محمد الحمامصي من القاهرة: يمثل هذا الكتاب (المثنوي كتاب العشق والسلام.. تفسير جديد) الصادر هذا الأسبوع عن دار آفاق بالقاهرة أطروحة الدكتوراه للعالم الإيراني سيد جهرمان صفافي، ويهدف إلي بحث التركيب البنيوي للكتاب الأول للمثنوي لجلال الدين الرومي والكيفية التي صممت بها سياقاته، المولود في فارس 1207ـ1273، ويحدد الحدث الرئيس في دراسة الأدب الصوفي وعند الرومي علي وجه الخصوص، فالمثنوي ليس مجرد شيء يدور حول التدريب الروحي بل إنه تدريب روحي، ويؤكد أن واحدا من أكثر الموضوعات الملحة في المثنوي هو أن عالم الأحاسيس العالم الظاهراتي، عالم الظاهر، ليس هو العالم الحقيقي، فهناك الظاهر، العالم المعلن للصورة، وهناك العالم الباطن، العالم الخفي للروح.
ويري د.صفافي أن المثنوي ليس مونولجا يخاطب الله ـ علي الرغم من أنه أحيانا يكون كذلك ـ إلا أنه من الأفضل أن ننظر إليه علي أنه يخاطب بصورة أساسية السالكين، المريدين في الخانقاه، فإليهم تقرأ فرضا هذه المقطوعات بصوت عال، ومع ذلك فهناك تغيرات مستمرة في صوت المتكلم والمخاطب، لكنها تقدم نفسها بشكل موسع كما تفعل الاعترافات ليس كمنتج بل كسجل لعملية شفاهية، عملية التعاليم الروحية، التدريب والتعليم من خلال الحكايات الرمزية، فالمثنوي يقدم نفسه علي أنه غير مخطط له، وعلي أنه يتحرك بصورة تلقائية غير مخططة، ويتوه في غياهب الاستطرادات وعلي أنه عرضة للتغيرات المفاجئة في الاتجاه والقفزات الدراماتيكية في الأفكار، لكن مع التأكيد بأنها أيضا تحدث بتوجيه من الله ورعايته، وتحدد مكانا يلجأ إليه المسافر الروحي للانتعاش، هذا هو تمثيلها الذاتي للتدفق الارتجالي التلقائي.
يأتي الكتاب في مقدمة للدكتور سيد حسين نصر أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة جورج واشنطن وثلاثة فصول وخاتمة، يؤسس الفصل الأول من الكتاب للطرائق والأساليب المستخدمة في هذا الاختبار فهو يفحص أولا طبيعة مشكلة التركيب البنيوي في المثنوي ويحدد المستويات القائمة المفترضة للتنظيم المقطع الشعري والقسم والديوان والعمل ويقترح بعدئذ تركيز على المستويين الأوسطيين غير الملحوظين من التنظيم و هو الفكرة الرئيسية للفقرة والمستوى الأكبر للمقالة أو القصة ويتيح الأول حبكة الموضوعات أو الأفكار بينما يسمح الثاني بتعريف الكليات الأكبر تحت مستوى الكتاب، ويقترح التحليل الأولي أنه حيثما يكون ترتيب المقاطع الشعرية و الأقسام تتابعين بالضرورة فإن تنظيم المحاضرات وربما الديوان والعمل الكلي يكون متقاطعا وبعد مناقشة الحديث على أساس القراءة التقاطعية للنصوص يطور هذه الاقتراحات إلى فرضية و تقول الفرضية بأنه يوجد مبدءان تنظيمان في العمل في المثنوي الترتيب التتابعي للمقاطع الشعرية والأقسام والتنظيم التقابلي العكسي للمقالة و الكتاب والعمل تأسيسا على مبدئي التوازي والمقابلة العكسية.
ويجري اختبار الفرضية في الفصل الثاني و الفصل الثالث و يتكون الفصل الثاني من ملخص لمحتويات السرد و الأفكار في الكتاب الأول للمثنوي ولكن عبر سطور الفرضية المقترحة فهو يحدد اثنتا عشر مقالة أو قصة وكل مقالة يجري تلخيصها من ناحية أفكار الموضوعات ويجري تحليل كل مقالة والعلاقات المتوازية والمقابلة العكسية بين الأقسام الواردة كمثال و يورد أيضا تفسير لكل مقالة عل الرغم من أن هذه التفسيرات بالضرورة مختصرة حيث لم يرد د.صفافي أن يجعلها إجمالية مثل الأدب التأويلي، الفصل بالضرورة طويل لأنه لا يمكن اختبار الفروض و إثباتها دون إظهار العمل التفصيلي للتركيب البنيوي بشكل تطبيقي.
و ينبني الفصل الثالث على ما يسبقه وعلى تحليل الكتاب الأول وهو يفعل هذا عن طريقة فحص العلاقة بين المقالات الاثنتي عشر ويبين أنها أيضن مرتبة بالتوازي والمقابلة العكسية ويكشف هذا عن الأساس المنطقي لمبادئ الكتاب الأول الذي هو شرح لتطور النفس والمراحل المختلفة للسلوك أو الرحلة الصوفية وفي الكتاب الأول تعامل المقالات الاثنا عشر على أنها ثلاث كتل تتكون كل منها من أربعة مقالات كتلة تتعامل مع النفس الأمارة وهي الشخصية التي تميل إلى الشر وكتلة من النفس اللوامة الشخصية التي تلوم نفسها وكتلة من النفس المطمئنة الشخصية التي هي في سلام و في النصف الثاني من هذا الفصل هناك اختبار تمهيدي للعلاقة بين الكتاب الأول والكتاب السادس على الرغم من أن هذه العلاقة ينبغي أن تنتظر التحليل الكامل للكتاب السادس إلا أن هناك دليلا كافيا لافتراض أن الكتابين يقفان من بعضهما البعض في علاقة متوازية و متقابلة و أن المثنوي بالكامل منظم جدا في تركيبة الكلي.
و تضع خاتمة الكتاب رسما لكل اكتشاف هذا البحث مع بعضها البعض و تدلل أن المثنوي بعيدا عن أنه يفتقر إلى البنية فهو في الحقيقة يمتلك تركيبا بنيويا لابد أنه صمم مسبقا بتفصيل دقيق ودار البحث حول كيف أن الرومي استغل بذكاء نموذجي البناء داخل العمل، النموذج التتابعي والنموذج الكلي الشامل لتجسيد فهمة وخبرته بالحقيقة لذلك فإن البنية البلاغية للمثنوي كما يفترض هي بنية مركبة و كلية أكبر بكثير مما تم التحقق منه حتى الآن وهناك بعض المناقشات تدور حول السبب في أن هذا لم يكتشف من قبل لكن هذه الأطروحة هي موضوع هذه الرسالة للدكتوراه.
يقول د. صفافي: لقد كان من المؤمل في البداية بحث بنية العمل كله لكن سرعان ما بدا واضحا أن مستوى و كمية التفاصيل المطلوبة لإظهار و توضيح البنية التركيبية الضخمة حتى لكتاب واحد من الكتب التسعة للمثنوي، حالت دون تحقيق هذا الطموح بسبب قيود الدراسة من ناحية الزمن و حدود الكلمات في أطروحة الدكتوراه الجامعية. وبينما اتخذ القرار بتقييد الرسالة بحيث تقتصر على كتاب واحد فقط مع بعض الأسف، فمن المعتقد أن النتيجة بشروط الاكتشاف والعرض تبرر بالكامل مثل هذا التحديد الذاتي و موما لقد أستلزم الأمر المزيد من التحديدات من أجل بحث الملامح التركيبية الهائلة لهذا الكتاب إن معظم القصيدة التي يمكن أن أعتبرها خصائص تركيبية صغرى الأسلوب والوزن والصورة البلاغية و الكلمة ومعاني البيت الشعري و تغييرات الصوت وما شابه ذلك بمعنى الخصائص اللفظية والشعرية وخصائص المعاني كان ينبغي أن تتراجع في الترتيب وتصطف في الخلفية من أجل أن تكشف وتوضح التركيبة البلاغية و السردية وبنية الأفكار التي تنظم السياقات والتأكيدات والمعاني الأساسية والمبررات وفي الوقت الذي يكون فيه المبرر وراء التشديد في المعالجة هو التركيز العقلي الفردي على المستويات الأعلى من تنظيم العمل نجد أن هناك سببين يبرران أن مثل هذا الخلل في التوازن لا ينبغي أن يثير القلق، السبب الأول هو أن المستوى اللفظي الظاهري للشعر بالغ الثراء ويمكن المجادلة وكذلك بأنه يجذب انتباه رد فعل القارئ أو السامع أي أنه لا يترك إلا قليل من الإدراك للتساؤل عن المستوى الأعلى من القصيدة وملاحظتها، والسبب الثاني أنه في تتابع السبب الأول نجد أن المستوى اللفظي الظاهري للشعر قد نال حظه من الدراسة الجدية على مر سبعمائة سنة من الأدب التفسيري و أيضا مؤخرا جدا في أعمال الدارسين الأكاديميين، لذلك فأن هذه الأطروحات في تركيزها على الجانب المهمل نسبيا من البنية سوف تعادل إلى درجة من اختلال التوازن الحالي في الدراسات الأكاديمية.
ترجم الكتاب الذي جاء في 256 صفحة من القطع المتوسط مصطفي محمود وراجعه د.طارق أبو الحسن. ويذكر أن دار آفاق الصادر عنها الكتاب تهتم اهتماما خاصا بالأطروحات المتميزة، فقد نشرت من قبل ترجمة كتاب أخناتون الفرعون المارق لدونالد ريدفورد