منير بولعيش ـ طنجة: ليس من السهل تحديد موعد مع (الروبيو) من أجل إجراء حوار صحفيّ معه، فالرّجل لا يملك هاتفا و كلّ مواعيده تعتمد على الصّدفة لا غير، لذا قرّرت هذا الصباح (ترصّده) بمقهى روكسي المجاور للعمارة حيث يقطن، و حيث استطعت بالفعل أن ألتقيه معتمرا قبّعته المكسيكية الجميلة، فأخبرته برغبتي في إجراء حوار صحفيّ معه خاصّ بإيلاف فلم يمتنع! بعد أن دخلت شقّته / متحفه فاجأني وجود ديوان: (أنظر و أكتفي بالنظر) للشاعر الجميل عبد الرحيم الخصار على الطاولة، فأخبرته أن (عبد الرحيم يحبّ محمد خير الدين مثلك و حتما سيحبك أنت أيضا عندما يلتقيك) فضحك و طلب منّي الجلوس.
أحمد الكباشي الشّهير ب(الروبيو)، رفيق عمر محمد شكري و صديق الكثير من الأدباء و الفنانين كمحمد خير الدين، محمد زفزاف، إدريس الخوري، العربي اليعقوبي، محمد تيمد و آخرين، يعدّ اليوم ذاكرة متحركة لمدينة طنجة و أحد أساطيرها الذين مازالوا يؤثثون أفضيتها بحضورهم الخرافي و شغبهم الجميل، و بلقائي اليوم مع (الرّوبيو) أكون قد تمكنت من محاورة آخر رموز الزّمن الذهبي لمدينة طنجة و ذلك بعد حواري مع كلّ من الفنان التشكيلي و الراوي الشفهي محمد المرابط و الممثل المسرحي و مصمم الأزياء العربي اليعقوبي.
**الروبيو، متى كانت أول زيارة لك لمدينة طنجة؟
- أول مرة زرت فيها مدينة طنجة كانت سنة 1965، كنت حينها أدرس في مدينة تافراوت و في الصيف كنت آتي إلى هنا من أجل العمل في محل أبي.
**و كيف جاء لقاؤك بمحمد شكري؟
- بعد ان أنهيت تعليمي الإبتدائي بمدينة تزنيت، جئت إلى طنجة بصفة نهائية و هنا سأتعرف على الكاتب (الطنجاوي) الكبير محمد شكري الذي تعرفت عليه سنة 1974 عندما كان يعمل حينها في مدرسة ابن بطوطة و كان عندما ينهي دوامه كان يمر على حانة (جان دارك) حيث كنت أحب أن أجلس أنا الآخر، و في يوم من أيام تلك السنة ذهبت إليه و سألته إن كان هو الكاتب الكبير الذي تتحدث عنه الصحف و المجلات فأجابني بالأمازيغية نعم و بعدها ستزداد صداقتنا، إذ بدأ يمر علي كل يوم في محل أبي حيث كنت أشتغل و أنام كي نطبخ سوية و نحتسي النبيذ.

**هل يمكن لك أن تذكر لنا بعض الذكريات المشتركة مع محمد شكري؟

- بالنسبة للذكريات المشتركة مع محمد شكري ففي الواقع لا يمكن لي حصرها إذ أن محمد شكري كما يعرف الجميع كان صديق عمر بالنسبة لي، و كنا نلتقي يوميا و نسكر يوميا و نتحاور و نتناقش، و كل أزقة طنجة و حاناتها شاهدة على تسكعنا و صراخنا و جنوننا و عراكنا احيانا، سواء كنا معا أو مع أدباء و فنانين آخرين كمحمد خير الدين و محمد تيمد و إدريس الخوري و محمد زفزاف و العربي اليعقوبي حيث كنا نجلس سوية في حانات فيلاسكيس و نيكريسكو و بيلو، و الغريب أن هذه الحانات الجميلة ذهبت هي الأخرى بعد موت هؤلاء الفنانين الذين كانوا يؤثثون أفضيتها.

**و بالنسبة للكاتب الكبير محمد خير الدين، كيف جاء لقاؤك به؟
- محمد خير الدين كما تعرف هو أيضا من مدينة تافراوت التي أنتمي إليها أنا الآخر و أول مرة التقيت به كان سنة 1981 بمدينة أصيلة التي كنت أذهب إليها كل نهاية أسبوع بدراجتي النارية، و تصادف في أحد الأيام أنني كنت أحمل معي مجلة بها صورة لمحمد خير الدين الذي كان هو الآخر بأصيلة و بالضبط في ذلك المطعم الذي كنت أحب تناول غذائي به، فذهبت إليه و سألته إن كان هو صاحب الصورة فأجابني بطريقة حادة (نعم، لكن ماذا تريد) فأجابته (لا شيء فقط دائما أرى صورك على الجرائد و المجلات و أنا أحبك لأنك من مدينتي تافراوت) فطلب مني الجلوس و بدأنا نتجاذب أطراف الحديث بالأمازيغية، و بعد هذا اللقاء سألتقيه مرة أخرى في حانة (تيرمينوس) بمدينة الرباط، و بعد ذلك مرت أعوام لم ألتقيه فيها و في يوم من الأيام سمعت أنه يعيش وضعا صعبا في الرباط فسافرت إليها و طلبت منه الذهاب معي إلى مدينة طنجة فوافق، حيث سكن معي في هذه الشقة ستة أشهر، و من هنا بدأ يشتغل في بعض برامج إذاعة (ميدي 1) و يكتب في بعض المجلات و الجرائد كي يستطيع توفير بعض النقود، لكن و بعد مرور ستة أشهر جاءت امرأة تبحث عنه من الرباط و بدأت تتعقبه إلى أن أقنعته بالعودة معها وبعدها بدأنا نلتقي كلما زار طنجة في نهاية الأسبوع فنسهر و نسكر معا.
**و فيما يتعلق بأدباء آخرين كإدريس الخوري و محمد زفزاف و محمد تيمد....؟
- بالنسبة للأدباء الآخرين الذين ذكرتهم ففي الواقع لا يمكن لي أن أفصلهم هم أيضا عن علاقتي سواء مع محمد شكري أو مع محمد خير الدين لأننا في الواقع كنا محمد شكري و أنا و محمد خير الدين و محمد زفزاف و إدريس الخوري و العربي اليعقوبي و آخرين نكوّن حلقة جميلة من الفنانين الملاعين.

**باعتبارك عشت الزمن الذهبي لمدينة طنجة كيف ترى اليوم هذه المدينة؟

كيف يمكن لي الحديث عن هذه المدينة، طنجة في الواقع تغيرت بشكل مرعب، سابقا كان السوق الداخلي بمقاهيه و حاناته و فنادقه و سياحه هو بؤرة المدينة، أما الآن و كما تعرف و ترى فإن رياح العولمة قد شوهت الكثير من معالمها الجميلة، العالم كله تغير، فماذا نفعل؟ طنجة اليوم مثل عروس فقدت للأسف رونقها مع مرور السنوات.

**صحبتك لكل هؤلاء الأدباء و الفنانين الكبار ألم تغريك يوما بالكتابة أو الرسم مثلا...؟
- أنا دائما كنت في صحبة الفنانين و الأدباء، و دائما كان هاجسي هو الإستفادة منهم، جلست مع الكل و تعلمت من الكل ليس فقط من أجل أن أكون فنانا أو أديبا و إنما من اجل الحياة أيضا، لقد حاولت ممارسة الكتابة و الرسم لكنني في الواقع لم أفلح و ظل الأمر بالنسبة لي مجرد هواية. أنا دخلت إلى الميدان الفني و الأدبي من النافذة و ليس من الباب.

**نعرف أيضا عشقك للسفر و أنك قد قضيت أربع سنوات و أنت تتجول ما بين أوروبا و دول المغرب العربي فكيف جاءتك فكرة السفر؟
- في الواقع إن فكرة السفر كانت دائما ما تراودني، و كنت كلما سمعت هذا المثل (كل الطرق تؤدي إلى روما) كانت رغبة السفر إلى أوروبا و إلى روما بالتحديد تزداد إلحاحا بداخلي و في أحد الأيام من سنة 1986 قررت السفر، فكانت البرتغال محطتي الأولى و بعدها انتقلت إلى إسبانيا ثم فرنسا فإيطاليا حيث زرت مدينة روما الخالدة و من هناك سأذهب جنوبا نحو ليبيا فتونس فالجزائر فموريتانيا و منها عدت إلى طنجة، و قد كانت أهم تجربة خرجت بها من هذا السفر هي أن: (كلّ الطرق تؤدي إلى طنجة) و ليس إلى روما.