استفتاء (2/5)
عندما كان للثقافة العربية مكان – مركز
(لمعرفة صيغة الاستفتاء انقر هنا)

اشربل بعيني (أديب لبناني يقيم في استراليا)

لمركز الجديد للثقافة العربية هو الإنترنت

تعرف (إيلاف) كيف ومتى تثير الشجون، وتنكأ الجراح، وتوقظنا من غفوة أهل الكهف التي ابتلينا بها أدبياً، بعد أن سقطت بيروت، وأطفئت منارتها الثقافية، وديست بأقدام همجية طائفية، قتلت فيها الإبداع، ورمت مثقفيها ومثقفي الأمة العربية، الذين التجأوا إليها، هرباً من اضطهاد أنظمتهم القمعية، بضياع مر، ما زلنا نشمئز من مرارته رغم اندثار السنين واندحارها.
لقد كانت بيروت، ولسنوات طويلة، (ست الدنيا) بأعين الشعراء العرب، فيها يتغنون، ومنها ينطلقون إلى عالم الإبداع والشهرة، فلولاها لم يكن نزار قبّاني كما قدر له أن يكون، حتى ولا أدونيس. هي التي فرشت دربيهما بالمجد، ومدتهما بنسغ حريتها. فأصبح لصوتيهما رنين، ولطلتيهما هيبة. وما قلته عنهما أقوله عن العشرات من شعرائنا ومثقفينا الذين احتنضتهم، وأرضعتهم حليب مجدها دون منة أو مقابل.
الفكر العربي من المحيط إلى الخليج كان ينظر إلى بيروت نظرة حب وإعجاب، ويتلهف لملاقاتها، عله يغيّر، بمساعدتها طبعاً، ما وجب تغييره في وطنهم الأم، مما أوغر صدور الحكام العرب عليها، واعتبروها شراً يجب التخلص منه، قبل أن يطيح بهم، وكان لهم ما أرادوا.. فاجتاحتها حروب الآخرين على أرضها، وأطفأت نوراً أضاء الشرق كله، لدرجة أصبح معها هذا الشرق التعيس يفتّش عن عود ثقاب ليشعل شمعته فلا يجده في ظلام كريه مفتعل.
فإذا كان صالون مي زيادة الأدبي قد أنار سماء القاهرة، وجعلها المكان ـ الموئل ردحاً من الزمن، وإذا كانت الرابطة القلمية قد حوّلت مدينة (بوسطن) الأميركية، مدينة ثقافية عربية بكل ما للكلمة من معنى، فإن مجلة (شعر) التي أطلقها يوسف الخال، قد جعلت من بيروت قبلة الحداثة العربية، منها يبدأ التغيير، وعلى صفحاتها يتراقص الإبداع، وتشرئب الأسماء المتمردة الهاربة من مدنها العربية المعتقلة، لتعلن العصيان على الرتابة والخمول.
وإذا كان لكل جديد رهجة، كما يقول المثل الشعبي، فلقد ثوّر جديد مجلة (شعر) النقاد العرب، منهم من رفع راية الشعر الكلاسيكي، وأدمى شفتيه وأصابعه من أجل الدفاع عنه، ومنهم من اعتنق الحداثة مذهباً، وأبى أن يؤمن إلا بها. وهل أفضل من بيروت عاصمة لبنان، البلد العربي الديمقراطي الوحيد، لاحتضان مثل هذه الثورة الرائدة؟ بالطبع: لا.
رغم أنني اكتفيت بذكر بيروت، كوني عايشت تلك الفترة الذهبية التي مرّت بها ثقافتنا العربية عبر تلك المدينة المشتتة، التي ما زال المفكرون العرب يحلمون بملاقاتها، والتغني بها، ولكنني في نفس الوقت أؤمن أن سقوط بيروت لم يكن السبب في سقوط الثقافة العربية، أو الشعر العربي بالتحديد، إذ أن الشعر العالمي، وقبل نكبة بيروت، بدأ يعلن إفلاسه، وبدأت دور النشر العالمية تمتنع عن نشر دواوين الشعراء لعدم إقبال القراء عليها. وكيف يقبلون عليها وقد استنفد الشعر جميع مدارسه، ولم يبتكر الشعراء الجدد نمطاً جديداً يكون قادراً على تثوير النقاد، واجتذاب القراء، كما فعلت الحداثة الشعرية في القرن الماضي. كل شيء أصبح تقليدياً وتراثياً من (الخيل والليل والبيداء تعرفني) إلى (الرسولة بشعرها الطويل حتى الينابيع).
من هنا نقدر أن نستنتج أن المكان لم يسلط الضوء على الإبداع الفكري المتفجر في أرجائه، بل أن إبداع مفكرينا هو الذي سلط الضوء على المكان، ورسمه منارة جعلت المتلقي يحفظ اسماء المدن، لوحدويتها، وينسى أسماء مبدعيها لكثرتهم، فتغلب بذلك اسم المكان على أسماء مبدعيه.
ولأوضح الصورة أكثر: هل انطفاء (بوسطن) في الذاكرة الثقافية العربية كان السبب في انطفاء الرابطة القلمية، أم أن تناحر أعضاء الرابطة وتشتت شملهم هو الذي أطفأ شعلة (بوسطن) في ذاكرتنا؟.
المدن لا تتحرك، لا تتكلّم، ولا تبدع، بل أن هناك مبدعين يتألمون بها، فإذا ارتفع صوت ألمهم ارتفع صوتها، وإذا صمتوا صمتت، ولم يسمع أحد بها أو بساكنيها.
وكي لا أغبن المثقفين العرب، أجد أن الثقافة العالمية تبحث أيضاً عن مكان لها، بعد أن تخلت عنها جميع الأمكنة، فلولا بعض الكتب السياسية التي تلاقي رواجاً بسبب ارتباط السياسة بالناس، لم نجد كتاباً ثقافياً واحداً سلطت الأضواء عليه، وأحدث ضجة إعلامية باستثناء روايات (هاري بوتر) الطفولية.
اعطوني مدرسة أدبية جديدة، لأعطيكم اسم مكان جديد يتفاعل فيه روّاد هذه المدرسة، وينقل بريق إشعاعهم عبر أحرفه، فيحفظ المتلقون اسمه، وينسون اسم مبدعيه.
قد يكون وجود هذا المكان ـ الموئل من سابع المستحيلات، بسبب الشتات الذي يعيشه معظم المثقفين العرب، منهم من يقبع في السجون العربية، ومنهم من يتأفف من ضباب لندن، ومنهم من يتألم في باريس، ومنهم من يعمل ليقتات في نيويورك أو سيدني أو غيرها من المدن، ولا شيء يجمعهم إلا خطوط لا مرئية إسمها الإنترنت، بها يلتقون ويتفاعلون، وعلى صفحاتها ينشرون، ومن ثقافتها ينهلون، هي كل شيء بالنسبة لهم، ولم تعد تهمهم بيروت، أو القاهرة، أو بغداد، أو الخليج، أو لندن أو غيرها، طالما أن بإمكانهم أن يصلوا إلى قراء تلك المدن ساعة يشاؤون، وبأقل كلفة ممكنة لهم وللقراء. أفلا يحق لي إذن أن أقول: أن المركز الجديد للثقافة العربية هو الإنترنت، ولكن يلزمه الإبداع.. وإلاّ سنبقى نراوح مكاننا، ونجتر أعمال أسلافنا، فنضجر من كتاباتنا.. ويتثاءب القارىء.. وبعد لحظات يشخّر.

****


أحمد أبو مطر (كاتب وأكاديمي فلسطيني مقيم في أوسلو)

هبوط ثقافي: أسهمنا في صنع آلياته ومن الصعب إعادة إنتاجه!!


المسألة شائكة، والعبور إليها ليس سـهلا، لأن المشي في طرقاتها المظلمة يحـتاج إلي شجاعة إنتحارية، تتجاوز السائد من التحليل الذي ينطلق في الغالب من البكاء علي الماضي (الأطلال)، ثم يستهويه هذا البكاء ويستمر فيه لأن لغة الدموع تعويض نفسي عما فقدناه، أكان حبيباً أو صديقاً من البشر أو منجزاً ثقافياً أو إبداعياً.

في التاريخ العام للشعوب الناطقة باللغة العربية منذ ما لايقل عن عشرة قرون، وهي تعيش علي أمجاد ماض تم تضخيمها للتعويض النفسي، ومازال ممنوعا أو محظوراً التدقيق فيها، وإعادة كتابتها، لأن فيها الكثير من التعديات والخروقات التي تصل لحد الجرائم... وقد حاول المثقف والإبداعي المتنور في العقود الثمانية الماضية، أن يؤسس لنهضة تتجاوز ذلك الماضي بأمجاده، وتؤسس لحاضر يحاول مجاراة النهضة الأوروبية التي إكتشفت بدايات ملامحها مع صفير بوارج بونابرت وصهيل خيوله وهي تعبر جامحة من أمام ساحة الأزهر، وكانت بدايات مشجعة حاول بعضها الإنطلاق من الموروث الديني الذي يعوق التفكير الحر، لكن القوي المسيطرة التي لا تحقق سيطرتها وهيمنتها غير العادلة إلا بالإتكاء علي الموروث المتحجر، إذ يتيح تحجره لها أن تفسر أي أثر كما يحلو لها ويناسب مصالحها البعيدة عن مصالح عامة الناس... ورغم ذلك أسس ذلك الجيل لبدايات لها مكانتها رغم الهجمة الرجعية، فمثلا ماذا في كتاب طه حسين (في الأدب الجاهلي) كي يواجه آنذاك بتلك الحملة؟؟..

وفي مرحلة لاحقة رغم كل الظلام شكلت عواصم مثل.. بيروت، القاهرة، بغداد، مركزاً محورياً للثقافة والإبداع، مضيئا من ناحية إلا أنه خادع من ناحية أخري.علي مستوي الفعل الأبداعي أنتج ذلك المحور العديد من المجلات الطليعية التي كنا ننتظرها بشغف ولهفة، ولكن علي مستوى الفعل التأثيري، كان دورها محصوراً في دائرة منتجيها ومبدعيها ومن حولهم من أصدقاء ومريدين، أي أنها كانت ثقافة بلا فاعلية جماهيرية لها، ونستطيع التأكد من ذلك من خلال أرقام عدد المطبوع والمباع بعد ذلك... كارثة بمعني الكلمة، في الستينات عندما كانت الشعوب العربية لا تقل عن مائتي مليون نسمة أو بني أدم، كانت مجلات مثل (الطليعة) أو (مواقف) أو (الأداب)، لا تطبع من أي عدد مالا يزيد عن ثلاثة الآف نسخة، أي بمعدل نسخة لكل سبعين الف بني أدم....ونفس القياس علي كتب مشاهير الكتاب والمبدعين، من يتخيل أن كتب زكي نجيب محمود في الفلسفة أو علي الراعي في النقد أو أُدونيس وأمل دنقل في الشعر، لم يطبع من أي كتاب منها أكثر من أربعة آلاف نسخة لتلك الملايين، ومجرد جولة عشوائية علي مكتبات دمشق والقاهرة وبغداد وبيروت والخرطوم والرباط، تكاد تصيبك بالإغماء، عندما تجد أن كُتباً لتلك الأسماء صدرت طبعتها الأولي في عام 1960 مثلا، لاتزال منها عشرات النسخ علي رفوف المكتبات، أي أن أربعة آلاف نسخة لم تنفذ طوال خمسة عقود... لماذا؟

إن وطناً نسبة الأمية فيه تزيد علي ستين بالمائة، يعني أن المنتج الثقافي والأبداعي الجاد الذي يوجه للعقول، لا يجد من يشتريه، وإن وجد حالت حالته الأقتصادية دون ذلك... ورغم هذه الأرقام الصدمة، إلا أن نافذة الحريات التي كانت مفتوحة للمفكر والمبدع كانت واسعة قياساً علي حالة الجهل والتجهيل تلك... في الستينات مرت عاصفة الإحتجاج علي رواية (أولاد حارتنا) لنجيب محفوظ بهدوء، وكان التعبير المصاحب هو فقط منعها من الطباعة في القاهرة، ومنع الطبعة الصادرة في بيروت من دخول القاهرة، وهذا يعني أن هناك تفاوتاً واضحاً في عواصم المحور المشار إليه.. بيروت كانت مرشحة لدور نهضوي في مستويات عدة... من يتخيل هامش الحريات الصحفية فيها آنذاك... كانت الملجأ والملاذ للاجئين السياسيين العرب الهاربين من ظلم أنظمتهم من مختلف العواصم، بما فيها جارتها دمشق، دون أن يجرؤ واحد من هذه الأنظمة علي ملاحقتهم... لذلك كانت المؤامرة عام 1974 علي تلك العاصمة، مؤامرة عربية أكثر منها محلية لبنانية... كان لابد من تدمير تلك العاصمة النافذة، وجاء الأشقاء من العاصمة المجاورة، ليفرضوا ذهنيتهم القمعية الشمولية، لتصبح بيروت اليوم، واحدة من عواصم عربية، لم يبق إلا إقامة مسابقة بينها لدخول موسوعة (جينس) في القمع والفساد ومصادرة الحريات وتعميم الجهل والظلام... في الستينات من القرن الماضي، كانت نوافذ الحرية التي أنتجت لحظات التفرد في ذلك المحور، عائدة رغم نسبة الجهل والقمع، إلي أن التيار الديني الظلامي كان في طور الصعود... إكتمل صعوده في التسعينات من القرن الماضي، فوجد متنفساً في أفغانستان، لكنه في الداخل كان قد بدأ ينشر الفقه الظلامي الذي أحلّ التكفير محل التفكير، وأشاع مفردتي (الحلال) و (الحرام) فإذا مركز ـ مكان الثقافة المحوري، يتحول إلي خلايا مظلمة، لايمكن أن يتصور إنسان، كيف أصبحت تلك العواصم!!!.

ـ القاهرة

هذا المكان الذي إنطلق منه لطفي السيد وسلامة موسي وطه حسين وقاسم أمين وجمال الدين الأفغاني وآخرون، أصبح في العقود الثلاثة الماضية، مركزاً تسلطياً قمعياً من قبل النظام، وظلامياً معتماً من قبل الجماعات الطالبانية..
ـ شاب في الخامسة والعشرين من عمره، يهجم بالسكين علي الروائي نجيب محفوظ، محاولا قتله.. هل قرأ هذا الشاب أي عمل روائي لنجيب محفوظ.. أنا متأكد أنه لم يعرف ولم يسمع بإسم نجيب محفوظ إلا من التلفاز أو من شاشة السينما إن حضر فيلما مأخوذاً عن عمل له... ولكنه وجد من يغسل دماغه، ويعده بالجنة، فأقدم علي محاولته تلك.
ـ فرج فودة، يُقتل في وضح النهار، وشيخ من فقهاء الظلام يزّكي قتله، ويعد الشاب القاتل بالجنة والحور العين وأنهار اللبن والخمر والعسل.
ـ الدكتور أحمد صبحي منصور، خريج الأزهر ومن علماء الدين المتنورين.. لأنه شذّ عن خط فقهاء الظلام، طاردوه وهددوه متعاونين مع السلطة المستبدة، فهرب من مصر الكنانة، ولم يجد من يحميه ويؤمن له الملاذ الآمن إلا العلوج الأمريكان.. هل من الغريب أن نقول حماهم الله ويسوع!!
ـ الدكتور نصر حامد أبوزيد، فقط لإصداره بعض الكتب الجدلية التي تحثّ علي التفكير والإجتهاد هدده فقهاء النظام، وحاولوا التفريق بينه وبين زوجته، فهرب إلي بلاد الكفر (هولندا) ليجد فيها الحماية والأمن..
والأمثلة كثيرة... فإذا قاهرة التفكير والإبداع في الستينات تُصبح قاهرة التكفير وملاذاً لفقهاء الظلام، حيث شغلوا الشعب ذي الستين في المائة من الأميين بالشعوذة والجن والتداوي عن طريق آيات القرآن... الخ

ـ بيروت

من يتخيل بيروت قبل عام 1974 ومابعدها... قبلها كانت منارة الفكر الحر وملاذ الهاربين من قمع أنظمتهم.. بعدها جاء الجار الأكبر ليبسط سيطرته وجحيمه علي الجار الأصغر، فتحولت بيروت إلي نقطة قمع وفساد كالشقيقة الكبري دمشق، فاختفت (شعر) و (مواقف) وبدلت (الأداب) جلدها بشكل واضح.... فخيّم الظلام الفكري علي المكان الثالث من مدن المحور... وتحت وبسبب مقاومة (الإحتلال) المشروعة، صعد التيار الأصولي أيضاً من خلال (حزب الله)... تخيلوا ظلامية التسمية فقط هم (حزب الله) وما الآخرون؟؟... لاشيئ سوي (حزب الشيطان).

ـ بغداد

ماض متنور... وجاء طاغية ليجمد كل فكر وإبداع، ليصبح هو محوره ومركزه... وما إن إنهار ذلك الطاغية، حتي صعدت قوي الظلام الإرهابية لتدمر كل جميل وواعد...تزور بغداد بعد سقوطه، فإذا القوي السلفية، تعيث فساداً، فتحرق جامعة البصرة، وتفرض الحجاب اليوم علي السيدات، وربما غداً الشادور الطالباني... في ظل هكذا ظلام أي إبداع من الماضي، سيتجرأ علي النمو في هذا الحاضر..صعود التيار السلفي الظلامي، دَمّر كل إمكانية للتنوير... دليل واحد واضح ومقنع... في الثمانينات من القرن الماضي، كانت (وليمة لأعشاب البحر) لحيدر حيدر، رواية إبداعية، علاقتها بالفن والحياة فقط، فجأة مع صعود هذا التيار، أصبحت هذه الرواية في مطلع القرن الحادي والعشرين، رواية كافرة تصدر بحقها الفتاوي من قاهرة الأزهر، ويتظاهر ضدها شيوخ ومريدوهم، وأنا متأكد أن غالبيتهم لم يقرأها.... وفي القاهرة من الشيوخ من أعلن أن لديه إدانات وملفات تكفيرية بخصوص مالا يقل عن خمسين كاتباً ومفكراً...

نعم أن مسيرة الحياة الفكرية العربية والإسلامية تستعصي علي التحليل والحل.... الآخر صعد من التخلف وسيطرة الكنيسة، إلي آفاق العلم والتكنولوجيا والديمقراطية... العلم والتكنولوجيا الذي به يطبع الأصولي المسلم القرآن الكريم والسنة النبوية، ثم يستعملها أداة للتخلف والقمع... صعد الآخر نحو الديمقراطية وإحترام الإنسان، حيث يستقبل في بلاده ملايين من العرب والمسلمين (يطعمهم من الجوع ويؤمنهم من الخوف)، وتطالب ببعضهم حكوماتهم، فيرفض هذا الآخر، مما يذكرنا بهجرة صحابة الرسول إلي ملك الحبشة النجاشي... فيما نحن في العالم العربي، نهبط من لحظة إلي أخرى من نقاط مضيئة واعدة في تاريخنا إلي كهوف الظلام... المستقبل بناءاً علي معطيات الحاضر لا يبشر بخير، ولا بعودة الضوء الذي إنبعث من المحور المشار إليه.. نعم.. ماكان لن يكون أبداً... طالما قوي الظلام في صعود... من يتخيل... في الضفة الغربية، حيث مقاومة الإحتلال، يُمنع قبل أيام مهرجان فني غنائي، وفي قطاع غزة، يقتل مسلحون شابة محجبة وهي في السيارة مع خطيبها... كل ذلك لأن ملالي حماس، فرضوا وصايتهم علي الأخلاق العامة للمجتمع..

لا أمل... إلا بمعركة فكرية بشرية، تهزم قوى الإرهاب هذه، وإلا فلن يسمح بعد سنوات، لا بالموسيقي ولا الغناء ولا المسرح، ولن يتوفر إلا كُتب الشعوذة والسحر والعلاج بآيات القرآن.. ومواصفات حوريات الجنة.. وهي رائجة الآن وتبيع عشرات أضعاف كُتب أي مفكر ومتنور عربي.
حاضر مظلم، وصلنا إليه من لحظات تنويرية في الماضي، والمستقبل لايبشر بالحلم الإنساني الذي تعيشه الشعوب الأوروبية منذ قرن ونصف... إلا بمعجزة يقوم فيها الكتاب والمبدعون، بدور الإنتحاري الفكري لمحاصرة فكر قوى الظلام، مهما كان الثمن... لنتذكر ماعاناه مفكرو أوروبا في صدامهم الإستشهادي مع قوى ظلام الكنيسة... قتل وإعدامات ونفي وتشريد وإحراق الكتب والموسوعات... ورغم ذلك إنتصروا منذ قرن ونصف تقريباً، ليقبع رجال الكنيسة في أقبية كنائسهم، وينطلق الفكر البشري واصلاً بالإنسان الأوروبي إلي ما يعيشه اليوم.. فهل يصطف مفكرو وكتاب العرب ضد قوي الظلام السلفية؟! هذا هو حل الخروج من حاضر مظلم، نحو مستقبل واعد، يتكيء علي لحظات النور الماضية!.
[email protected]

***

أمير الدراجي (مفكر عراقي يقيم في أوسلو)

المكان: حركة أصولية / بيئة الميجاغرافيا!


[ زلزال من الاهتزازات، يفترض بالوعي تناغم واتسق معها.. لكن هذا لم يحدث، إذ بقيت قياسات الوعي في ضوء البيئة اليدوية، التي انتهت منذ عصر البخاريات الميكانيكية. الزمن أصبح منذ ذاك الوقت منفصلا عن طبيعة الكتلة بحركتها المقدرة، وصار لدينا زمن خارج حراك الكتل، وهكذا تدريجيا انتهى تاريخ الكتلة / المكان، بعد أن تحولت علاقات الناس محددة بزمن الشعاع أو الومضة الضوئية، وهذا خرب علاقات المكان، بوصفه مناصة ارتكازية للأحياء المتحركة، ولعله تدرج حتى صار من الماضي، فانتهى لان يكون حنينا محفوفا بخطر النزوع نحو التاريخانية والأصولية. في ضوء هذا حدث تسيب في المركزيات المكوكبة لمجال انعكاسها في المحيط المملحق والمتلقي، وأصبح من المستحيل التصرف مع المراكز كقوة مقررة، ذلك لان آليات الاتصال والاستظهاريات كلها، تمكنت من تخريب النظام الجغرافي والطبغرافي الأول، فالوطنيات الباهتة، وبدلا من القياس بالهكتارات وغيرها أصبح الميجابايت هو المساحة الجغرافية، المستدل عليها في بيئة من الطبغرافيا المكروتيكية الالكترونية، ولعل العالم يحتاج لفترة كي يصدق هكتاراته الجديدة، ويكون مستعدا لتقبلها، كعادته لا يقبل الحقيقة إلا بعد فوات الأوان! [الميجاغرافيا]، هي الوحدة القياسية التي ستسود عالم الجغرافيا القادمة، ولعلي اطرحها كمصطلح جديد (عملت على تطوير نظريته منذ ازمنة بعيدة، مطاردا دلالاته، في كل مستجد)، يجمع عنصرين مختلفين، في عالم زلزل كل الأوزان القديمة، حتى ليبدو الجسد الذي نتقمصه هو مكان مستعار من عالم قديم!. من هنا لم اجد في نفسي حماسا لحنين، طالما أصبحت الجغرافيا عالما منعدم الملامح، حيث بالامكان ضغط الأكوان في شاشة صغيرة، من شانها خلق تكافل جديد للنشاط العاطفي، الذي يجنح نحو الترهل والاختفاء، هكذا يبدو العالم يرتدي أقنعة زجاجية عازلة، هي الثمن الباهظ لتطوير عالم الرفاه، والقضاء على الأحلام الخرافية القديمة، حيث تحققت الأعجوبة، الى حد فقدت قدرتها على إحداث الدهشة المقابلة، لأنها ستكون لاحقا في عالم النمطيات والروتين. الوعي ملزم الإمساك بالوقت الطازج، وهو وقت الأزمنة الومضية، التي تملك شحنة مضغوطة، تجعل التأمل اللحظي أطول عمرا من صلاة متصوف، اذ لا يسع العقل إلا التصرف ببيئة المكروات والرقائق الذكية، والا يصبح عقل ماضوي، مصاب بعنوسة وعجز وتأخر، هذا يلزمني الوقوع بفخاخ الطازج، في حراكه البرقي والشعاعي، حيث هنيهة مكثفة هي كناية عن دهر يدوي بطيء، لم يعد الزمن يجيد التثاؤب القديم حين يلزم الوعي التعرف إليه ]

في المنصف أن نكون مخبولين، وفي الظالم أن نجانب العقل بأقصى تجليات التجريد، أي العدل المتوحش. في حساب العاطفة نكون اقرب لإنسانيتنا، إذ نبدو نحن البشر حكم علينا بعدم معرفة الحقيقة لأنها جحيمنا، هكذا / الخبل، الأوهام، الخرافات، صناعة القداسة / الدفء الوهمي.. كل ذلك نوع من الاتفاق على تأجيل الجحيم، وحيث نواجه لحظة الموت سنستمر بالتأجيل، حتى تنضب فينا القدرة على الوهم والمؤجلات، حينها ترتاح الأرض ونرتاح نحن من الوقوع بفخ تقمص الآلهة.. كل تفكير يجنح نحو هذا الفخ الخالد، عبثا يلتهمنا الفخ، وعبثا نصدق صلاتنا ورجاءنا بمكترث لاهوتي أو سلطاني، هو يأبى ان يعرف من نحن، ونحن نأبى ان نجهل من هو، كلانا يمارس لعبة البوكر المغشوشة، وكلانا سعيد بما قدر له، لان نظام إدارة الكون جاهل لذلك تستمر الحياة عادلة وغاوية.
على هذه الإشكورة الرضية، نمارس جس نبضنا، وهذا المهم، أي نختبر قدرتنا على الحنين، فيبدو لي على الأقل، انه مجموعة من المواد التالفة غير القابلة لإعادة التصنيع، ولا تبدو محركا عاطفيا، لانها أسست لتعاسة المستقبل، حيث نعيش الآن. كل عالم هو نتاج أفكار تملك قوة الخلخلة والتزلزل، لسوء حظنا، أو ربما لحسنه، لا نملك أفكارا زلزالية، غيرت مجرى تفكيرنا، وان سقطنا الاعجاب والتبدل، فثمة اختبار أن يبقى هذا الإعجاب ثابتا ولم يكن ابن لحظته، كمن يبكي خوفا من الموت لا حزنا على الميت!. المكان عالم مهول في طوفانه الفكري والفلسفي، ولعله الاخر تعرض لهتوك عديدة بسبب تطور الاتصال والعلاقات الإنسانية، حتى بدى المكان حركة اصولية ماضوية، مع سبق الإصرار، انه من الكلاسيكيات البشرية، التي ما زالت مجموعة هائلة من البشر تمارسها وتعتقد بها، فيما أصبحت علاقات متحف، او أصيبت بنوبة تتحيف. الزمان هذا التوام المولع بالوقاحة والخفة، ترك توأمته للمكان، واصبح قادرا على العيش بلا اخوة، بل اراه خان اخوته بطريقة بشعة، كمن ترك اخاه في البئر، وراح يسال عن اختفاء أخيه. الزمان (ولي علاقة مشعرية في حركيته الادق / في قبضها، من نشاط الفوتون الدماغي )، هذا الزمن فك ارتباطه الكلاسيكي مع المكان، وانعدم في ذاته، بل جعل المكان سخرية للإغراب! هكذا هتكت حركية الزمن قدسية المكان، فانعدم المكان بانعدام الزمن السيد، في الإطلاق. نحن في اللازمن، كذلك هذا افقد المكان مشروعيته الاينشتينية الأولى، واصبح المكان مجرد فضلة زمنية ومضية هتكت فيزياء اينشتين، وجعلته شيخا هرما، يسخر منه احفاده، وهم يتحركون في الميقات البرقي والومضي، فيما كان الزمن الشتايني، هو زمن القدريات البطيئة، في عالم تقييس العقل او بناء علاقات العقل في الأزمنة والأمكنة البدائية وحراكها اليدوي. ربما هناك فرادة مفزعة، عايشتها منذ اواخر الستينات، بخصوص سؤال الزمان والمكان، وهي تحتاج لمطولات وشروحا. في هذا الحاضر الانعدامي، وهو في جلال بياضه، يجنح الحنين لتمثل فيزياوي، لا يحسب بالعاطفة والرمنسة، بل يحسب بالميجاغراف – كما اصطلح له -، وهو وحدة قياس مبتكرة تسد حاجتي اللغوية والعلمية، في مساحة حراك الزمن البرقي والومضي على الكتل الكلاسيكية، حيال تقييس العقل وعلاقاته الحديثة على ضوء التطورات الإشعاعية السريعة، وليس في مجال حركتها المقدرة، كما اسلفنا حول جغرافيا اللامكان، أي جغرافيا الزمن بقوة ترتقي وتخرج عن القياس المكتسب للعقول. ربما في ثمانينات القرن المنصرم، ثمة مجال لحوار المركزيات الكوكبية، ولكن منذ الثمانينات قطعت البشرية ما يربو عن ألف عام، قياسا لمفهوم الزمن الكلاسيكي، ولعلي اثير خوفا ان اعتقدت ان حسابا رياضيا وفي الارقام، تجعل عالم الومض الزمني، الذي نعيش، بما يعادل ألف عام لكل ساعة! وربما المبالغة، هنا، مفتوحة على أوسع تطرفها وإفراطها. نبدو نحن الجيل الذي عاش كلاسيكيات التحجيم الزماني والمكاني سوف لا نفهم، ولا نتمكن بناء علاقة، في نسيج مجتمعات السيلكون والمكروات المشعة، ولعل عالم الغد وبيئته، تنبيء بعالم ومجتمع يشبه الخيال العلمي، الفكاهي لنا حاليا، فيما سيكون ذلك نمط المستقبل، حيث تنعدم فيزياء العاطفة، بطاقتها المألوفة، وتصبح المفاجأة مثل المرور بروتين، انه عالم ستكون الاعجوبة فيه، كنمط الخدمة العسكرية في العالم الثالث! ولعل رصد أطفال الانترنيت وعلاقاتهم يؤسس لتاريخ انعدام الدهشة والاعجوبة، والعاطفة بطاقتها القصدية، انه عالم الإعماء الأبيض بكل براءته وفطرته، عالم الذكيات الاجتماعية، ولعله لا يطاق بالنسبة لنا، فهو اثقل رهبة من الموت. البحث في الجهل، الإغفال، السجايا المعتقة، وهنا تنقلب فكرة الطليعة بحيث، تتمكن الاصولية من التسلل، في شتى الاصقاع، عبر منشط رومانسي، لكنه في عالم ما بعد الذكاء، سوف لا يحتفظ بولائه العفوي، بل يكون تصنعا وزيفا، يستشرف وعي وهمه، بسبق اصرار. ولعل تطور صناعة الانساخ البشري والبيولوجي، ستخلق نسخا او مجتمعات مزورة، سوف تتكفل الطبيعة بضبطها وتحديد انفلاتها عبر قصاص ومفاجآت مهولة، كل ذلك المستقبل الومضي، جعل التمركزات في حراك اسقط من ارثه تلك الظلال الانثروبولوجية القديمة. النشاط المعرفي قوض المركزيات القديمة، كل شيء يتحرك من الحنين السلمي للأصولية اليائسة، لانها تتسق، دون ان تدري، في ايقاع كوني ملزم، يفرض عليها فخ الحاضر، ويشكل ماضيها بأنساق الانقلابات الزمنية المشار لها. حيث الماضي لا يشكله الأموات، في الحاضر، بل الاحياء، لذا فهي جنوح نحو الحاضر بطريقة لا تعبر عن نفسها إلا بالعدوان. هذا ما ادعوه الحنين التنفيذي لصوت الموتى في لسان الاحياء، لان المصالحة لا تؤمن سعرت الحنين اليائس، غير انه وجد لنفسه فسحة للانتحار، وبكل الطرق. آباء الحداثة الأوائل شكلوا هذا المستقبل وأسسوا شجاعة خوضه، لكنهم أصبحوا في التقادم مثل عرافين وسحرة، أسوة بالطاقة الهائلة للمعرفة، كما كانت علاقة علوم الفلك بقدامة العرافين والمنجمين الى ان تحولت لوكالة ناسا وعبور الفضاء الخارجي. ربما ستجد بشرية المستقبل متسعا للحنين نحو عالم تعتبره مجموعة من السحرة والمتطيرين، رغم اننا نعتبره حداثة، كما هو حال الفلسفة اليوم، حيث أصبحت مشابهة للحكائية المثيولوجية، حين تنعدم مساحة الجهل ينتحر العالم بسبب ذكائه!!. احيانا اصاب بنوبة شفقة على عمالقة وانا اشاهد زلزال العلاقات الجديدة وكيف تحول هؤلاء في ضوء جبرياتها، ولعل العالم سيكافح المعرفة بتعلم الأمية، بعد ان لا يصبح سقراط أعجوبة لان العقل الجمعي يصبح بهذه القوة المفخخة بالذكاء. بعض الألم يقلل من الوقاحة المعرفية، ويمنح الانسانية حجم حاجتها للتوهم الضروري دائما. شاشة الكمبيوتر هي العاصمة المركزية لعالم اليوم، حكم على المكان في الاعدام. الزمن يمنح طاقته الومضية خلال اربعة وعشرين ساعة ومضية، ويكون مجتمع المكان الذي ابتلعه الزمن مجتمع الحراك الإشعاعي.. هنا أصبحت المساواة ظالمة لشدة عدالتها، من الممكن العيش بالصحارى وعلاقات الرعي، فيما داخل الخيمة الأولى تجد الهاتف النقال واللابتوب لتتصل بكل العالم، فيصبح الجمل وعلاقات الرعي، مثل أوربي يشاهد الجمل في حديقة حيوان، هنا ينتقل المجتمع من جديته الصحراوية وكفاحه المرير مع الطبيعة الى مجتمع سياحي، حيث البداوة كناية عن سياج في صحراء، اذن البيت يحدد مشهد العلاقة، ومن الممكن تصوير ناقة تولد للتو، من كامرة الكمبيوتر، كي يعرفها صاحب القطيع الذي يقضي أجازته في مونت كارلو! المكان اصبح مكان الجسد فيما العقل والمعرفة والبيئة كلها في اللامكان واللازمان حيث اقترق التوأمان واصبحا متطفلين على بعضيهما، في انعدام سوية الكتل. هذا المكان هو حديقة الحيوان والمكان السياحي، التي يشاهد منها بيئة غير مألوفة للعقل، سياقة سيارة، رحلات، إشغال وإنتاج، في طريقها للزوال الكلاسيكي، ومن الممكن التنبؤ، ببيئة الرقميات التي ستقود البواخر والطائرات والحروب من على شاشة صغيرة، حيث يصبح العالم العضلي مجرد استئناس في حدائق الحيوان والنزهات. ولعل هذا الحال سينتج أزمنة التضغيط والرقائق الذكية، وهذا يزيد من انقلابات الامكنة والازمنة. كل العالم والكواكب ستكون في جيب قميص، وتلك ازمنة الرقائق المفزعة / أزمنة الهتك المعرفي / الخلاعة السبرانية (السبروقراطيا)، يضطرد الى حد يكون فيه البشر اشبه بمجموعة اصولية كلاسيكية، ربما في تلك الأزمنة يبدا تاريخ جديد لبدء تكوين اخر، ويعم عالم التصنيع حتى في العاطفة الامومية، ذلك العالم هو يحدد فضائلة ولا يمكن اتهامه بالتشويه، ربما يتقاعد البشر عن الخدمة، ويولد الانسان متقاعدا، لا شغل لديه غير التسكع والكسل، هذا إن أحسن البشر تطوير النظام الأخلاقي والتعاقدي، ولكن لا أظن ذلك!. حين يصبح الذكاء نمطيا سيبحث الناس عن الجهل والإعماء، تلك غريزة تنظيم الحياة وبقائها حيث تشيء مشيئتها المتعالية على علم البشر، فهي لا تحفل بنرجسية المنتصر بذكائه، انها متعالية بجهلها، وهي في العادة لم تتعود تخدير أوجاعها حين يخرج الذكاء على المسموحات.
لا اعرف ماضي الأمكنة، بمركزياتها الطبوغرافية، حيث ألازمة ليست محلية ولا عالمية، ولعلها ليست ازمة، انما هي حدوث عادي، لا تتمكن بيئة الملاحق العالمية، كعالمنا الشرقي، ان تخرج من طاعة الرفاه الذي تقدمه المراكز الطليعية، فهي الاخرى تعيش حالة الانعدام والتسيب المركزي، كلما تصرفت بحنين اصيبت بلوثة التاصيل، اذ سرعان ما تستدرك، لتجد نفسها في حزمة من التلفيقات الرضية، ولكنها غير مقتنعة باي تبرير(تلانجلو ساكسونية الفرانكفونية، اليبانيزم، الروسكونية – من روسيا-، الهندوكية، كلها لا تتمكن استعادت الاسر الخارجة على طاعة المركزيات القديمة، فالاولاد فتلوا وسط الفردوس المتسيب، كي يتعرفوا على الجيران ويخونوا عداوة آباءهم)، ومع ذلك لا تخرج عن مزاوجة الوهم بالحنين ومزاوجة الوقائع بالصلافة المعرفية، وهي تتطور نحو الرفاه الانتحاري، حيث السير نحو الجنة بلا متعة ، وهناك تنعدم الخيارات امام الاندفاعة الاولى الى الرفاه، وقد تضاعف واياه تقليص تدرجي لنظام الأخلاق.. وهو يتعرض لعملية خداع ذاتية طويلة، سوف تجد نتائجها الحتمية بالثمن المقبوض من التعديات العديدة، وهي تخرق مناطق الحرام الكوني. هكذا يعود ادم غير نادم، وبلا خطيئة لأنه عرف كل شيء ولم يعد يخيفه أو يعيبه جهله، عاد يحمل مناعة ضد أكل الثمار الشيطانية، فيما الرحمان غير آبه بثماره أيضا.

الحلقة الأولى: أمجد ناصر/ د. مالك المطلبي/ صالح كاظم وحسن ولد المختار

الحلقة الثانية: ياسين طه حافظ، أحمد عيد مراد ومحمد صوف