تركي عبدالعزيز الثنيان: زادت سابك أسعار الحديد مرتين في شهر أبريل الماضي بنسبة تصل إلى 35%، بدون رقيب ولا حسيب... في الهند شكلت لجان من أعلى المستويات لرقابة تسعيرة الحديد ولدينا تتمخطر سابك كما يحلو لها ولحملة أسهمها، ولا عزاء للمستهلكين. تبيع سابك الحديد بالسعر العالمي، كما تقول، ومن غير المنطقي أن تبيع الحديد محليا بأسعار منخفضة في ظل ارتفاع الأسعار عالميا؛ منطق تجاري بحت، مؤسس على الربحية. وعلى الرأسمالية التي لم نأخذ منها إلا أشد صورها قسوة... quot;ما في مشكلةquot;، لنتفاوض تجاريا، ولنرم عنا قبعة الوطنية قليلا-إن أمكن. سابك تستخدم الطاقة في إنتاج الحديد والذي يشكل عنصرا رئيسيا (بالإضافة إلى عنصر خام مكورات الحديد، وهو بعيد عن تحكمية سابك ولا تلام سابك فيه) ولكن الطاقة التي تبيعها الحكومة لسابك تبيعها بسعر أرخص من الأسعار المباعة عالميا، وهذا ما يعني وكأن الشعب يوفر لشركة سابك الطاقة بأسعار متدنية، تمكنها من التنافس، منافسةً تمكنها من تغطية الإخفاقات التي لا تخلو منها أي منشأة (توريطة شركة جنرال إليكترك البلاستيكية)... إذا سابك تحصل على أسعار طاقة رخيصة، كان من الممكن أن يبيعها الشعب لها بالسعر العالمي، ولكن اقتطعت من الشعب هذه الربحية وتم تمريرها لشركة سابك.
سابك في المقابل لا تريد أن تسدد الدين وتمرر التكلفة الموفرة لها ابتداء من الشعب، وتتمنع بكل طمع. تريد ناس السعودية أن يدفعوا كما يدفع ناس الكونغو لمنتجاتها حسب قواعد السوق! طاقة تستنزف من أعماق أراضينا وتسحب من رصيد أحفادنا، وتلوث بيئي محتمل قد نستنشقه في هوائنا، وبنية تحتية دفعت من خزنتنا، ومع هذا لسان حال سابك يقول، قواعد السوق هي الحكم.. من حقها أن تقول ما تشاء، ولكن لا يعني ذلك أن ما تقوله هو الصواب؛ الصواب في اعتقادي هو ضرورة دعم الحديد بشكل فوري، فليس الحديد بأقل تأثيرا من، مثلا، شعير الأغنام، حتى يدعم الأخير ولا يدعم الأول...
إن لم نقدر على إقناع سابك ( وغيرها) بتحمل مسؤوليتها الوطنية، ولا أظننا قادرين، أو كان هناك سر لا نعرفه يجبر سابك على هذه التسعيرة التي ترتفع في الشهر مرتين وكأنها زنبرك مقياس ضغط مضارب، فأقترح أن تتحمل الدولة فارق السعر بين السعر العالمي وأي سعر معقول، مثلا، 3000 ريال للطن ( في 2006 كان السعر قرابة 2000 ريال).... والأسباب متعددة؛ فإحصائيا، لغة الأرقام تقول إن الاحتياج للمساكن في ازدياد، 5 ملايين وحدة سكنية خلال العشرين عاماً القادمة، ومعلوم أن تكلفة الحديد تشكل نسبة مؤثرة، وهذه النسبة تثقل كاهل المتقدمين للصندوق العقاري، وغيرهم من فئات الشعب ذوي الدخول المتوسطة فما دون...
دعم الأفراد ضرورة اجتماعية ملحة يحتمها الكثير من العوامل أهمها إشباع رغبات الأفراد في تملك مساكن تحميهم من نوائب الدهر، كيف لا، المأوى الآمن يعتبر الحاجة الأكثر إلحاحا في يومنا المعاصر. ومادمنا نوفر الطعام للبهائم، ألا نستشعر احتياج الأوادم؟! واربطوا الدعم برقم بطاقة الأحوال المدنية، بكمية تكفي لبناء بيت بحجم علبة الكبريت، يستحقه المواطن مرة يتيمة في عمره، على أضعف الإيمان أن ضاق بنا quot;العمشquot; أن نرى أي مصلحة ترجى من تعميم الدعم... وكلي أمل ألا نضيق ذرعا من دعم القطاع الخاص، فهو الرئة التي نتنفس بها، ولهذا فصحته من صحتنا، وتقول لنا كل التجارب العالمية إن من أهم عناصر التنمية دعم المنشآت الخاصة الصغيرة والمتوسطة، ومعلوم أن جزءاً كبيراً من هذه المنشآت يتقاطع ازدهارها ونموها مع التكاليف الداخلة في حساباتها، وأهمها تكلفة الحديد، المؤثرة في الإيجارات، وفي الإنشاءات، وكيف نريد للمستشفيات وللجامعات والمدارس أن تنمو في رحم القطاع الخاص وهي تئن من ضربات متوالية تبدأ بأسعار الأراضي ولا تنتهي بارتفاع أسعار الحديد. ثالثا، بناء البنية التحية للدولة الذي نشعر به في كل أنحاء المملكة لا يمكن أن يتم بدون توفير بيئة مناسبة للشركات الإنشائية؛ ما يحدث الآن من توقف للمقاولين بسبب ارتفاع الأسعار وفي مقدمتها أسعار الحديد دليل على ضرورة الإسراع بالتدخل، فمن وضع دراسته الاقتصادية على سعر 3000 لا يمكن أن تستمر حساباته بدون اضطراب إذا ارتفع السعر إلى 4000، وتقول الأرقام إن الخسائر بلغت الـ20%، وموعودون بالمزيد.. اكتفي من الأسباب فهي بدهية...
أما بعبع منظمة التجارة العالمية وأنها قد تتدخل لمنع ضبط الأسعار أو دعمها فهو لا يستند على أساس. فالمنظمة بها من النتوءات ما يكفل لنا تمرير دعم الحديد مادمنا لا نصدره ونغرق الأسواق الأجنبية ولا نخسف بأرباح الشركات الأجنبية، ونقدم الدعم بدون تمييز؛ المنظمة لا تتحرك من تلقاء ذاتها، بل لابد من شكوى من دولة تأثرت وتضررت من دعم الحديد الذي قامت به السعودية ؛ ثم إن اشتكت دولة ما، فالاستثناءات تخترق جسد المنظمة ولن نعدم إيجاد مسوغ قانوني؛ ولنترك كتابة مذكرة الدفاع ليوم المرافعة...


الخلاصة، الدولة بوصفها المسيطر على إدارة أرامكو لها تجربة مختلفة ؛ فالبنزين تبيعه ليس بالسعر العالمي، وإنما بتسعيرة محلية منخفضة -مكلفة وقد لا تكون الخيار الأمثل، ولكنها ارتأت أن تبيعه بهذا السعر لعدة أسباب، منها أن يشارك الأفراد في لذة الوفرات المالية.... ولم تقم قيامة المنظمة... والشعب مبتهج مسرور... ادعموا الحديد لبناء دولتنا، ادعموه لبناء منازل الغلابا، ادعموه لتنمية قطاعنا الخاص...
ختاما، بوصف الحكومة أكبر مالك في شركة سابك، أقترح إما أن تتدخل لتغير قواعد اللعبة بدعم الحديد بأي شكل من الأشكال حتى لا تتركز الثروات في حملة أسهم سابك على حساب شعب بأكمله، أو أن تنقل سابك مقرها الرئيسي إلى الكونغو وتأتي إلينا لتبيعنا ما تشاء بالأسعار العالمية.

*أستاذ قانون بجامعة الملك سعود