محمد الحمامصي من القاهرة: تكاد تجمع معظم الدراسات والبحوث سواء العربية منها أو الغربية علي أن المخطوطات العربية والإسلامية، لا تزال بحاجة إلي المزيد والمزيد من الاهتمام والعناية والجهد لجمع شتاتها وترميمها وتحقيقها ودراستها، وأن الأمر يحتاج إلي تضافر الجهود وتدريب أعداد كبيرة من الباحثين وضخ أموال من أجل إنجاز ذلك، أيضا الأمر يتطلب معهدا أو مركز عربيا تنصب جهوده علي جمع وتحقيق وترميم ودراسة المخطوط وتقديمه للناس حتى لا تصبح المعرفة به مقصورا علي أهل التخصص فقط بل يصبح جزءا من حركة الثقافة، الأمر الذي يترتب عليه معرفة بخصوصية رؤانا وهويتنا وثقافتنا، ومن ثم ننطلق إلي أفق حداثي لا ينفصل عن روح ماضينا ولكن يستقي منه الخصوصية.. من أجل ذلك كان هذا السؤال: هل تعتقد أن العناية بالمخطوط العربي من قبل الحكومات و المؤسسات العربية المعنية كافية؟ وقد توجهنا به إلي متخصصين مسئولين عن هذا المخطوط.

المحقق من المخطوط 1 %
د.محمد قجة مختص بالتراث الإسلامي ـ حلب ـ سوريا: طبعا غير كافية، والموضوع يحتاج إلي عنصرين أساسيين، عنصر بشري مدرب تدريب عالي جدا، وهذا يتطلب منا إعداد هذا العنصر من خلال الجامعات التي تخصص فروع معينة لدراسة التراث، العنصر الثاني الذي يرافق العنصر البشري هو عنصر التمويل العادي، ولدينا دول عربية غنية جدا يمكن أن تكون لها مؤسسات. نحن الآن بحاجة إلي هذا الموضوع أكثر من أي وقت آخر، لأن كل الأمم تتمسك بتراثها ولغتها وتاريخها، نحن بالنسبة لنا هذا التراث هو أغني تراث لدي كل الشعوب، الآن في مكتبات العالم يوجد حوالي 6 ملايين مخطوط عربي المحقق منها والمطبوع لا يتجاوز 1 %، لذلك أركز علي هذين الأمرين، نحن مقصورين جدا ومحتاجون إلي تطوير الكوادر البشرية وإلي تخصيص الأموال اللازمة جدا وبخاصة في مجالات البحث العلمي في التراث، ففكرة الناس عن التراث أنه مجموعة كتب دينية أو أدبية أو شعر علما أن تراثنا العربي غني جدا في كل العلوم البحتة والتطبيقية، الرياضيات، الفلك، الزراعة، وهذه الأمور نحن محتاجين إليها.
إن الحكومات العربية تدعم ترميم وتحقيق التراث بشكل محدود جدا، وللأسف هناك مؤسسات خاصة مؤسسات مجتمع مدني أو أهلي، تقوم بعمل أكثر مما تقوم به الحكومات العربية، لعل الموضوع يتطلب نوعا من التوعية، يعني نحن نفهم الحداثة بأن ندير ظهرنا إلي الماضي، لا يوجد أمة تدير ظهرها إلي الماضي أبدا، الماضي طبعا لا نعيش فيه ولكن من خلاله يكون لنا شخصية وندخل إلي الحاضر والمستقبل، التمويل يمكن أن يكون موجودا والدول العربية ليست فقيرة علي الاطلاق في هذا الميدان، والآن في كل العالم أهم استثمار علي الاطلاق هو استثمار الطاقة البشرية في مجال المحافظة علي التراث وتحقيقه ونشره أمر مهم جدا وللغاية.

مركز يتهم بعلم الكوديكولوجيا
أحمد شوقي بنين مدير الخزانة الحسنية بالمغرب منذ العام 1994: العناية بالمخطوط العربي من قبل المؤسسات ليس كافيا ولكنه طبعا فكرة مشكورة وكما هو معلوم في إطار ما سمي في القرن العشرين البحث العلمي كان عبارة عن محاولات فردية وشخصية، وعندما شاع البحث العلمي تبنته الدولة وأسست مؤسساته، لذلك الآن إذا فكرنا بعناية في مستقبل كتاب التراث من حيث جمعه ودراسته وتحقيقه وغير ذلك من مسائل يحتاجها الكتاب المخطوط فلابد من تضافر هذه المؤسسات وإنشاء مؤسسات خاصة بالمخطوط، وهنا أدعو لمؤسسة تخصص وهي مؤسسة أو معهد أو مركز يتهم بعلم الكوديكولوجيا، بمعني مؤسسة تهتم بالكتاب المخطوط وتدرسه باعتباره قطعة مادية بغض النظر عن النص، هذه الدراسات المخطوطية أو الكوديكولوجية هي أساسية وضرورية قبل أن نهتم بالمخطوط كمتن ونص.
إن دعم الدولة أمر ضروري وأساسي، هو الآن ولكنه ليس كافيا، وأنا قلت لابد من تأسيس وإنشاء معهد كبير إما علي مستوى العالم العربي أو العالم الإسلامي أو في بعض الدول العربية لدراسة المخطوط دراسة كوديكولوجية، بمعنى ندرس المخطوطة باعتباره قطعة مادية من حيث مثلا خياطته، تاريخه، ولادته، خطوطه، جانب اقتصادي، جانب اجتماعي، جانب ثقافي.
آلاف المخطوطات غير معروفة
المطران يوحنا إبراهيم رئيس طائفة السريان الأرثوزوكس بحلب: أنا أعتقد أن العرب قصروا جدا واجباتهم في تجاه مخطوطاتهم المنتشرة في كل أنحاء العالم، يعني حتى الآن في تصوري هناك آلاف المخطوطات غير المعروفة منتشرة في مكتبات العالم تتحدث عن هذا الإرث الكبير الذي تركه العرب في مختلف العلوم والآداب، فالناحية الأولي هي ناحية الكتالوج، كيف يمكن تجهيز فهارس أو كتالوج لهذه لمخطوطات، ليس عندنا باحثين، مثلا الذي أراه في هذه المؤتمر (يقصد مؤتمر المخطوطات) الذين يتحدثون عن الفكر العربي، الذين ينشرون عن الفكر العربي، الذين يكتبون عن الفكر العربي، ليسو عربا، أغلبهم من الأجانب أو تكتب خارج المنطقة العربية، أنا أدهش عندما أري جامعات عربية موجودة في مصر أو لبنان أو سوريا أو الخليج العربي لا تبدي هذه الأهمية، حتى العربي الذي يكتب عن المخطوطات العربية في الغالب يكون عايشا خارج المنطقة العربية، فأنا أعتقد هنالك تقصير كبير جدا فيما يتعلق بالمخطوطات العربية، وهذا يحتاج إلي جهد كبير جدا فيما يتعلق بالمخطوطات العربية، وهذا يحتاج إلي مال وليس جهد بشري، وهذا الجهد لابد أن يكون منظما، ولا أعلم أن هناك من يهتم بجمع المخطوطات وترميمها ودراستها غير مكتبة الإسكندرية، ربما في الخليج هنالك البعض، ولكن في نظري عندنا في حلب آلاف المخطوطات العربية لا أحد يعلم عنها شيئا وهكذا في دمشق وبيروت وهكذا في كل مكان، فهنالك تقصير كبير من العرب جدا تجاه هذا الإرث الكبير الذي هو ضمن دائرة العلوم والآداب والثقافة في مخطوطات غير معرف بها بشكل لائق وجيد.
لا يمكن أن يقوم هذا العمل دون دعم مادي كبير، ليس فقط من قبل الحكومات، لكن يجب أن يكون الدعم أيضا من مؤسسات وأفراد، ونحن عندنا ونشكر الله علي ذلك عشرات بل مئات وآلاف من الأغنياء عليهم أن يفكروا بأن إبراز هذا التراث الغني، يجب أن يصرف عليه مبالغ وتخصص هذه المبالغ في سبيل دعم مؤسسات ومكتبات وأشخاص يريدون أن يعملوا في هذا المجال، الحكومات مع مؤسسات علمية مع أفراد أغنياء موجودين في العالم العربي يمكن أن يتضافروا لإبراز هذا التراث بشكل جيد.
لا مجال للمقارنة بين الاهتمام الغربي بالتراث العربي وبين الاهتمام العربي، وأعتقد أن الغرب منذ القرن الرابع عشر والخامس عشر والسادس عشر وحتى في أيامنا هذه من أجل تراثنا، من أجل شخصيات كتبت في هذا التراث، من أجل مخطوطات مازالت موجودة في الغرب في مكتباته، وهذا يدل علي حس حضاري كان موجودا عندهم بينما نحن كنا غارقين في أمور أخرى، فأنا أعتقد أن الغرب قدم خدمات جليلة جدا إلي الفكر العربي من خلال دراساته للمخطوطات أكثر بكثير من العرب في كل هذه العهود التي مضت.

موضة العناية بالتراث
د.فيصل عبد السلام الحفيان منسق برامج معهد المخطوطات العربية التابع للمنظمة العربية للثقافة والعلوم ـ جامعة الدول العربية: في ظني أن المخطوط العربي علي الرغم من كل ما يشهده من اهتمام وعلي الرغم من انتشار المؤسسات المعنية بالتراث والمراكز المعنية بالتراث في كل البلاد العربية، ليس هناك الآن بلد عربي إلا وفيه مركز مخطوطات أو مراكز سواء الرسمية أو الخاصة، لا شك أن العناية بالتراث أصبحت الآن (موضة) حتى أصبح رؤوس الأموال في الخليج وغيره من البلاد العربية أصبحوا يتجهون إلي العناية بالتراث، وعلي الرغم من كل ذلك فإنني أقول أن التراث العربي المخطوط بخاصة لا يزال بحاجة إلي عناية أكبر، نحن اليوم نشهد في مؤتمر المخطوطات المطوية نموذجا لهذا الاهتمام يفتح آفاقا ربما كبيرا، وربما يجيب علي السؤال الذي نجيب عنه الآن: ما مدى الاهتمام بالتراث المخطوط؟ إذا كنا اليوم في العام 2008 نبحث في التراث المطوي، لا شك إذن أننا مازلنا بحاجة إلي جهد كبير، بعض المحاضرات في المؤتمر أشارت إلي نسبة ضئيلة جدا ـ لا أريد أن أحددها بالضبط لأنني أشك في مدي صدقيتها لكن فيها إشارة إلي أن جزءا كبيرا من تراثنا مازال مجهولا وجزءا كبيرا مازال مطويا لا نعرف عنه شيئا. نحن نريد مزيدا من الجهد علي المستويات المختلفة للتراث مستوى الاكتشاف، مستوي التحقيق، مستوى التعريف، وفوق ذلك مستوى توظيف التراث، نحن الآن مازلنا في المراحل الأولي للتراث، بعض الدراسات الأكاديمية الرصينة التي نشرت في العقد أو العقود الأخيرة، وأشارت إلي أن كثيرا مما نكتبه اليوم في التراث لم يعتمد إلا علي جزء ضئيل جدا من التراث، وهذا معناه أن مقولات اليوم التراث مقولات قاصرة وغير علمية وغير دقيقة، لابد إذن من أن نصل إلي المرحلة أو نقطع الشوط الأول في خدمة التراث، أنا بالطبع أدرك أن هناك إشكاليات كثيرة في التعرف علي هذا التراث، منها أن جزءا من هذا التراث بين أيدي الناس، بين أيدي الأسر، ولكن ذلك لا يمنع من أن نبذل جهودا وأن نكون مبتكرين في مسألة الإحاطة بهذا التراث والتعرف عليه حتى نستطيع أن نعرفه، مشكلة كبيرة أن يكون للأمة تراث ثم لا تعرف هذا التراث، معرفة التراث ليس المقصود بها المعرفة المتخصصة لدي العلماء المتخصصين أو لدي الباحثين المعنيين بهذا التراث، لابد أن ننتقل من مرحلة أنه معرفة خاصة إلي كونه معرفة عامة يعرفها الشباب والتلاميذ في المدارس فضلا عن الجامعات.. إلخ.
هناك عامل رئيس ومهم في مسألة جهلنا بهذا التراث هو الانبهار بالمعرفة الحديث أو الحضارة الحديثة وبما جاءت به، هذا الانبهار أظن أنه قد آن الأوان لكي يصبح انبهارا عاقلا، بمعني أننا نريد أن نعرف أيضا هذا الجزء من التراث، وأنا دائما أقول إن مسألة نهضة الأمة مرتبطة بتراثها، ليس بمعني أننا نريد أن نرجع إلي الخلف كما يتصور أو بمعني أننا نريد أن نعيش في الماضي، ولكن هذا النبت الجديد أو هذه الثمرة الجديدة لابد أن تكون ابنة بيئتها، لن تكون ابنة بيئتها ويكون لها خصوصيتها إلا إذا رجعنا إلي تراثنا، إلا إذا انطلقنا من هذا التراث، من قراءته وفهمه واستيعابه ثم من توظيفه، عندها ستكون لنا الملامح الخاصة التي تميزنا والتي تعطينا دفعة جديدة بحيث لا نكون نسخة مكررة أو معادة من الحضارة الحديثة، بذلك يعود اسهامنا كأمة إلي الحضور الفاعل والمؤثر وذي الخصوصية الذي يجعلنا امتدادا لذلك التراث العربي الإسلامي المشرق الذي لا يستطيع منصف أو عاقل أن ينكر دوره المؤثر والحقيقي في مسيرة الحضارة الإنسانية بعامة.