إستلوا حيوية الجسد.
دعنا نلهو بأزقة الطفولة وخطايا المطر. دعنا نحيي
اللحظات الغرائبية للقدَر ؛ فعبْرَ الحكمة الأولى تلك،
سنؤوب للموت.
*
بضعة من ذاكرة صديقي الشاعر، إثرَ السراب:
وراء السلطة ضحكة تقول، هذه التفاحة هي جسدكَ
إنها ذاكرة الأجيال. الماضي غيرَ ذاخر بالحياة،
والمستقبل مكانٌ بلا عاطفة، أما الحاضر فقد فتحَ
باباً على العشق في دفتر السراب.
أكان ذلكَ هوَ العشقُ أم ذكريات الجسد، من إختطفَ
ذاكرة بلدي؟
آه! أنتِ، المتخمة بالنهاية التي ليسَ لها مبالاة.
فحقيقة، أنّ سفرَ السنونو لا ينتهي بعد التفاحة،
فلتفتح ذلكَ القلب من أجل غزوة الأرواح الأكثرَ
ألماً ؛ إفتح تلكَ الأجساد من أجل تهدئة شهوانية
الزهّاد ؛ دعنا نرجع لقدَر الجسَد. لن تتمكن من
إستعادة العشق الذي فقدته في حرب إخوتك.
الآن، لا وقتَ كافياً للعبادة، أو الإنصات
لتمنيات المطر ؛ ولا وقتَ، أيضاً، ليقين القمر
أن يمنحَ هالته لأجسادنا.
حان الوقت لكي ننتقل بأنفسنا إلى منفى رحلة
النعاس ؛ هذه التي لا تأخذنا إلى الأحلام المائية
هذه التي لم تجعلني عالماً بشبهة الماء.
هذا وقتُ الموت، فلمَ لا نموت؟
حفنة أقنعة كانت قد تركتْ بُعَيد سفر إخوتنا:
أهُمُ قطراتُ الندى أم أجزاءٌ من أبديّة الحياة؛
أهم لحظات من زمن التفهّم أم نبضات القلب؟
ماذا عليّ فعله مع سراب الفوضى؟
هذه هي صحيفة الفشل وملفّ الفضيحة.
اللحظات تمضي، وليس ثمة من يشكّ وردة
على صدر منتصف الليل؛ وما من أحدٍ يحتفي
بالسفن المبعثرة؛ ولا أيضاً من هوَ بقادر على
إنقاذهم من مصيرهم القاتل. السفر ما كان بقادر
على أن يخلق مني إنساناً، ولا محارباً ينأى
بنفسه عن الزمن. إنني أرغبُ أن نبدأ القبل،
وبالموت ننتهي مع ذروة اللذة.
من أجل أولئك الموتى الذين غسلوا خطايا الأرض؛
فلتفتح تلكَ النوافذ المطلة على جثث الأخوة؛ فلتفتح
النوافذ ذاتها للعنة الأرض على الأجيال.
لا أحد يُفكر بعلامة الولادة، جميع الذين يشعرون
بنسيم الجسد، يحتسون عدمَ الريح الخفيفة.
من هنا نؤوب إلى تفسير الهدهد لجدليّة العلاقة بين
الثدي والحرب ؛ ثمة لا أحد، سواء من العشاق أو
العرّافين يطيقُ قراءة الرسائل وترجمة الأنبياء؛
هناكَ، لا أحد من العشاق يطيق قراءة الرسائل
ولا العرافين بقادرين على ترجمة أحلام الأنبياء
والبحارة ؛ وليس ثمة من غروبٍ، يُشرف على
كينونة الجسد ؛ هناك، أينَ عناقيد العنب يُحتفى
بها بلا رغبة.
*
آية جديدة لحاشية الموت:
هذه الآية قرأتْ للمرة الأولى، من أجل جوّال
كانت هوايته الموسيقى.
إلهي لا تغفر لي ولا تأخذ خطاياي،
إنني أحيا بذنوبي ؛ إنها بيتي.
الموتُ يقول: شاركتُ بإخفاء آلام الحياة؛ والحياة
أيضاً، بصدد يقين الأزل، تشدّ تشرّدها البوهيميّ.
بلا مأوى الحياة، بيتها مسافرٌ
هيَ في يأس الطريق.
عاشقُ السراب يقول: ما بينَ الإختيار والقطيعة،
ثمة زمن يتكوّن من آخر طبعة للحياة، وجغرافيّة
الطفولة.
أنا أحيا بذنوبي. يا للتاريخ!
في تلك اللحظة التي لم نشعُر فيها بموت الفراشة
خسرنا، ولم ندرك ثمن تلوّن الصديق.
لا تغفر لي، إلهي. إلى أمان راحَتيْ اليوتوبيا
تلك، أعودُ وينقلبُ تاريخي إلى مأواي الخطيئة.
رغباتي أعلقها، مُلاحقاً هذيان الثورة في فراغ
الآية. دعوني أيتها الفروع الموقرة للنارنجات،
مُجسّداً في أجسادكنّ؛ في فِراشكنّ دعوني أدفن
نفسي وآيتي؛ هناك، حيث يتصالح الله والشيطان
هناك، حيث يتزاوج الجلاد والضحية:
تخمِدُ حينئذٍ شعلة ُ الحياة زمنَ الخطايا.
فلنمُتْ في الغربِ ونحلم بشواطيء المكان الزمانيّ
في جرحكَ، الحلم المائيّ هدانا إلى خمسة أنجم ٍ
مُقنّعة لعِبَتْ بالزمن؛ إثنان منها تهاويا وإثنان تصاعدا
وواحد على قلب الزمن تهادى.
غادَروا
في الأسفل حيث أمواج البحر، كان عليهم أن يدفنوه
بلباس الطفولة وبآيةٍ من إقليم الخطى الكافرة.
غادروا
وفي ضفة بحر ما، جغرافيّة الحبّ القصيّة إستدعوها
ومع المريدين الشائخين، بحثوا عن القانون المائيّ
في الإقليم الأكثر مثاليّة.
ما من جرح مطلّ على البحر، كي يُطهِّرَ بعبث
تاريخ ِ الحروبِ، أزماننا.
إستلق ِ الآن في أمان اليقين، وتأمّل شفافيّة التفاحة
أنظر البحرَ وإجرع قدَحَ الخطيئة: حينئذٍ يتفتح العراة ُ
كدفتر شعريّ، والعالم يولدُ من جنون الخطيئة.
لن أعودَ من بعد لربيع الآباء، الذين أخمدوا الدروب
أناشيدكم تلك، لم تدعنا نبكي على ميتتنا غير المرغوبة
حان الوقت لنشكّل إطارَ لحظاتٍ موسيقيّة، جديرة
بالرقص، والموت نعلقه هناك خلف ظهر الطفولة.
يأتي الأمواتُ ويجعلون الفضاءات لهم ولأحفادهم
مُلكاً. وهذا البحر، وهذه الدنيا أيضاً، لا مكانَ
فيهما لجسدي اللا مُجدي.
إجتازوا ذاكَ البحر أيضاً، غادَروا
وفي الأسفل، حيث أمواج المياه، كان عليهم أن
يدفنوه ومستقبله.
لن أعودَ من بعد لوطن التفاحة، وجثتي ما فتأت
على الطريق.
1997 ـ 1999 ( طهران، أوبسالا )
* دانا صوفي: من مواليد 1971 في أربيل ـ كردستان
له مجموعة شعرية مطبوعة، بالكردية
أسهمَ في كردستان بتأسيس وإدارة تحرير مجلات أدبية
وهو يعيش حالياً في السويد، ويعمل باحثاُ في قسم علم
الإجتماع بجامعة ستوكهولم
[email protected]