عبد المحسن بن إبراهيم البدر
منذ ما يقارب عامين والعالم برمته يترقب بشكل يومي أخبار معينة ومحددة على المستويين السياسي والاقتصادي من شأنها إيضاح الرؤية لمستقبل الاقتصاد العالمي، ومنذ أزمة الرهن العقاري الأمريكي أصبحت هناك كرة ثلج تكبر يوميا لتصيب الجميع بفوبيا الركود الاقتصادي العالمي، ولا عجب أن تكون أخبار الاقتصاد الأمريكي وهو أكبر اقتصادات العالم محور الاهتمام لقياس مدى تأثير معطيات الاقتصاد الأمريكي على العالم ومدى حقيقة الركود الاقتصادي الأمريكي ومن ثم العالم.

وخلال الأشهر القليلة الماضية أصبح يوم الإثنين من كل أسبوع هو يوم ربط الأحزمة لرؤية ذلك الأسبوع وتأثير أخبار عطلة نهاية الأسبوع في العالم على مستقبل الاقتصاد العالمي، ولذلك فإن التعاطي مع الأخبار أصبح يتسم بالكثير من الحساسية خصوصا فيما يخص أرقام الاقتصاد الكلي الأمريكي, وأخيرا بدأت أخبار الشركات الأمريكية تحتل مساحة من التحليل والنقاش فيما يخص إعلاناتها الدورية، فعلى سبيل المثال أثار إعلان quot;جنرال موتورزquot; إغلاق أربعة مصانع للشاحنات وتسريح أكثر من عشرة آلاف موظف في الولايات المتحدة وكندا والمكسيك الكثير من الجدل حول دخول الشركات الأمريكية في دائرة الخطر, وهو ما عكست أرقام مبيعات شركات السيارات الأمريكية الذي شهد انخفاضا كبيرا، فقد شهدت مبيعات شركة فورد الأمريكية في حزيران (يونيو) نفسه تراجعاً بلغ 28 في المائة في الأسواق الأمريكية، بينما سجلت quot;تويوتاquot; تراجعاً بلغ 21 في المائة، وquot;جنرال موتورزquot; وquot;نيسانquot; 18 في المائة لكل منها. إلى ذلك أعلنت شركة quot;ستاربكسquot; الأسبوع الماضي أنها ستغلق 600 مقهى من بين 7000 مقهى في الولايات المتحدة أي نحو 8 في المائة من حجم مقاهيها في الولايات المتحدة، وتسريح 12 ألف عامل لديها أو 7 في المائة من حجم العمالة لديها، وبغض النظر عن الأسباب التي ساقتها الشركة عن سبب هذا القرار إلا أن القراءة الحالية للاقتصاد الأمريكي تعطي دلالات على أن كل ما تعانيه الشركات الأمريكية هو نتيجة لما يعانيه اقتصادها.

ولعل أهم الأخبار التي أثارت انتباهي في الأسابيع الأخيرة، هو عن الركود الذي صاحب سوق الإصدارات في أمريكا، والخبر مفاده أنه لأول مرة خلال عقود يمر الربع السنوي الثاني من دون إدراجات أولية، ويعد سوق الإدراجات من أهم المؤشرات على حركة الاقتصاد، فعلى العكس من أمريكا نجد أن دول النمو الاقتصادي لديها نمو كبير في سوق الإصدارات الأولية، ويأتي انتهاء الربع الثاني من دون إصدارات أولية ليجعل مجموع الإصدارات الأولية في الأشهر الستة الأولى من عام 2008 إلى خمس شركات فقط، بينما كانت 43 شركة في الفترة نفسها من عام 2007، وتأتي خطورة هذا المؤشر من ناحية غياب الإصدار الأولي وغياب الاستثمار في شركات النمو مما يكون له تبعات كثيرة لعل أهمها غياب الفرص الاستثمارية الجديدة ومن ثم غياب الفرص الوظيفية وعلى أساسه زيادة نسبة البطالة والبقية تأتي تباعا.

لقد زادت الفترة الزمنية لطرح الشركات في سوق الأسهم فبعد أن كانت 6.5 سنة أصبحت الآن 8.6 سنة، ومعروف أن أعلى أرقام في التاريخ الأمريكي كانت أربع سنوات منذ بدء الشركة إلى طرحها في سوق الأسهم خلال طفرة الدوت كوم في التسعينيات الميلادية. من جهة أخرى فإن غياب فرصة استراتيجية للخروج من الشركات من خلال طرحها في سوق الأسهم يترك المستثمرين أمام خيار وحيد وهو الاستحواذ على شركات قائمة مما يعني تقليل المصروفات وتقليل الوظائف لينتهي إلى زيادة البطالة وزيادة الضغط الشعبي، ومرة أخرى .. البقية تأتي تباعا.

الخوف الأكبر هو في تنامي الخوف من الدخول في مغامرات تجارية بسبب الأوضاع الاقتصادية المتعثرة، وهذا قد يسهم في جعل مسألة الركود الاقتصادي في أمريكا مسألة وقت .