quot;إيلافquot; تفتح ملف جمعيات المستهلكين (2-5)
الجزائر... واقع ضحل يفتقد إلى هيكلة

كامل الشيرازي من الجزائر: لا ينظر كثير من الجزائريين بعين الرضا إلى أداء جمعيات حماية المستهلك المتكاثرة في البلاد، ويبدي السكان المحليون اشمئزازهم من خوضهم المنفرد لـ(حروب) الحليب والدقيق والقمح اللين والسكر والزيت والبطاطا، ووصول قطاع منهم إلى حد تناول (لحوم الحمير) في غياب تام لتلك الجمعيات، في وقت تتذرع الأخيرة بانعكاسات حرمانها من الاعتماد القانوني، ما أثر سلبًا بحسبها على حركيتها وهامش مناورتها.

وفي هذه الحلقة، تبحث quot;إيلافquot; في مختلف الحيثيات المتعلقة بجمعيات حماية المستهلك في الجزائر، وأدوارها على صعيد الرقابة ومواجهة التجار وكذا ظاهرة الغلاء التي صارت مرادفًا للحياة الجزائرية، وما ترتب عنها من إنهاك لجيوب المستهـــــلكين.

البدايات
ظهرت جمعيات حماية المستهلك في الجزائر أوائل تسعينيات القرن الماضي، بموجب السند القانـوني والتنظيمي المتمثل في القانون الشهير 31/90 المتعلقبتكوينالجمعيات، ونصت المادة 19 من القانون المذكور على تمكين الجمعيات في إطار التشريع المعمول به، من إصدار نشرات وتوزيعها، مجلات ووثائق إعلامية وكراسات لها علاقة بهدفها.

وجرى تعريف جمعيات حماية المستهلك على أنّها quot;منظمات حيادية تطوعية ذات طابع اجتماعي وأغراض غير مربحة، لا علاقة لها بالدولة يؤسسها نشطاء المجتمع من كافة فئاته الاجتماعية، والعلمية من متخصصين واتحادات ونقابات، وغرف تجارية وصناعية، وورد أيضًا في ديباجة القانون الآنف ذكره أنّ جمعيات من هذا النوع، تهتم بنشر ثقافة الاستهلاك السليم في أوساط المجتمع،وتتكفل بالدفاع عن المصالح المادية والمعنوية للمستهلكين، ترفع اهتماماتهم ورغباتهم إلى المتعاملين، وتطلعاتهم وشكواهم إلى الإدارة المعنية أو إلى القضاء، كما تسعى إلى خلق حوار دائم بين المستهلكين والمتعاملين، والـمنتخبين وكذا الإدارة من أجل تبيان حقوق وواجبات كل طرف.

كما حدّد القانون 89/02 القواعد العامة لحماية المستهلك، وجاء في المادة 23، أنهيمكنلجمعياتحمايةالمستهلكينأن تقوم بدراساتوإجراءاتخبراتمرتبطةبالاستهلاكعلى نفقتها، وتحت مسؤوليتها.

نتائج دون التطلعات
المتتبع لما مرّ بالجزائر من محطات على المستويين الاجتماعي والتجاري وغيرهما، يلمس أنّ النتائج لا تزال دون التطلعات، إذ تبرز مختلف الأزمات المعيشية التي عصفت بالبلاد على مدار الـ18 سنة المنقضية، الغياب/اللغز لجمعيات حماية المستهلك، فمنذ فضيحة اللحوم الفاسدة أواسط التسعينيات مرورًا بالزيادات الجنونية في أسعار المواد الاستهلاكية من الخبز إلى الزيت وتوابعهما، وصولا إلى مهزلة لحوم الحمير التي جرى تسويقها محليًا في مناسبتين (2003 و2007)، اتضح جليًا للعيان أنّ تلك الجمعيات كانت بمثابة الحاضر/الغائب ولم تنهض بالحد الأدنى من أدوارها المنصوص عليها قانونيًا، وهو ما جعل عموم الجزائريين لا يؤمنون بهذه الجمعيات ويستغربون لتخلفها عن التجاوب مع مشكلاتهم ورهاناتهم في مجال جودة السلع الاستهلاكية ومنطقية أسعارها ومساعدة المستهلكين على اختيار ما يناسبهم، بجانب تمكينهم من حقهم في التغذية وسائر الخدمات اللازمة، من تثقيف المستهلكين إلى حمايتهم، هذه المقدمات جعلت اليوم العالمي لحماية المستهلك الذي يتم إحياؤه في الخامس عشر من مارس/آذار من كل عام، مثار للغضب والأسى في عيون الجزائريين.

وكنقطة استدلالية، يعاني 85 في المئة من الجزائريين من سوء التغذية نتيجة تدهور قدرتهم الشرائية بنسبة تفوق 55في المئة خلال الـ20 سنة الماضية، بينهم حوالى مليوني طفل جزائري يفتقرون لأبسط أنواع التغذية الضرورية لسنهم، مثل الخبز والحليب والجبن، وطبعا تتبدى هنا نقاط ظل عن موقع جمعيات حماية المستهلك من كل هذا، وسط إقرار 72في المئة من الجزائريين بعجزهم عن مواكبة موجة الغلاء الفاحش، واعتراف 77في المئة بأنهم لم يشتروا اللحم أو الفاكهة منذ سنوات (..)، في صورة تعكس ضحالة الوضع المزري للمستهلكين، بفعل استشراء ظواهر المضاربة والاحتكار والانتهازية والسلع المقلّدة، والسوق الموازية وما ولدته من ارتفاعات متلاحقة للأسعار، بينما تمتنع السلطات عن الاعتراف الفعلي بحقوق المستهلكين وإصدار القوانين والتشريعات التي توفر لهم الحماية.

الأمن الغذائي وانعدام الرقابة
تشهد الجزائر ما لا يقلّ عن خمسة آلاف حالةتسممغذائيسنويا وذلك وفق بيانات وزارة الصحة الجزائرية، دون احتساب الحالات المسجلة لدى العيادات الخاصة، بالإضافةإلىالحالاتالتيتعالجذاتيا منخلال شراء العقاقير والأدويةبدونوصفةلدىالصيدليات، ويعتبر مراقبون أنّ هذه المعطيات دلالة على عدم تفعيل جمعيات حماية المستهلك لأدوارها في مجال الأمن الغذائي لمواطنيها من حيث عدم إذكاءها للرقابة، واكتفائها بدور المتفرج بدل قيامها بتوعية المحيط بمخاطر تطبيق العادات السيئة في تداول الأغذية بداية من الإنتاج إلى الاستيراد والمعالجة، فضلاً عن مراعاة شروط الحفظ والتخزين والتوزيع والنقل والتحضير، وما تفرزه ثقافــة الاســتــهلاك في أوساط الـمجتـمـع الجزائري، وما يرافقها من غش تجاري وقيمته التي تربو عن الملياري دولار في الجزائر، في وقت تثار استفهامات عن عدم استغلال جمعيات حماية المستهلك للآليات التشريعية المتاحةمن إعادةبعث المجلس الجزائري لحمايةالمستهلك بموجب المادة 24 منقانونحماية المستهلك، وعدم إنشاء وكالة محلية للسلامة الغذائية.

التجاهل وأشياء أخرى
أجمع ممثلو عديد جمعيات حماية المستهلك الجزائرية، على أنّهم يتعرضون لما يسمونه (تغييبا متعمدا)، ويتهمون السلطات بتجاهلهم، ما جعلهم بعيدا عن مركز الأحداث، ويقول هؤلاء في تصريحات لـquot;إيلافquot; أنّ عدم استفادتهم من الاعتماد القانوني، جعلهم لا يستطيعون التعاطي بالشكل المطلوب مع مجمل المشكلات الاستهلاكية التي تجابه الجزائريين في حياتهم اليومية، ويضيف خبير للجودة على مستوى ولاية وهران (430 كلم غرب الجزائر)، أنّ واقع الحال حتّم على الكثير من ممثليات المستهلكين، الاكتفاء بالملاحظة رغم كارثية الوضع الاستهلاكي في البلاد والفوضى العارمة التي تلقي بظلالها على الأسواق المحلية والقضية الاستهلاكية ككل.
من جانبه، يعزو quot;حريز زكيquot; رئيس الفيدرالية الجزائرية للمستهلكين، اللاحضور الذي يطبع الجمعيات المنضوية تحت لواء الفيدرالية، إلى (التحييد) الذي تصطدم به، ويستشهد بـ16 جمعية تفتقد للترخيص رغم إيداعها ملفات كاملة منذ العام 2006.

ويطالب رئيس الفيدرالية الجزائرية للمستهلكين، بضرورة إعادة تنظيم قطاع الاستهلاك من خلال مراعاة حقوق المستهلكين، وإدماج الجمعيات كشركاء في حوار عام يتجاوز المأزق الراهن، طالما أنّ استمرار الجهات المختصة في إغفال أهمية الجانب الاستهلاكي ستكون له آثار وخيمة اقتصاديًا، بحكم أنّ 4.5 مليون عامل في البلاد لن يقوموا ببذل الجهود المطلوبة إذا لم يستفيدوا من مناخ استهلاكي في مستوى ما يتطلعون إليه، تماما مثل زهد الدولة في تكثيف حضور جمعيات حماية المستهلك، سيكلفها مخصصات ضخمة تنفقها على نواتج التسممات بسبب عدم وجود جهة مراقبة.

إلى تونس، حيث ينطبق القولquot;ما باليد حيلةquot;على منظمة الدفاع عن المستهلك بتونس، فالمنظمة وعلى الرغم من انتشارها وإرتفاع عدد تدخلاتها من سنة إلى أخرى، إلا أنها ما تزال تشكو من عجز في الموارد المالية والبشرية، إلى جانب انحصار دورها في التوعية ونشر ثقافة المستهلك وفض النزاعات والدفاع عن حقوق المستهلك، لكن كل ذلك يتم quot;بالحسنىquot; وليس عبر آليات تدخل فاعلة، حسب ما ينص عليه نظامها الأساسي.(...والتفاصيل)

إيلاف تفتح ملف جمعيات المستهلك (1/5)
منظمة الدفاع عن المستهلك في تونس: طموح تحده الإمكانيات