quot;زائرتي الأَلوف، استوسني نعنع الحروف، أو ارتحقي حبق الشعرquot;
إسماعيل نوري الربيعي: هكذا تطالعنا ليلى مقدسي في ديوانها الجديد (مهجة الشعر) الصادر عن دار بعل الدمشقية مطلع العام 2008، والذي خصته لبث رسائل قوامها التشبث بالضوء، هذا المنحنى الذي يبقى حاضرا في الوجدان، باعتبار ثنائية (الضوء- الظلام) فيما تبقى المقدسي مخلصة بوفاء ملفت لقبس الأحلام والفضاءات الفارهة باعتبار الانتصار لقدسبة الغناء والحلم والإبقاء على المعنى الفريد، الحافل بالسوسن والنعنع والبلور اللامع على سفح الجبل. غناء في غناء، هذا ما تتبصره الشاعرة، وهي تأتي مخضبة كفيها بحناء الموسيقى، حيث التكثيف في أقصاه، باعتبار ماتولده رمزية فيروز بكل غنائيتها ونقائها وطهريتها الشفيفة، الساعية إلى تعميق مدلول الغناء، بوصفه فعلا يتكثف فيه الحضور والتأثير في النفس البشرية.
ذات مرة توقف (لاكان) عند محاولة الكشف عن الحقيقة الإنسانية، عبر التبصر في مدى العلاقة القائمة بين اللاشعور واللغة، وهاهي الشاعرة تستحث مالديها من لغة نحو اتمام مدار العلاقة بين (العلامات واللاشعور)، حتى تتبدى العلامات ملؤها الدفء حيث؛ (السوسن، الشعر، القهوة، الأبخرة) فيما يتداعي اللاشعور حافزا وبعمق لافت في ؛(الألفة، الاستعطار، التغريد، الهمس) إنها المحاولة نحو فك طلاسم البوح عبر تركيز دلالة (الاستحمام بالصوت).فأي صوت هذا الذي يجعل من النفس البشرية قادرة على نزع الدرن وتوكيد النقاء.
ما الذي تسعى ليلى مقدسي للكشف عنه؟ السكون؟ الهمس؟ أم الصوت؟ وهل توقفت الشاعرة عند تلك الهرمية القائمة بين العناصر، أم أنها تسعى نحو تحقيق هرمية جديدة سعيا نحو خلق مكافئ قوامه استحضار الرمز الفيروزي:
معي سلة همومي
سنابل خريف
وسنان
أيعلم الغائب
كيف أسقي جرح المسافة
بورود الكلمات
وأعرش
أحلام القصائد
ليلة بعد ليلة
على موقد الوعد
بين الهموم والوعد، تجد الشاعرة هنا وقد تسامت على نزف الغياب، هذا الذي يتم فيه اختصار المسافة، عبر ورود الكلمات. والشاعرة هنا لا تتردد من صنع الهرم الفيروزي، لا بقصدية تركيز معنى التفوق بقدر ما تسعى نحو إنشاء لحظة يكون فيه الضوء سيدا ومسبارا للبوح والكشف عن العلاقات. وهكذا تبرع الشاعرة في استحضار (أحلام القصائد) تلك التي يتم وضعها على (موقد الوعد)، فيما يكون السؤال عن حالة العلاقة القائمة بين (الأحلام- الموقد)، (القصائد- الوعد). إنها الاستثارة الماهرة لشهية المتلقي، عبر الاستمطار والحفز لدالة العلاقة بين الحلم الذي ما انفك بتدفأ على الموقد ووعد القصيدة.حتى يتم تجاوز القوانين الراسخة والتأويلات الجاهزة، فالمقدسي تجهر ببوح من نوع آخر لا يقوم على تقديم مطربة تدعى (فيروز)، بقدر ما تجعل من الدفق الفيروز بمثابة الوصفة السرية لماء الشعر.وهكذا تكون مدار العلاقة وقد تواشجت عند أهمية الإفلات من طرفية التوزيع التقليدي بين الرمز والمعنى، حيث المسعى نحو تعميق المناجاة الداخلية، عبر التحريك الجاد والعميق لنسق الغياب والحضور، والتوظيف المحكم للدلالة والاستعارة والنأي بعيدا عن المباشرة.
*، ليلى مقدسي، لفيروز مهجة الشعر، دار بعل، دمشق 2008.